وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ (6)

لما كان ما تقدم من قوله ‏{‏فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ‏}‏ أمرا عاما في جميع الأحوال، وفي كل الأشخاص منهم، ذكر تعالى، أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم جاز، بل وجب ذلك فقال‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ‏}‏ أي‏:‏ طلب منك أن تجيره، وتمنعه من الضرر، لأجل أن يسمع كلام اللّه، وينظر حالة الإسلام‏.‏ ‏{‏فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ‏}‏ ثم إن أسلم، فذاك، وإلا فأبلغه مأمنه، أي‏:‏ المحل الذي يأمن فيه، والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر اللّه رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه‏.‏ وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم‏:‏ أن القرآن مخلوق‏.‏ وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول، ليس هذا محل ذكرها‏.‏
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ (6)

يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه : ( وإن أحد من المشركين ) الذين أمرتك بقتالهم ، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم ، ( استجارك ) أي : استأمنك ، فأجبه إلى طلبته ( حتى يسمع كلام الله ) أي : [ القرآن ] تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من [ أمر ] الدين تقيم عليه به حجة الله ، ( ثم أبلغه مأمنه ) أي : وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه ، ( ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) أي : إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله ، وتنتشر دعوة الله في عباده .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في تفسير هذه الآية ، قال : إنسان يأتيك يسمع ما تقول وما أنزل عليك ، فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله ، وحتى يبلغ مأمنه ، حيث جاء .
ومن هذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي الأمان لمن جاءه ، مسترشدا أو في رسالة ، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش ، منهم : عروة بن مسعود ، ومكرز بن حفص ، وسهيل بن عمرو ، وغيرهم واحدا بعد واحد ، يترددون في القضية بينه وبين المشركين ، فرأوا من إعظام المسلمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر ، فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك ، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم .
ولهذا أيضا لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : أتشهد أن مسيلمة رسول الله ؟ قال : نعم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقك وقد قيض الله له ضرب العنق في إمارة ابن مسعود على الكوفة ، وكان يقال له : ابن النواحة ، ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنه يشهد لمسيلمة بالرسالة ، فأرسل إليه ابن مسعود فقال له : إنك الآن لست في رسالة ، وأمر به فضربت عنقه ، لا رحمه الله ، ولعنه .
والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة أو تجارة ، أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية ، أو نحو ذلك من الأسباب ، فطلب من الإمام أو نائبه أمانا ، أعطي أمانا ما دام مترددا في دار الإسلام ، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه . لكن قال العلماء : لا يجوز أن يمكن من الإقامة في دار الإسلام سنة ، ويجوز أن يمكن من إقامة أربعة أشهر ، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولان ، عن الإمام الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله.
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ (6)

قوله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك ) أي : وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم ، أي : استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله . ( فأجره ) فأعذه وآمنه ، ( حتى يسمع كلام الله ) فيما له وعليه من الثواب والعقاب ، ( ثم أبلغه مأمنه ) أي : إن لم يسلم أبلغه مأمنه ، أي : الموضع الذي يأمن فيه وهو دار قومه ، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله ، ( ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) أي : لا يعلمون دين الله تعالى وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كلام الله . قال الحسن : وهذه الآية محكمة إلى يوم القيامة .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features