وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)

ثم قال تعالى مخبرا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم ، وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة ، فقال : ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) .
قال ابن عباس وقتادة : يعنون قوله تعالى في " سورة البقرة " ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة : 214 ] .
أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب; ولهذا قال : ( وصدق الله ورسوله ) .
وقوله : ( وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) : دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم ، كما قاله جمهور الأئمة : إنه يزيد وينقص . وقد قررنا ذلك في أول " شرح البخاري " ولله الحمد والمنة .
ومعنى قوله : ( وما زادهم ) أي : ذلك الحال والضيق والشدة [ ما زادهم ] ) إلا إيمانا ) بالله ، ( وتسليما ) أي : انقيادا لأوامره ، وطاعة لرسوله .
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)

قوله تعالى : ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما .
قوله تعالى : ولما رأى المؤمنون الأحزاب ومن العرب من يقول : ( راء ) على القلب . قالوا هذا ما وعدنا الله يريد قوله تعالى في سورة البقرة : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية . فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق فقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله ، قاله قتادة . وقول ثان رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذكرت الأحزاب فقال : أخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها - يعني على قصور الحيرة ومدائن كسرى - فأبشروا بالنصر فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله ، موعد صادق ، إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر . فطلعت الأحزاب فقال المومنون : هذا ما وعدنا الله ورسوله . ذكره الماوردي . و ( ما وعدنا ) إن جعلت ما بمعنى الذي فالهاء محذوفة . وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد وما زادهم إلا إيمانا وتسليما قال الفراء : وما زادهم النظر إلى الأحزاب . وقال علي بن سليمان : رأى يدل على الرؤية ، وتأنيث الرؤية غير حقيقي ، والمعنى : ما زادهم الرؤية إلا إيمانا بالرب وتسليما ، قاله الحسن . ولو قال : ما زادوهم لجاز . ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق ، قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي ، وتوقع ما وعده الله من النصر وقال : من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة فلم يجبه أحد . وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد ، فنظر إلى جانبه وقال : من هذا ؟ فقال حذيفة . فقال : ألم تسمع كلامي منذ الليلة ؟ قال حذيفة : فقلت يا رسول الله ، منعني أن أجيبك الضر والقر . قال : انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم . اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي ، انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني . فانطلق حذيفة بسلاحه ، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يقول : يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي فنزل جبريل وقال : ( إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك ) ، فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وبسط يديه وأرخى عينيه وهو يقول : شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي . وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليهم ريحا ، فبشر أصحابه بذلك . قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد ، فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء ، فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها ولا بناء إلا طرحته ، وجعلوا يتترسون من الحصباء . وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء ! وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس . وتفرقت الأحزاب ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله ، فجاءته فاطمة بغسل فكانت تغسل رأسه ، فأتاه جبريل فقال : ( وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ، ما زلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء - ثم قال - انهض إلى بني قريظة ) . وقال أبو - سفيان : ما زلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء .
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)

ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال : ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا ) تسليما لأمر الله وتصديقا لوعده : ( هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) وعد الله إياهم ما ذكر في سورة البقرة : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم " إلى قوله : " ألا إن نصر الله قريب " ( البقرة - 214 ) ، فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء ، فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ( وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) أي : تصديقا لله وتسليما لأمر الله .
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)

لما ذكر حالة المنافقين عند الخوف، ذكر حال المؤمنين فقال: { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ } الذين تحزبوا، ونزلوا منازلهم، وانتهى الخوف، { قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ } في قوله: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }
{ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } فإنا رأينا، ما أخبرنا به { وَمَا زَادَهُمْ } ذلك الأمر { إِلَّا إِيمَانًا } في قلوبهم { وَتَسْلِيمًا } في جوارحهم، وانقيادًا لأمر اللّه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features