أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

يقول تعالى ذكره: أتى أمر الله فقرُب منكم أيها الناس ودنا، فلا تستعجلوا وقوعه.
ثم اختلف أهل التأويل في الأمر الذي أعلم الله عباده مجيئه وقُربه منهم ما هو، وأيّ شيء هو؟ فقال بعضهم: هو فرائضه وأحكامه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: الأحكام والحدود والفرائض.
وقال آخرون: بل ذلك وعيد من الله لأهل الشرك به، أخبرهم أن الساعة قد قَرُبت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: لما نـزلت هذه الآية، يعني ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن أمر الله أتى، فأمسِكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن ، فلما رأوا أنه لا ينـزل شيء، قالوا: ما نراه نـزل شيء فنـزلت اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ فقالوا: إن هذا يزعم مثلها أيضا ، فلما رأوا أنه لا ينـزل شيء، قالوا: ما نراه نـزل شيء فنـزلت وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي بكر بن حفص، قال: لما نـزلت ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ) رفعوا رءوسهم، فنـزلت ( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو بكر بن شعيب، قال: سمعت أبا صادق يقرأ (يا عِبادِي أتّى أمْرُ اللَّهِ فلا تستعجلوه) .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هو تهديد من الله أهل الكفر به وبرسوله، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك وذلك أنه عقَّب ذلك بقوله سبحانه وتعالى ( عَمَّا يُشْرِكُونَ ) فدلّ بذلك على تقريعه المشركين ووعيده لهم. وبعد، فإنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تُفرض عليهم فيقال لهم من أجل ذلك: قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها. وأما مستعجلو العذاب من المشركين، فقد كانوا كثيرا.
وقوله سبحانه وتعالى ( عَمَّا يُشْرِكُونَ ) يقول تعالى تنـزيها لله وعلوّا له عن الشرك الذي كانت قريش ومن كان من العرب على مثل ما هم عليه يَدِين به.
واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى ( عَمَّا يُشْرِكُونَ ) فقرأ ذلك أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين ( عَمَّا يُشْرِكُونَ ) بالياء على الخبر عن أهل الكفر بالله وتوجيه للخطاب بالاستعجال إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قرءوا الثانية بالياء . وقرأ ذلك عامَّة قرّاء الكوفة بالتاء على توجيه الخطاب بقوله ( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقوله تعالى " عما يشركون " إلى المشركين ، والقراءة بالتاء في الحرفين جميعا على وجه الخطاب للمشركين أولى بالصواب لما بيَّنت من التأويل ، أن ذلك إنما هو وعيد من الله للمشركين ، ابتدأ أوّل الآية بتهديدهم ، وختم آخرها بنكير فعلهم واستعظام كفرهم على وجه الخطاب لهم.
أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

يقول تعالى -مقربا لما وعد به محققا لوقوعه- { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ } فإنه آت، وما هو آت، فإنه قريب، { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } من نسبة الشريك والولد والصاحبة والكفء وغير ذلك مما نسبه إليه المشركون مما لا يليق بجلاله، أو ينافي كماله،
أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

تفسير سورة النحل وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وتسمى سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من نعمه على عباده . وقيل : هي مكية غير قوله - تعالى - : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية ; نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد . وغير قوله - تعالى - : واصبر وما صبرك إلا بالله . وغير قوله : ثم إن ربك للذين هاجروا الآية . وأما قوله : والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا فمكي ، في شأن هجرة الحبشة . وقال ابن عباس : هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة بعد قتل حمزة ، وهي قوله : ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إلى قوله بأحسن ما كانوا يعملون .
أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
قوله تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه قيل : أتى بمعنى يأتي ; فهو كقولك : إن أكرمتني أكرمتك . وقد تقدم أن إخبار الله - تعالى - في الماضي والمستقبل سواء ; لأنه آت لا محالة ، كقوله : ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار . و أمر الله عقابه لمن أقام على الشرك وتكذيب رسوله . قال الحسن وابن جريج والضحاك : إنه ما جاء به القرآن من فرائضه وأحكامه . وفيه بعد ; لأنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة استعجل فرائض الله من قبل أن تفرض عليهم ، وأما مستعجلو العذاب والعقاب فذلك منقول عن كثير من كفار قريش وغيرهم ، حتى قال النضر بن الحارث : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية ، فاستعجل العذاب .
قلت : قد يستدل الضحاك بقول عمر - رضي الله عنه - : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر ; خرجه مسلم والبخاري . وقد تقدم في سورة البقرة . وقال الزجاج : هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم ، وهو كقوله : حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور . وقيل : هو يوم القيامة أو ما يدل على قربها من أشراطها . قال ابن عباس : لما نزلت اقتربت الساعة وانشق القمر قال الكفار : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت ، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون ، فأمسكوا وانتظروا فلم يروا شيئا ، فقالوا : ما نرى شيئا فنزلت اقترب للناس حسابهم الآية . فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة ، فامتدت الأيام فقالوا : ما نرى شيئا فنزلت أتى أمر الله فوثب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون وخافوا ; فنزلت فلا تستعجلوه فاطمأنوا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه : السبابة والتي تليها . يقول : إن كادت لتسبقني فسبقتها . وقال ابن عباس : كان بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة ، وأن جبريل لما مر بأهل السماوات مبعوثا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا الله أكبر ، قد قامت الساعة .
قوله تعالى : سبحانه وتعالى عما يشركون أي تنزيها له عما يصفونه به من أنه لا يقدر على قيام الساعة ، وذلك أنهم يقولون : لا يقدر أحد على بعث الأموات ، فوصفوه بالعجز الذي لا يوصف به إلا المخلوق ، وذلك شرك . وقيل : عما يشركون أي عن إشراكهم . وقيل : ما بمعنى الذي أي ارتفع عن الذين أشركوا به .
أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

مكية [ مائة وثمان وعشرون آية ] إلا قوله تعالى : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) إلى آخر السورة .
( أتى ) أي جاء ودنا وقرب ، ( أمر الله ) قال ابن عرفة : تقول العرب : أتاك الأمر وهو متوقع بعد ، أي : أتى أمر الله وعدا فلا تستعجلوه وقوعا .
( أمر الله ) قال الكلبي وغيره : المراد منه القيامة .
قال ابن عباس لما نزل قوله تعالى " اقتربت الساعة " ( القمر - 1 ) قال الكفار بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن ، فلما لم ينزل شيء [ قالوا : ما نرى شيئا فنزل قوله " اقترب للناس حسابهم " ( الأنبياء - 1 ) فأشفقوا ، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به ] فأنزل الله تعالى : ( أتى أمر الله ) فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم وظنوا أنها قد أتت حقيقة فنزلت ( فلا تستعجلوه ) فاطمأنوا .
والاستعجال : طلب الشيء قبل حينه .
ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه ، وإن كادت لتسبقني " .
قال ابن عباس : كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة ولما مر جبريل عليه السلام بأهل السموات مبعوثا إلى محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : الله أكبر قامت الساعة .
وقال قوم : المراد بالأمر هاهنا : عقوبة المكذبين والعذاب بالسيف وذلك أن النضر بن الحارث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فاستعجل العذاب ، فنزلت هذه الآية . وقتل النضر يوم بدر صبرا .
( سبحانه وتعالى عما يشركون ) معناه تعاظم بالأوصاف الحميدة عما يصفه به المشركون .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features