وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (7)

يقول تعالى مخبرا عن أولي العزم الخمسة ، وبقية الأنبياء : أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله ، وإبلاغ رسالته ، والتعاون والتناصر والاتفاق ، كما قال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) [ آل عمران : 81 ] فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إرسالهم ، وكذلك هذا . ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة ، وهم أولو العزم ، وهو من باب عطف الخاص على العام ، وقد صرح بذكرهم أيضا في هذه الآية ، وفي قوله : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) [ الشورى : 13 ] ، فذكر الطرفين والوسط ، الفاتح والخاتم ، ومن بينهما على [ هذا ] الترتيب . فهذه هي الوصية التي أخذ عليهم الميثاق بها ، كما قال : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم [ وموسى وعيسى ابن مريم ] ) ، فبدأ في هذه الآية بالخاتم; لشرفه - صلوات الله [ وسلامه ] عليه - ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله [ وسلامه ] عليهم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا محمد بن بكار ، حدثنا سعيد بن بشير ، حدثني قتادة ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قول الله تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) الآية : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ، [ فبدئ بي ] قبلهم " سعيد بن بشير فيه ضعف .
وقد رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة مرسلا وهو أشبه ، ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا ، والله أعلم .
وقال أبو بكر البزار : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا حمزة الزيات ، حدثنا علي بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : خيار ولد آدم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين . موقوف ، وحمزة فيه ضعف .
وقد قيل : إن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا في صورة الذر من صلب آدم ، كما قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : ورفع أباهم آدم ، فنظر إليهم - يعني ذريته - وأن فيهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ، ودون ذلك ، فقال : رب ، لو سويت بين عبادك ؟ فقال : إني أحببت أن أشكر . وأرى فيهم الأنبياء مثل السرج ، عليهم كالنور ، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ، فهو الذي يقول الله تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ] ) الآية . وهذا قول مجاهد أيضا .
وقال ابن عباس : الميثاق الغليظ : العهد .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (7)

قوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا .
قوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم أي عهدهم على الوفاء بما حملوا ، وأن يبشر بعضهم ببعض ، ويصدق بعضهم بعضا ; أي كان مسطورا حين كتب الله ما هو كائن ، وحين أخذ الله تعالى المواثيق من الأنبياء . ومنك يا محمد ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وإنما خص هؤلاء الخمسة وإن دخلوا في زمرة النبيين تفضيلا لهم . وقيل : لأنهم أصحاب الشرائع والكتب ،وأولو العزم من الرسل وأئمة الأمم . ويحتمل أن يكون هذا تعظيما في قطع الولاية بين المسلمين والكافرين ; أي هذا مما لم تختلف فيه الشرائع ، أي شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . أي كان في ابتداء الإسلام توارث بالهجرة ، والهجرة سبب متأكد في الديانة ، ثم توارثوا بالقرابة مع الإيمان وهو سبب وكيد ; فأما التوارث بين مؤمن وكافر فلم يكن في دين أحد من الأنبياء الذين أخذ عليهم المواثيق ; فلا تداهنوا في الدين ولا تمالئوا الكفار . ونظيره : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا إلى قوله ولا تتفرقوا فيه .
ومن ترك التفرق في الدين ترك موالاة الكفار . وقيل : أي النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان ذلك في الكتاب مسطورا ومأخوذا به المواثيق من الأنبياء . وأخذنا منهم ميثاقا غليظا أي عهدا وثيقا عظيما على الوفاء بما التزموا من تبليغ الرسالة ، وأن يصدق بعضهم بعضا . والميثاق هو اليمين بالله تعالى ; فالميثاق الثاني تأكيد للميثاق الأول باليمين . وقيل : الأول هو الإقرار بالله تعالى ، والثاني في أمر النبوة . ونظير هذا قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري الآية . أي أخذ عليهم أن يعلنوا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعلن محمد صلى الله عليه وسلم أن لا نبي بعده . وقدم محمدا في الذكر لما روى قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح قال : كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث . وقال مجاهد : هذا في ظهر آدم عليه الصلاة والسلام .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (7)

قوله - عز وجل - : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ) على الوفاء بما حملوا وأن يصدق بعضهم بعضا ويبشر بعضهم ببعض . قال مقاتل : أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادة الله ويصدق بعضهم بعضا وينصحوا لقومهم ( ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ) خص هؤلاء الخمسة بالذكر من بين النبيين لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولوا العزم من الرسل ، وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر لما :
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد الحديثي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ ، أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان الساعدي ، أخبرنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال ، أخبرنا أبي ، أخبرنا سعيد - يعني ابن بشير - عن قتادة عن الحسن ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث " .
قال قتادة : وذلك قول الله - عز وجل - : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) فبدأ به - صلى الله عليه وسلم - قبلهم .
( وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (7)

يخبر تعالى أنه أخذ من النبيين عمومًا، ومن أولي العزم -وهم، هؤلاء الخمسة المذكورون- خصوصًا، ميثاقهم الغليظ وعهدهم الثقيل المؤكد، على القيام بدين اللّه والجهاد في سبيله، وأن هذا سبيل، قد مشى الأنبياء المتقدمون، حتى ختموا بسيدهم وأفضلهم، محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأمر الناس بالاقتداء بهم.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features