يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)

هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم. والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ْ} بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع. فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها ثم قال ممتنا على عباده: { أُحِلَّتْ لَكُمْ ْ} أي: لأجلكم، رحمة بكم { بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ْ} من الإبل والبقر والغنم، بل ربما دخل في ذلك الوحشي منها، والظباء وحمر الوحش، ونحوها من الصيود. واستدل بعض الصحابة بهذه الآية على إباحة الجنين الذي يموت في بطن أمه بعدما تذبح. { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ْ} تحريمه منها في قوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ْ} إلى آخر الآية. فإن هذه المذكورات وإن كانت من بهيمة الأنعام فإنها محرمة. ولما كانت إباحة بهيمة الأنعام عامة في جميع الأحوال والأوقات، استثنى منها الصيد في حال الإحرام فقال: { غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ْ} أي: أحلت لكم بهيمة الأنعام في كل حال، إلا حيث كنتم متصفين بأنكم غير محلي الصيد وأنتم حرم، أي: متجرئون على قتله في حال الإحرام، وفي الحرم، فإن ذلك لا يحل لكم إذا كان صيدا، كالظباء ونحوه. والصيد هو الحيوان المأكول المتوحش. { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ْ} أي: فمهما أراده تعالى حكم به حكما موافقا لحكمته، كما أمركم بالوفاء بالعقود لحصول مصالحكم ودفع المضار عنكم. وأحل لكم بهيمة الأنعام رحمة بكم، وحرم عليكم ما استثنى منها من ذوات العوارض، من الميتة ونحوها، صونا لكم واحتراما، ومن صيد الإحرام احتراما للإحرام وإعظاما.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)

سورة المائدة مائة وعشرون آية ، نزلت بالمدينة كلها إلا قوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) الآية ، فإنها نزلت بعرفات .
بسم الله الرحمن الرحيم
روي عن أبي ميسرة قال : أنزل الله تعالى في هذه السورة ثمانية عشر حكما لم ينزلها في غيرها ، قوله : ( والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ( وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) وتمام الطهور في قوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة ( والسارق والسارقة ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) الآية ، ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) وقوله : ( شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ) .
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) أي بالعهود ، قال الزجاج : هي أوكد العهود ، يقال : عاقدت فلانا وعقدت عليه أي : ألزمته ذلك باستيثاق ، وأصله من عقد الشيء بغيره ووصله به ، كما يعقد الحبل بالحبل [ إذا وصل ] .
واختلفوا في هذه العقود ، قال ابن جريج : هذا خطاب لأهل الكتاب ، يعني : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة أوفوا بالعهود التي عهدتها إليكم في شأن محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " ( سورة آل عمران ، 187 ) .
وقال الآخرون : هو عام ، وقال قتادة : أراد بها الحلف الذي تعاقدوا عليه في الجاهلية ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : هي عهود الإيمان والقرآن ، وقيل : هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم .
( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) قال الحسن وقتادة : هي الأنعام كلها ، وهي الإبل والبقر والغنم ، وأراد تحليل ما حرم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام .
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بهيمة الأنعام هي الأجنة ، ومثله عن الشعبي قال : هي الأجنة التي توجد ميتة في بطون أمهاتها إذا ذبحت أو نحرت ، ذهب أكثر أهل العلم إلى تحليله .
[ قال الشيخ الإمام ] قرأت على أبي عبد الله محمد بن الفضل الخرقي فقلت : قرئ على أبي سهل محمد بن عمر بن طرفة وأنت حاضر ، فقيل له : حدثكم أبو سليمان الخطابي أنا أبو بكر بن داسة أنا أبو داود السجستاني أنا مسدد أنا هشيم عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم قال : قلنا : يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين ، أنلقيه أم نأكله؟ فقال : " كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه " . وروى أبو الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ذكاة الجنين ذكاة أمه " .
وشرط بعضهم الإشعار ، قال ابن عمر : ذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا تم خلقه ونبت شعره ، ومثله عن سعيد بن المسيب .
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يحل أكل الجنين إذا خرج ميتا بعد ذكاة الأم .
وقال الكلبي : بهيمة الأنعام : وحشيها ، وهي الظباء وبقر الوحش ، سميت بهيمة لأنها أبهمت عن التمييز ، وقيل : لأنها لا نطق لها ، ( إلا ما يتلى عليكم ) أي : ما ذكر في قوله : " حرمت عليكم الميتة " إلى قوله : " وما ذبح على النصب " ، ( غير محلي الصيد ) وهو نصب على الحال ، أي : لا محلي الصيد ، ومعنى الآية : أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها إلا ما كان منها وحشيا فإنه صيد لا يحل لكم في حال الإحرام ، فذلك قوله تعالى : ( وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد ) .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features