طه (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة طه عليه السلام
سورة طه - عليه السلام - مكية في قول الجميع ، نزلت قبل إسلام عمر - رضي الله عنه - روى الدارقطني في سننه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال خرج عمر متقلدا بسيف فقيل له إن ختنك قد صبوا فأتاهما عمر ، وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب وكانوا يقرءون ( طه ) فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه ، وكان عمر - رضي الله عنه - يقرأ الكتب فقالت له أخته : إنك رجس لا يمسه إلا المطهرون ، فقم فاغتسل أو توضأ فقام عمر - رضي الله عنه - وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ ( طه ) .
وذكره ابن إسحاق مطولا فإن عمر خرج متوشحا سيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتله فلقيه نعيم بن عبد الله ، فقال : أين تريد يا عمر ؟ فقال : أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها وعاب دينها ، وسب آلهتها فأقتله ، فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر ، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ ! أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟ فقال : وأي أهل بيتي ؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه ، فعليك بهما ، قال : فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها ( طه ) يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئا ، قال : بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه . وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى ، وقال لأخته : أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءونها آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد ، وكان كاتبا فلما قال ذلك ، قالت له أخته : إنا نخشاك عليها ، قال لها : لا تخافي وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها ، فلما قال ذلك : طمعت في إسلامه ، فقالت له : يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر واغتسل فأعطته الصحيفة وفيها ( طه ) فلما قرأ منها صدرا قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له : يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر فقال له عند ذلك فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ، وذكر الحديث .
مسألة : أسند الدارمي أبو محمد في مسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله تبارك وتعالى قرأ ( طه ) و ( يس ) قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت : طوبى لأمة ينزل هذا عليها ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا قال ابن فورك قوله : إن الله تبارك وتعالى قرأ ( طه ) و ( يس ) أي أظهر وأسمع وأفهم كلامه من أراد من خلقه من الملائكة في ذلك الوقت ، والعرب تقول : قرأت الشيء إذا تتبعته ، وتقول : ما قرأت هذه الناقة في رحمها سلا قط أي ما ظهر فيها ولد فعلى هذا يكون الكلام سائغا ، وقرأته أسماعه وأفهامه بعبارات يخلقها ، وكتابة يحدثها . وهي معنى قولنا : قرأنا كلام الله ، ومعنى قوله : فاقرءوا ما تيسر من القرآن ، فاقرءوا ما تيسر منه ومن أصحابنا من قال معنى قوله : ( قرأ ) أي تكلم به ، وذلك مجاز كقولهم : ذقت هذا القول ذواقا بمعنى اختبرته . ومنه قوله : فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون أي ابتلاهم الله تعالى به ، فسمي ذلك ذوقا ، والخوف لا يذاق على الحقيقة ؛ لأن الذوق في الحقيقة بالفم دون غيره من الجوارح . قال ابن فورك : وما قلناه : أولا أصح في تأويل هذا الخبر ؛ لأن كلام الله تعالى أزلي قديم سابق لجملة الحوادث ، وإنما أسمع وأفهم من أراد من خلقه على ما أراد في الأوقات والأزمنة ، لا أن عين كلامه يتعلق وجوده بمدة وزمان .
قوله تعالى : طه اختلف العلماء في معناه ؛ فقال الصديق - رضي الله تعالى عنه - هو من الأسرار ؛ ذكره الغزنوي . ابن عباس : معناه يا رجل ؛ ذكره البيهقي . وقيل : إنها لغة معروفة في عكل . وقيل : في عك ؛ قال الكلبي : لو قلت في عك لرجل يا رجل لم يجب حتى تقول طه وأنشد الطبري في ذلك فقال :
دعوت بطه في القتال فلم يجب فخفت عليه أن يكون موائلا
ويروى مزايلا . وقال عبد الله بن عمرو : يا حبيبي بلغة عك ، ذكره الغزنوي . وقال قطرب : هو بلغة طيئ ؛ وأنشد ليزيد بن المهلهل :
إن السفاهة طه من شمائلكم لا بارك الله في القوم الملاعين
وكذلك قال الحسن : معنى طه يا رجل . وقال عكرمة ، وقال : هو بالسريانية كذلك ؛ ذكره المهدوي ، وحكاه الماوردي عن ابن عباس أيضا ومجاهد ، وحكى الطبري أنه بالنبطية يا رجل . وهذا قول السدي وسعيد بن جبير وابن عباس أيضا ؛ قال :
إن السفاهة طه من خلائقكم لا قدس الله أرواح الملاعين
وقال عكرمة أيضا : هو كقولك يا رجل بلسان الحبشة ذكره الثعلبي . والصحيح أنها وإن وجدت في لغة أخرى فإنها من لغة العرب كما ذكرنا وأنها لغة يمنية في عك وطيئ وعكل أيضا . وقيل : هو اسم من أسماء الله تعالى ، وقسم أقسم به . وهذا أيضا مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، وقيل : هو اسم للنبي - صلى الله عليه وسلم - سماه الله تعالى به كما سماه محمدا وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لي عند ربي عشرة أسماء فذكر أن فيها طه ويس ، وقيل : هو اسم للسورة ، ومفتاح لها . وقيل : إنه اختصار من كلام الله خص الله تعالى رسوله بعلمه . وقيل : إنها حروف مقطعة ، يدل كل حرف منها على معنى ؛ واختلف في ذلك ؛ فقيل : الطاء شجرة طوبى ، والهاء النار الهاوية ، والعرب تعبر عن الشيء كله ببعضه ، كأنه أقسم بالجنة والنار . وقال سعيد بن جبير : الطاء افتتاح اسمه طاهر وطيب ، والهاء افتتاح اسمه هادي . وقيل : ( طاء ) يا طامع الشفاعة للأمة ، ( هاء ) يا هادي الخلق إلى الله . وقيل : الطاء من الطهارة ، والهاء من الهداية ؛ كأنه يقول : لنبيه - عليه الصلاة والسلام - : يا طاهرا من الذنوب ، يا هادي الخلق إلى علام الغيوب ، وقيل : الطاء طبول الغزاة ، والهاء هيبتهم في قلوب الكافرين ، بيانه قوله تعالى : سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ، وقوله : وقذف في قلوبهم الرعب . وقيل : الطاء طرب أهل الجنة في الجنة ، والهاء هوان أهل النار في النار ، وقول سادس : إن معنى طه طوبى لمن اهتدى ؛ قاله مجاهد ومحمد بن الحنفية وقول سابع إن معنى طه طإ الأرض ؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحمل مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورم ، ويحتاج إلى الترويح بين قدميه ، فقيل له : طإ الأرض ؛ أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح حكاه ابن الأنباري .
وذكر القاضي عياض في ( الشفاء ) أن الربيع بن أنس قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى طه يعني طإ الأرض يا محمد ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . الزمخشري وعن الحسن طه وفسر بأنه أمر بالوطء ، وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه فأمر أن يطأ الأرض بقدميه معا ، وأن الأصل طأ فقلبت همزته هاء كما قلبت في ( يطا ) فيمن قال :
. . . لا هناك المرتع
ثم بنى عليه هذا الأمر ، والهاء للسكت . وقال مجاهد : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يربطون الحبال في صدورهم في الصلاة بالليل من طول القيام ، ثم نسخ ذلك بالفرض ، فنزلت هذه الآية وقال الكلبي : لما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي بمكة اجتهد في العبادة واشتدت عبادته ، فجعل يصلي الليل كله زمانا ، حتى نزلت هذه الآية ، فأمره الله تعالى أن يخفف عن نفسه فيصلي وينام ، فنسخت هذه الآية قيام الليل ، فكان بعد هذه الآية يصلي وينام ، وقال مقاتل والضحاك فلما نزل القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - قام هو وأصحابه فصلوا ، فقال كفار قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى فأنزل الله تعالى طه يقول : يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى أي لتتعب ؛ على ما يأتي وعلى هذا القول إن طه طاها ؛ أي طإ الأرض ؛ فتكون الهاء والألف ضمير الأرض أي طإ الأرض برجليك في صلواتك وخففت الهمزة فصارت ألفا ساكنة ، وقرأت طائفة ( طه ) وأصله طأ بمعنى طإ الأرض فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت ، وقال زر بن حبيش : قرأ رجل على عبد الله بن مسعود طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى فقال له عبد الله : ( طه ) فقال : يا أبا عبد الرحمن أليس قد أمر أن يطأ الأرض برجله أو بقدميه فقال : ( طه ) كذلك أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأمال أبو عمرو وأبو إسحاق الهاء وفتحا الطاء وأمالهما جميعا أبو بكر وحمزة والكسائي والأعمش ، وقرأهما أبو جعفر وشيبة ونافع بين اللفظين واختاره أبو عبيد . الباقون بالتفخيم . قال الثعلبي وهي كلها لغات صحيحة النحاس لا وجه للإمالة عند أكثر أهل العربية لعلتين إحداهما أنه ليس هاهنا ياء ولا كسرة فتكون الإمالة والعلة الأخرى أن الطاء من الحروف الموانع للإمالة فهاتان علتان بينتان .