كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)

أي‏:‏ ‏{‏كَيْفَ‏}‏ يكون للمشركين عند اللّه عهد وميثاق ‏{‏و‏}‏ الحال أنهم ‏{‏وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ‏}‏ بالقدرة والسلطة، لا يرحموكم، و ‏{‏لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً‏}‏ أي‏:‏ لا ذمة ولا قرابة، ولا يخافون اللّه فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا‏.‏ ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم ‏{‏يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ‏}‏ الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقًا، ‏{‏وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ‏}‏ لا ديانة لهم ولا مروءة‏.‏
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)

يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداة المشركين والتبري منهم ، ومبينا أنهم لا يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم بالله وكفرهم برسول الله ولو أنهم إذ ظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم ، لم يبقوا ولم يذروا ، ولا راقبوا فيهم إلا ولا ذمة .
قال علي بن أبي طلحة ، وعكرمة ، والعوفي عن ابن عباس : " الإل " : القرابة ، " والذمة " : العهد . وكذا قال الضحاك والسدي ، كما قال تميم بن مقبل :
أفسد الناس خلوف خلفوا قطعوا الإل وأعراق الرحم
وقال حسان بن ثابت - رضي الله عنه - :
وجدناهم كاذبا إلهم وذو الإل والعهد لا يكذب
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لا يرقبون في مؤمن إلا ) قال : الله . وفي رواية : لا يرقبون الله ولا غيره .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن سليمان ، عن أبي مجلز في قوله تعالى : ( لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ) مثل قوله : " جبرائيل " ، " ميكائيل " ، " إسرافيل " ، [ كأنه يقول : يضيف " جبر " ، و " ميكا " ، و " إسراف " ، إلى " إيل " ، يقول عبد الله : ( لا يرقبون في مؤمن إلا ) ] كأنه يقول : لا يرقبون الله .
والقول الأول أشهر وأظهر ، وعليه الأكثر .
وعن مجاهد أيضا : " الإل " : العهد . وقال قتادة : " الإل " : الحلف .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)

قوله تعالى : ( كيف وإن يظهروا عليكم ) هذا مردود على الآية الأولى تقديره : كيف يكون لهم عهد عند الله كيف وإن يظهروا عليكم! ( لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) قال الأخفش : كيف لا تقتلونهم وهم إن يظهروا عليكم أي : يظفروا بكم ، لا يرقبوا : لا يحفظوا؟ وقال الضحاك : لا ينتظروا . وقال قطرب : لا يراعوا فيكم إلا . قال ابن عباس والضحاك : قرابة . وقال يمان : رحما . وقال قتادة : الإل الحلف . وقال السدي : هو العهد . وكذلك الذمة ، إلا أنه كرر لاختلاف اللفظين . وقال أبو مجلز ومجاهد : الإل هو الله عز وجل . وكان عبيد بن عمير يقرأ : " جبر إل " بالتشديد ، يعني : " عبد الله " . وفي الخبر أن ناسا قدموا على أبي بكر من قوم مسيلمة الكذاب ، فاستقرأهم أبو بكر كتاب مسيلمة فقرؤوا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن هذا الكلام لم يخرج من إل ، أي : من الله .
والدليل على هذا التأويل قراءة عكرمة " لا يرقبون في مؤمن إيلا " بالياء ، يعني : الله عز وجل . مثل جبرائيل وميكائيل . ولا ذمة أي : عهدا . ( يرضونكم بأفواههم ) أي : يعطونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم ، ( وتأبى قلوبهم ) الإيمان ، ( وأكثرهم فاسقون ) .
فإن قيل : هذا في المشركين وكلهم فاسقون فكيف قال : " وأكثرهم فاسقون " ؟ قيل : أراد بالفسق : نقض العهد ، وكان في المشركين من وفى بعهده ، وأكثرهم نقضوا ، فلهذا قال : " وأكثرهم فاسقون " .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features