وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نـزلت في رجل كانت له أخت كان زوجها من ابن عم لها فطلقها، وتركها فلم يراجعها حتى انقضت عدتها, ثم خطبها منه, فأبى أن يزوجها إياه ومنعها منه، وهي فيه راغبة.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في الرجل الذي كان فعل ذلك، فنـزلت فيه هذه الآية. فقال بعضهم كان ذلك الرجل: " معقل بن يسار المزني".
* ذكر من قال ذلك:
4927- حدثني محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد, عن قتادة عن الحسن, عن معقل بن يسار قال: كانت أخته تحت رجل فطلقها، ثم خلا عنها، (18) حتى إذا انقضت عدتها خطبها, فحمي معقل من ذلك، أَنَفًا، (19) وقال: خلا عنها وهو يقدر عليها!! (20) فحال بينه وبينها، فأنـزل الله تعالى ذكره: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ". (21)
4928- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع, عن الفضل بن دلهم, عن الحسن, عن معقل بن يسار: أن أخته طلقها زوجها, فأراد أن يراجعها, فمنعها معقل، فأنـزل الله تعالى ذكره: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " إلى آخر الآية. (22)
4929- حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا عباد بن راشد قال، حدثنا الحسن قال، حدثني معقل بن يسار قال: كانت لي أخت تخطب وأمنعها الناس, حتى خطب إلي ابن عم لي فأنكحتها, فاصطحبا ما شاء الله, ثم إنه طلقها طلاقا له رجعة, ثم تركها حتى انقضت عدتها, ثم خطبت إلي، فأتاني يخطبها مع الخطاب, فقلت له: خطبت إلي فمنعتها الناس, فآثرتك بها, ثم طلقت طلاقا لك فيه رجعة, فلما خُطبت إلي آتيتني تخطبها مع الخطاب! والله لا أنكحكها أبدا! قال: ففي نـزلت هذه الآية: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف "، قال: فكفرت عن يميني، وأنكحتها إياه. (23)
4930- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف "، ذكر لنا أن رجلا طلق امرأته تطليقة, ثم خلا عنها حتى انقضت عدتها, ثم قرب بعد ذلك يخطبها = والمرأة أخت معقل بن يسار= فأنف من ذلك معقل بن يسار, وقال: خلا عنها وهي في عدتها، ولو شاء راجعها, ثم يريد أن يراجعها وقد بانت منه! فأبى عليها أن يزوجها إياه. وذكر لنا أن نبي لله، لما نـزلت هذه الآية، دعاه فتلاها عليه, فترك الحمية واستقاد لأمر الله. (24)
4931- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن يونس , عن الحسن قوله تعالى: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن "، إلى آخر الآية, قال: نـزلت هذه الآية في معقل بن يسار. قال الحسن: حدثني معقل بن يسار أنها نـزلت فيه, قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها, حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها , فقلت له: زوجتك وفرشتك أختي وأكرمتك, ثم طلقتها, ثم جئت تخطبها! لا تعود إليك أبدا! قال: وكان رجل صدق لا بأس به, وكانت المرأة تحب أن ترجع إليه, قال الله تعالى ذكره: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ".
قال، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله! فزوجها منه. (25)
4932- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا أبو بكر الهذلي, عن بكر بن عبد الله المزني قال: كانت أخت معقل بن يسار تحت رجل فطلقها, فخطب إليه فمنعها أخوها، (26) فنـزلت: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن " إلى آخر الآية.
4933- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " الآية, قال: نـزلت في امرأة من مزينة طلقها زوجها وأبينت منه, فنكحها آخر, فعضلها أخوها معقل بن يسار، يضارها خيفة أن ترجع إلى زوجها الأول = قال ابن جريج، وقال عكرمة: نـزلت في معقل بن يسار. قال ابن جريج: أخته جمل ابنة يسار، كانت تحت أبي البداح، (27) طلقها, فانقضت عدتها, فخطبها, فعضلها معقل بن يسار.
4934- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف "، نـزلت في امرأة من مزينة طلقها زوجها، فعضلها أخوها أن ترجع إلى زوجها الأول = وهو معقل بن يسار أخوها.
4935- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله = إلا أنه لم يقل فيه: " وهو معقل بن يسار ".
4936- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا سفيان, عن أبي إسحاق الهمداني: أن فاطمة بنت يسار طلقها زوجها, ثم بدا له فخطبها, فأبى معقل, فقال: زوجناك فطلقتها وفعلت! فأنـزل الله تعالى ذكره: " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ". (28)
4937- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن وقتادة في قوله: " فلا تعضلوهن "، قال: نـزلت في معقل بن يسار, كانت أخته تحت رجل فطلقها, حتى إذا انقضت عدتها جاء فخطبها, فعضلها معقل فأبى أن ينكحها إياه, فنـزلت فيها هذه الآية، يعني به الأولياء، يقول: " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ".
4938- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن رجل, عن معقل بن يسار قال: كانت أختي عند رجل فطلقها تطليقة بائنة, فخطبها, فأبيت أن أزوجها منه, فأنـزل الله تعالى ذكره: " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن "، الآية.
* * *
وقال آخرون كان الرجل: " جابر بن عبد الله الأنصاري".
* ذكر من قال ذلك:
4939- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف "، قال: نـزلت في جابر بن عبد الله الأنصاري, وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة, فانقضت عدتها، ثم رجع يريد رجعتها. فأما جابر فقال: طلقت ابنة عمنا، ثم تريد أن تنكحها الثانية! وكانت المرأة تريد زوجها، قد راضته. فنـزلت هذه الآية.
* * *
وقال آخرون: نـزلت هذه الآية دلالة على نهي الرجل مضارة وليَّته من النساء, يعضلها عن النكاح.
* ذكر من قال ذلك:
4940- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " فهذا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتنقضي عدتها, ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها, وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك, فنهى الله سبحانه أن يمنعوها.
4941- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي , عن أبيه, عن ابن عباس: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف "، كان الرجل يطلق امرأته تبين منه وينقضي أجلها، (29) ويريد أن يراجعها وترضى بذلك, فيأبى أهلها, قال الله تعالى ذكره: " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ".
4942- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن منصور, عن أبي الضحى, عن مسروق في قوله: " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " قال: كان الرجل يطلق امرأته ثم يبدو له أن يتزوجها, فيأبى أولياء المرأة أن يزوجوها, فقال الله تعالى ذكره: " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ".
4943- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أصحابه, عن إبراهيم في قوله: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن "، قال: المرأة تكون عند الرجل فيطلقها, ثم يريد أن يعود إليها، فلا يعضلها وليها أن ينكحها إياه.
4944- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث, عن يونس, عن ابن شهاب: قال الله تعالى ذكره: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " الآية, فإذا طلق الرجل المرأة وهو وليها, فانقضت عدتها, فليس له أن يعضلها حتى يرثها، ويمنعها أن تستعف بزوج.
4945- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سلمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن "، هو الرجل يطلق امرأته تطليقة، ثم يسكت عنها فيكون خاطبا من الخطاب, فقال الله لأولياء المرأة: " لا تعضلوهن ", يقول: لا تمنعوهن أن يرجعن إلى أزواجهن بنكاح جديد =" إذا تراضوا بينهم بالمعروف "، = إذا رضيت المرأة وأرادت أن تراجع زوجها بنكاح جديد.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في هذه الآية أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنـزلها دلالة على تحريمه على أولياء النساء مضارة من كانوا له أولياء من النساء، بعضلهن عمن أردن نكاحه من أزواج كانوا لهن, فبن منهن بما تبين به المرأة من زوجها من طلاق أو فسخ نكاح. وقد يجوز أن تكون نـزلت في أمر معقل بن يسار وأمر أخته، أو في أمر جابر بن عبد الله وأمر ابنة عمه. وأي ذلك كان، فالآية دالة على ما ذكرت.
* * *
ويعني بقوله تعالى: " فلا تعضلوهن "، لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن أيها الأولياء من مراجعة أزواجهن بنكاح جديد، تبتغون بذلك مضارتهن.
* * *
يقال منه: " عضل فلان فلانة عن الأزواج يعضلها عضلا "، وقد ذكر لنا أن حيا من أحياء العرب من لغتها: " عضل يعضل ". فمن كان من لغته " عضل ", فإنه إن صار إلى " يفعَل ", قال: " يعضَل " بفتح " الضاد ". والقراءة على ضم " الضاد " دون كسرها, والضم من لغة من قال " عضل ". (30)
* * *
وأصل " العضل "، الضيق, ومنه قول عمر رحمة الله عليه: " وقد أعضل بي أهل العراق, لا يرضون عن وال, ولا يرضى عنهم وال ", (31) يعني بذلك حملوني على أمر ضيق شديد لا أطيق القيام به.
ومنه أيضا " الداء العضال " وهو الداء الذي لا يطاق علاجه، لضيقه عن العلاج, وتجاوزه حد الأدواء التي يكون لها علاج, ومنه قول ذي الرمة:
ولــم أقــذف لمؤمنــة حصـان
بــإذن اللــه موجبــة عضــالا (32)
ومنه قيل: " عضل الفضاء بالجيش لكثرتم "، إذا ضاق عنهم من كثرتهم. وقيل: " عضلت المرأة "، إذا نشب الولد في رحمها فضاق عليه الخروج منها, ومنه قول أوس بن حجر:
وليس أخــوك الـدائم العهـد بـالذي
يــذمك إن ولـى ويـرضيك مقبـلا (33)
ولكنــه النــائي إذا كــنت آمنـا
وصـاحبك الأدنـى إذا الأمـر أعضلا
* * *
و " أن " التي في قوله: " أن ينكحن "، في موضع نصب قوله: " تعضلوهن ".
ومعنى قوله: " إذا تراضوا بينهم بالمعروف "، إذا تراضى الأزواج والنساء بما يحل, ويجوز أن يكون عوضا من أبضاعهن من المهور، (34) ونكاح جديد مستأنف، كما:-
4946- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن عمير بن عبد الله, عن عبد الملك بن المغيرة, عن عبد الرحمن بن البيلماني, قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنكحوا الأيامى. فقال رجل: يا رسول الله، ما العلائق بينهم؟ قال: " ما تراضى عليه أهلوهم ". (35)
4947- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن الحارث قال، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني, عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلي الله عليه وسلم، بنحو منه. (36)
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال: " لا نكاح إلا بولي من العصبة ". وذلك أن الله تعالى ذكره منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك. فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها, أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها -لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم, إذ كان لا سبيل له إلى عضلها. وذلك أنها إن كانت متى أردات النكاح جاز لها إنكاح نفسها، أو إنكاح من توكله إنكاحها، (37) فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها. وفي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه، صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقا لا يصح عقده إلا به. وهو المعنى الذي أمر الله به الولي:= من تزويجها إذا خطبها خاطبها ورضيت به, وكان رضى عند أوليائها، جائزا في حكم المسلمين لمثلها أن تنكح مثله= ونهاه عن خلافه: من عضلها, ومنعها عما أرادت من ذلك، وتراضت هي والخاطب به.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله ذلك، ما ذكر في هذه الآية: من نهي أولياء المرأة عن عضلها عن النكاح، يقول: فهذا الذي نهيتكم عنه من عضلهن عن النكاح، عظة مني من كان منكم أيها الناس يؤمن بالله واليوم الآخر- يعني يصدق بالله، فيوحده, ويقر بربوبيته، (38) " واليوم الآخر " يقول: ومن يؤمن باليوم الآخر، فيصدق بالبعث للجزاء والثواب والعقاب، (39) ليتقي الله في نفسه, فلا يظلمها بضرار وليته ومنعها من نكاح من رضيته لنفسها، ممن أذنت لها في نكاحه.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: " ذلك يوعظ به "، وهو خطاب لجميع, وقد قال من قبل : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ؟ وإذا جاز أن يقال في خطاب الجميع " ذلك "، أفيجوز أن تقول لجماعة من الناس وأنت تخاطبهم: " أيها القوم، هذا غلامك، وهذا خادمك ", وأنت تريد: هذا خادمكم، وهذا غلامكم ؟
قيل: لا إن ذلك غير جائز مع الأسماء الموضوعات، (40) لأن ما أضيف له الأسماء غيرها، (41) فلا يفهم سامع سمع قول قائل لجماعة: " أيها القوم، هذا غلامك ", أنه عنى بذلك هذا غلامكم - إلا على استخطاء الناطق في منطقه ذلك. فإن طلب لمنطقه ذلك وجها في الصواب، (42) صرف كلامه ذلك إلى أنه انصرف عن خطاب القوم بما أراد خطابهم به، إلى خطاب رجل واحد منهم أو من غيرهم , وترك مجاوزة القوم بما أراد مجاوزتهم به من الكلام. (43) وليس ذلك كذلك في" ذلك " لكثرة جري ذلك على ألسن العرب في منطقها وكلامها, حتى صارت " الكاف " -التي هي كناية اسم المخاطب فيها- كهيئة حرف من حروف الكلمة التي هي متصلة. وصارت الكلمة بها كقول القائل: " هذا ", كأنها ليس معها اسم مخاطب. (44) فمن قال: " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر "، أقر " الكاف " من " ذلك " موحدة مفتوحة في خطاب الواحدة من النساء، والواحد من الرجال, والتثنية ، والجمع. ومن قال: " ذلكم يوعظ به "، كسر " الكاف " منهم: (45) " ذلكما ", وفي خطاب الجمع " ذلكم ".
وقد قيل : إن قوله: " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله "، خطاب للنبي صلي الله عليه وسلم, ولذلك وحد (46) ثم رجع إلى خطاب المؤمنين بقوله: " من كان منكم يؤمن بالله ". وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه، لم يكن فيه مؤونة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله " ذلكم " نكاحهن أزواجهن, ومراجعة أزواجهن إياهن، (47) بما أباح لهن من نكاح ومهر جديد=" أزكى لكم "، أيها الأولياء والأزواج والزوجات.
* * *
ويعني بقوله: " أزكى لكم "، أفضل وخير عند الله من فرقتهن أزواجهن. وقد دللنا فيما مضى على معنى " الزكاة ", فأغنى ذلك عن إعادته. (48)
* * *
وأما قوله: " وأطهر "، فإنه يعني بذلك: أطهر لقلوبكم وقلوبهن وقلوب أزواجهن من الريبة. وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما - أعني الزوج والمرأة - علاقة حب, لم يؤمن أن يتجاوزا ذلك إلى غير ما أحله الله لهما, ولم يؤمن من أوليائهما أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا منه بريئين. فأمر الله تعالى ذكره الأولياء -إذا أراد الأزواج التراجع بعد البينونة، بنكاح مستأنف، في الحال التي أذن الله لهما بالتراجع (49) = أن لا يعضل وليته عما أرادت من ذلك, وأن يزوجها. لأن ذلك أفضل لجميعهم, وأطهر لقلوبهم مما يخاف سبوقه إليها من المعاني المكروهة. (50)
ثم أخبر تعالى ذكره عباده أنه يعلم من سرائرهم وخفيات أمورهم ما لا يعلمه بعضهم من بعض, ودلهم بقوله لهم ذلك في هذا الموضع، أنه إنما أمر أولياء النساء بإنكاح من كانوا أولياءه من النساء إذا تراضت المرأة والزوج الخاطب بينهم بالمعروف, ونهاهم عن عضلهن عن ذلك= لما علم مما في قلب الخاطب والمخطوب من غلبة الهوى والميل من كل واحد منهما إلى صاحبه بالمودة والمحبة, فقال لهم تعالى ذكره: افعلوا ما أمرتكم به، إن كنتم تؤمنون بي، وبثوابي وبعقابي في معادكم في الآخرة, فإني أعلم من قلب الخاطب والمخطوبة ما لا تعلمونه من الهوى والمحبة. وفعلكم ذلك أفضل لكم عند الله ولهم, وأزكى وأطهر لقلوبكم وقلوبهن في العاجل. (51)
-----------------
الهوامش:
(18) خلا عن الشيء : تركه . وهذا الفعل الثلاثي قلما تصيبه واضحا في كتب اللغة ، ولكنه عربي معرق . وقد جاء في ثنايا العبارة في مادة (خلا) من لسان العرب ، وأتى به واضحا الشيرازي في معيار اللغة . والرواية الآتية تدل على صحة معناه كذلك . وهكذا جاء في مخطوطة الطبري ومطبوعته"خلا" ثلاثيا في الموضعين ، وجاء في رواية البخاري التي سنذكرها بعد"خَلَّى عَنْها" في الموضعين ، وهي بمعناها .
(19) قال ابن حجر في الفتح : "حمى - بكسر ثانية ، وأنفًا ، بفتح الهمزة والنون ، أي ترك الفعل غيظا وترفعا" وحمى : أخذته الحمية ، وهي الأنفة والغيرة .
(20) خلا عن الشيء : تركه . وهذا الفعل الثلاثي قلما تصيبه واضحا في كتب اللغة ، ولكنه عربي معرق . وقد جاء في ثنايا العبارة في مادة (خلا) من لسان العرب ، وأتى به واضحا الشيرازي في معيار اللغة . والرواية الآتية تدل على صحة معناه كذلك . وهكذا جاء في مخطوطة الطبري ومطبوعته"خلا" ثلاثيا في الموضعين ، وجاء في رواية البخاري التي سنذكرها بعد"خلى عنها" في الموضعين ، وهي بمعناها .
(21) الأثر : 4927- أخرجه البخاري بروايته عن محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى (الفتح 9 : 425-426) ، وفي رواية البخاري زيادة : "فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه . فترك الحمية واستقاد لأمر الله" . وستأتي في مرسل قتادة الآتي برقم : 4930 ، وسأشرحها في التعليق هناك .
(22) الأثر : 4928- أخرجه الحاكم في المستدرك 2 : 280 وقال : "هذا حديث صحيح الإسناد . ولم يخرجاه" ، وعقب عليه الذهبي فقال : "الفضل ، ضعفه ابن معين ، وقواه غيره" . بيد أن ابن أبي حاتم ذكر في ترجمته في الجرح والتعديل 3/2/61 : "سئل يحيى بن معين عن الفضل بن دلهم فقال : حديثه صالح" وانظر الاختلاف في أمر الفضل في ترجمته في التهذيب .
(23) الأثر : 4929-"محمد بن عبد الله بن المبارك القرشي المخرمي" (بضم الميم وفتح الخاء وتشديد الراء المكسورة ، نسبة إلى"المخرم" ، وهي محلة كانت ببغداد ، بين الرصافة ونهر المعلى . توفي ببغداد سنة 260 ، قال النسائي : "كان أحد الثقات ، ما رأينا بالعراق مثله" . وقال الدارقطني : "ثقة جليل متقن" . وقد مضت رواية الطبري عنه رقم : 3730 . وكان في المطبوعة : "المخزومي" .
وهذا الأثر ، أخرجه البخاري بروايته عن عبيد الله بن سعيد ، عن أبي عامر العقدي ، ولم يذكر إلا صدر الخبر ، ليثبت به تحديث الحسن عن معقل لقوله : "حدثني معقل بن يسار" (فتح الباري 8 : 143) . وأخرجه أبو داود ، بروايته عن محمد بن المثنى ، عن أبي عامر العقدي ، وهو مختصر .
(24) الأثر : 4930- هو إسناد الطبري الدائر في التفسير ، من تفسير قتادة ، بيد أنه من معنى رواية قتادة عن الحسن ، رقم : 4927 ، وفي آخر الزيادة التي أشرنا إليه في رواية البخاري للأثر السالف . و"الحمية" الأنفة والغضب . واستفاد للشيء ، أذعن وأطاع ، من"قاد الدابة يقودها" . أي ألقى بقيادة غير جامح ولا معاند .
(25) الأثر : 4931- أخرجه البخاري . قال : "حدثنا أحمد بن أبي عمر ، قال حدثنا أبي ، قال حدثني إبراهيم ، عن يونس" و"أحمد بن أبي عمر" هو : أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد . و"إبراهيم" هو : "إبراهيم بن طهمان ، و"يونس" هو : يونس بن عبيد (الفتح 9 : 160) وقد استقصى الكلام فيه الحافظ ابن حجر ، ثم ذكره في (الفتح 8 : 143) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2 : 174 ، والبيهقي في السنن 7 : 138 ، كلاهما من طريق أحمد بن حفص بمثل رواية البخاري ، وهي مثل رواية الطبري ، وإن كان فيها خلاف في بعض اللفظ ، كما أشار إليه الحافظ في الفتح ، وذكر ما فيه من الروايات . وها هنا خلاف لم يذكره الحافظ في قوله : "فرشتك أختي" ، فهكذا هو في المخطوطة والمطبوعة ، وفي المستدرك والذهبي جميعا ، وفي سائر الروايات"أفرشتك" ، وهما صواب في العربية جميعا . من قولهم : "فرشت فلانا بساطا واْفرشته إياه" : إذا بسطته له . وفرش له أخته وأفرشها له : جعلها له فراشا . والفراش كناية عن المرأة .
(26) في المخطوطة : "إخوتها" ، والذي في المطبوعة أحرى بالصواب ، لمشاكلته سائر الروايات .
(27) في المطبوعة : "جميل" بوزن التصغير ، كما قال ابن حجر في الفتح والإصابة (9 : 160) والذي في المخطوطة مضبوط بالقلم"جمل" بضم الجيم . وقد ذكرها فيه أيضًا وفي الإصابة (بضم أوله وسكون الميم) . وقال ابن حجر أنه وقع في تفسير الطبري"جميل" ، ولكن هذه المخطوطة شاهدة على اختلاف نسخ الطبري . واختلف في اسمها واسم"أبي البداح" اختلاف طويل ، فراجعه في فتح الباري 9 : 160 ، والإصابة . وسيأتي في رقم : 4936 أن اسمها"فاطمة" .
(28) الأثر : 4936-"أبو إسحاق الهمداني" ، هو"أبو إسحاق السبيعي ، عمرو بن عبد الله بن عبيد ، من سبيع ، والسبيع من همدان" روى عن علي والمغيرة بن شعبة ، ومات سنة 126 .
(29) في المطبوعة : "تبين منه" بغير فاء ، والصواب من المخطوطة .
(30) هذا البيان لا تجده في كتب اللغة ، وليس فيها ما رواه عن لغة هذا الحي من العرب . وقوله"عضل يعضل" بكسر الضاد الأولى وفتح الثانية ، مضبوط بالقلم في المخطوطة ، كما ضبطت سائر الأفعال .
(31) روى الزمخشري وصاحب اللسان في مادة (عضل) : "أعضل بي أهل الكوفة ، ما يرضون بأمير ولا يرضى عنهم أمير" ثم قال الزمخشري : "وروى : غلبني أهل الكوفة ، أستعمل عليهم المؤمن فيضعف ، وأستعمل عليهم الفاجر فيفجر!"
(32) ديوانه 441- من أبيات وصف بها صنعة شعره فقال :
وشــعر قــد أرقـت لـه غـريب
أجنبـــه المســـاند والمحـــالا
غــرائب قــد عـرفن بكـل أفـق
مــن الآفــاق تفتعــل افتعــالا
فبـــت أقيمــه , وأقــد منــه
قـــوافي لا أعــد لهــا مثــالا
غــرائب قــد عـرفن بكـل أفـق
مــن الآفــاق تفتعــل افتعــالا
فلــم أقـذف . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا البيت الأخير ، يعرض فيه بأئمة الهجاء في عصره ، جرير والفرزدق والأخطل وسائر من تراموا بالسباب . والحصان : العفيفة الطاهرة . والموجبة : أي التي توجب حد القذف ، أو توجب النار ، أعاذنا الله منها! والعضال : التي لا مخرج منها ولا علاج لها . وسياق البيت : ولم أقذف موجبة عضالا -لمؤمنة حصان . . . يعني : لم أرم الكلمة الشائنة والسباب الفاحش ، أبغي به أمرأة عفيفة قد برأها الله مما يقال . ورواية الديوان"بحمد الله" ، وهي أجود . هذا والبيت في المخطوطة فاسد : "لرمته حصال"!!
(33) ديوانه ، القصيدة : 31 . وهما بيتان قد كشفا عن سرائر الناس بلا مداجاة . فقلما تظفر بذلك .
(34) الأبضاع جمع بضع (بضم فسكون) : وهو الفرج ، والجماع ، وعقد النكاح ، والمهر ، والمراد الأول .
(35) الحديث : 4946- عبد الرحمن : هو ابن مهدي . سفيان : هو الثوري . عمير بن عبد الله بن بشر الخثعمي : ثقة ، وثقه ابن نمير وغيره . عبد الملك بن المغيرة الطائفي : تابعي ثقة ، وهو يروي هنا عن تابعي آخر . عبد الرحمن بن البيلماني ، مولى عمر : تابعي ثقة ، تكلم فيه بعض العلماء ، والحق أن ما أنكر من حديثه إنما جاء مما رواه عنه ابنه محمد . وأما هو فثقة . وهذا الحديث ضعيف ، لأنه مرسل . وقد رواه البيهقي 7 : 239 ، من طريق قيس بن الربيع ، عن عمير بن عبد الله ، بهذا الإسناد . ثم رواه من طريق حفص بن غياث وأبي معاوية ، عن حجاج بن أرطاة ، عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي ، ثم قال : "هذا منقطع" .
(36) الحديث : 4947- هو تكرار للحديث قبله ، ولكنه في هذا متصل ، بذكر"ابن عمر" فيه . وهو ضعيف أيضًا . بل هو أشد ضعفا من ذاك المرسل . محمد بن الحارث بن زياد بن الربيع الحارثي : ثقة ، متكلم فيه . وقد فصلنا القول في ترجيحه ، في شرح المسند : 5371 .
محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني : ضعيف جدا ، والبلاء في أحاديث أبيه ، ثم في أحاديث محمد ابن الحارث الحارثي -إنما هو من ناحيته . روى عن أبيه أحاديث مناكير لا أصل لها ، أو مراسيل لا أصل لوصلها ، وروى عنه محمد الحارثي - فتكلم في كل منهما من أجله . وقد فصلنا القول في تضعيفه ، في شرح المسند : 4910 .
وهذا الحديث رواه البيهقي 7 : 239 ، من طريق بندار ، وهو محمد بن بشار ، شيخ الطبري هنا - بهذا الإسناد . ثم رواه من طريق أبي عبد الرحمن الحضرمي صالح بن عبد الجبار ، عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن أبيه ، عن ابن عباس! ثم نقل عن أبي أحمد بن عدي ، قال : محمد ابن عبد الرحمن بن البيلماني ضعيف . ومحمد بن الحارث ضعيف . والضعف على حديثهما بين" .
ونقله السيوطي 1 : 287 ، من حديث ابن عمر ، ونسبه لابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن مردويه . ثم سكت عن ضعفه .
(37) في المطبوعة : "من توكله إنكاحها" بإسقاط الباء ، وأثبت ما في المخطوطة .
(38) انظر ما سلف في معنى"الإيمان" في مادة (أمن) من فهارس اللغة في الأجزاء الماضية .
(39) انظر ما سلف في تفسير"اليوم الآخر" 1 : 271 / 2 : 148 .
(40) "الأسماء الموضوعات" ، كأن"الاسم الموضوع" ، هو"الاسم المتمكن ، أو المعرب" ، ضريع"الاسم غير المتمكن ، أو المبني" .
(41) قوله : "غيرها" ، أي غير الأسماء .
(42) في المطبوعة : "وجها فالصواب" ، وهي خطأ محض ، والصواب من المخطوطة .
(43) في المطبوعة : "مجاوزة القوم . . . مجاوزتهم" بالجيم والزاي في الموضعين ، وهو كلام غير بصير . والصواب ما في المخطوطة وما يقتضيه السياق .
(44) يعني أنها صارت بمنزلة"هذا" في جريها كأنها كلمة واحدة ، وهي مركبة من"الهاء" و"ذا" ، الذي هو اسم إشارة .
(45) في المطبوعة والمخطوطة : "فقال في خطاب . . . " بالفاء ، وهو لا يستقيم .
(46) في المطبوعة"ولذلك وجه" ، وهو كلام مسلوب المعنى ، والصواب من المخطوطة .
(47) في المطبوعة : "نكاح أزواجهن لهن" ، وفي المخطوطة : "نكاحهن أزواجهن لهن" ، والذي في المطبوعة وجه من التصحيح لما في المخطوطة ، ولكني رأيت أن للتصحيح وجها آخر ، هو حذف"لهن" . وذلك لأنه أراد بقوله : "نكاحهن أزواجهن" ، ما جاء في الآية : "أن ينكحن أزواجهن" بإسناد"النكاح" إلى النساء ، فلذلك آثرت هذا التصحيح ، ولئلا يكون في الكلام تكرير لقوله بعد"ومراجعة أزواجهن إياهن" .
(48) انظر ما سلف 1 : 573-574 /2 : 297 / 3 : 88 .
(49) في المطبوعة : "أذن الله لهما" ، والمخطوطة ليس فيها زيادة"الله" .
(50) "سبوق" مصدر"سبق" ، لم يرد في كتب اللغة ، ولكن الطيري يكثر استعماله كما أشرنا إليه آنفًا في الجزء 4 : 287 ، 288 / ثم : 427 / ثم : 446 ، والتعليقات عليها .
(51) هذا كلام حبر رباني حكيم ، قد فقهه الله في أمور دينه ، وآتاه الحكمة في أمور دنياه ، وعلمه من تأويل كتابه ، فحمل الأمانة وأداها ، ونصح للناس فعلمهم وفطنهم ، ولم يشغله في تفسير كتاب ربه نحو ولا لغة ولا فقه ولا أصول -كما اصطلحوا عليه- عن كشف المعاني للناس مخاطبا بها قلوبهم وعقولهم ، ليبين لهم ما أنزل الله على نبيه ، بالعهد الذي أخذه الله على العلماء . فرحم الله أبا جعفر ، وغفر الله للمفسرين من بعده . وقلما تصيب مثل ما كتب في كتاب من كتب التفسير .