بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1)

[ بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل ] تفسير سورة التوبة ، مدنية .
هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال البخاري .
حدثنا [ أبو ] الوليد ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : آخر آية نزلت : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) [ النساء : 176 ] وآخر سورة نزلت براءة .
وإنما لا يبسمل في أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في المصحف الإمام ، والاقتداء في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه - كما قال الترمذي :
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعد ، ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي ، وسهل بن يوسف قالوا : حدثنا عوف بن أبي جميلة أخبرني يزيد الفارسي ، أخبرني ابن عباس قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر ) بسم الله الرحمن الرحيم ) ووضعتموها في السبع الطول ، ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب ، فيقول : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، فإذا نزلت عليه الآية فيقول : ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها وحسبت أنها منها ، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر ) بسم الله الرحمن الرحيم ) فوضعتها في السبع الطول .
وكذا رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، من طرق أخر ، عن عوف الأعرابي ، به ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج ، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك ، وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم ، فبعث أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أميرا على الحج هذه السنة ، ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا ، وأن ينادي في الناس ببراءة ، فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلغا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه عصبة له ، كما سيأتي بيانه .
فقوله : ( براءة من الله ورسوله ) أي : هذه براءة ، أي : تبرؤ من الله ورسوله ( إلى الذين عاهدتم من المشركين
بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1)

تفسير الآيتين 1و2 :ـ أي‏:‏ هذه براءة من اللّه ومن رسوله إلى جميع المشركين المعاهدين، أن لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض على اختيارهم، آمنين من المؤمنين، وبعد الأربعة الأشهر فلا عهد لهم، ولا ميثاق‏.‏ وهذا لمن كان له عهد مطلق غير مقدر، أو مقدر بأربعة أشهر فأقل، أما من كان له عهد مقدر بزيادة على أربعة أشهر، فإن الله يتعين أن يتمم له عهده إذا لم يخف منه خيانة، ولم يبدأ بنقض العهد‏.‏ ثم أنذر المعاهدين في مدة عهدهم، أنهم وإن كانوا آمنين، فإنهم لن يعجزوا اللّه ولن يفوتوه، وأنه من استمر منهم على شركه فإنه لا بد أن يخزيه، فكان هذا مما يجلبهم إلى الدخول في الإسلام، إلا من عاند وأصر ولم يبال بوعيد اللّه له‏.‏
بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1)

قال مقاتل : هذه السورة مدنية إلا آيتين من آخر السورة .
قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : سورة التوبة؟ قال : هي الفاضحة ما زالت تنزل : " ومنهم . . " ، " ومنهم . . " حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم إلا ذكر فيها ، قال : قلت سورة الأنفال؟ قال : تلك سورة بدر ، قال : قلت : سورة الحشر؟ قال : قل سورة بني النضير .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن الحسين الجرجاني ، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، أنبأنا أحمد بن علي بن المثنى ، حدثنا عبيد الله القواريري ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، حدثني يزيد الفارسي ، حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال : قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما " بسم الله الرحمن الرحيم " ووضعتموها في السبع الطوال؟
فقال عثمان : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان ، وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فإذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده ، فيقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال مما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر ما نزل ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتها في السبع الطوال .
قوله تعالى : ( براءة من الله ورسوله ) أي هذه براءة من الله . وهي مصدر كالنشاءة والدناءة .
قال المفسرون : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، كان المنافقون يرجفون الأراجيف وجعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر الله عز وجل بنقض عهودهم ، وذلك قوله عز وجل : " وإما تخافن من قوم خيانة " الآية ( الأنفال - 58 ) .
قال الزجاج : براءة أي : قد برئ الله تعالى ورسوله من إعطائهم العهود والوفاء لهم بها إذا نكثوا .
( إلى الذين عاهدتم من المشركين ) الخطاب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عاهدهم وعاقدهم ، لأنه عاهدهم وأصحابه راضون بذلك ، فكأنهم عاقدوا وعاهدوا .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features