اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)

يقول تعالى ذكره: دنا حساب الناس على أعمالهم التي عملوها في دنياهم ونعمهم التي أنعمها عليهم فيها في أبدانهم، وأجسامهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، وملابسهم وغير ذلك من نعمه عندهم، ومسألته إياهم ماذا عملوا فيها؛ وهل أطاعوه فيها، فانتهوا إلى أمره ونهيه في جميعها، أم عصوه فخالفوا أمره فيها؟( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) يقول: وهم في الدنيا عما الله فاعل بهم من ذلك يوم القيامة، وعن دنو محاسبته إياهم منهم، واقترابه لهم في سهو وغفلة، وقد أعرضوا عن ذلك، فتركوا الفكر فيه، والاستعداد له، والتأهب، جهلا منهم بما هم لاقوه عند ذلك من عظيم البلاء، وشديد الأهوال.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) قال أهل التأويل، وجاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثني أبو معاوية، قال: أخبرنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) قال: في الدنيا.
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)

مكية
( اقترب للناس ) قيل اللام بمعنى من ، أي اقترب من الناس حسابهم ، أي : وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم ، يعني يوم القيامة ، نزلت في منكري البعث ، ( وهم في غفلة معرضون ) عن التأهب له .
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)

هذا تعجب من حالة الناس، وأنه لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعون إلى نذير، وأنهم قد قرب حسابهم، ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة، والحال أنهم في غفلة معرضون، أي: غفلة عما خلقوا له، وإعراض عما زجروا به. كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها ولدوا
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)

سورة الأنبياء وهي مكية .
قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق : سمعت عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله قال : بنو إسرائيل ، والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء ، هن من العتاق الأول ، وهن من تلادي .
هذا تنبيه من الله ، عز وجل ، على اقتراب الساعة ودنوها ، وأن الناس في غفلة عنها ، أي : لا يعملون لها ، ولا يستعدون من أجلها .
وقال النسائي : حدثنا أحمد بن نصر ، حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( في غفلة معرضون ) قال : " في الدنيا " ، وقال تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) [ النحل : 1 ] ، وقال [ تعالى ] : ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) [ القمر : 1 ، 2 ]
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانئ أبي نواس الشاعر أنه قال : أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول :
الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحن
فقيل له : من أين أخذ هذا؟ قال : من قوله تعالى : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) .
[ وروى في ترجمة " عامر بن ربيعة " ، من طريق موسى بن عبيدة الآمدي ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن عامر بن ربيعة : أنه نزل به رجل من العرب ، فأكرم عامر مثواه ، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه الرجل فقال : إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا في العرب ، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك . فقال عامر : لا حاجة لي في قطيعتك ، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) ] .
ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله ، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)

سورة الأنبياء
مكية في قول الجميع ، وهي مائة واثنتا عشرة آية
قال : قوله تعالى : اقترب للناس حسابهم قال عبد الله بن مسعود : الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول ، وهن من تلادي يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن كالمال التلاد . وروي أن رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبني جدارا فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة ، فقال الذي كان يبني الجدار : ماذا نزل اليوم من القرآن ؟ فقال الآخر : نزل اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فنفض يده من البنيان ، وقال : والله لا بنيت أبدا وقد اقترب الحساب ، اقترب أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم . للناس قال ابن عباس : المراد بالناس هنا المشركون بدليل قوله تعالى : إلا استمعوه وهم يلعبون إلى قوله : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون . وقيل : الناس عموم وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ؛ يدل على ذلك ما بعد من الآيات ؛ ومن علم اقتراب الساعة قصر أمله ، وطابت نفسه بالتوبة ، ولم يركن إلى الدنيا ، فكأن ما كان لم يكن إذا ذهب ، وكل آت قريب ، والموت لا محالة آت ؛ وموت كل إنسان قيام ساعته ؛ والقيامة أيضا قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان ، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى . وقال الضحاك : معنى اقترب للناس حسابهم أي عذابهم يعني أهل مكة ؛ لأنهم استبطئوا ما وعدوا به من العذاب تكذيبا ، وكان قتلهم يوم بدر . النحاس : ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للناس ؛ لئلا يتقدم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوي به التأخير . وهم في غفلة معرضون ابتداء وخبر . ويجوز النصب في غير القرآن على الحال . وفيه وجهان : أحدهما : وهم في غفلة معرضون يعني بالدنيا عن الآخرة . الثاني : عن التأهب للحساب وعما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - . وهذه الواو عند سيبويه بمعنى ( إذ ) وهي التي يسميها النحويون واو الحال ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features