الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)

[ بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ] تفسير سورة الكهف وهي مكية .
ذكر ما ورد في فضلها ، والعشر الآيات من أولها وآخرها ، وأنها عصمة من الدجال :
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : قرأ رجل الكهف ، وفي الدار دابة ، فجعلت تنفر ، فنظر فإذا ضبابة - أو : سحابة - قد غشيته ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اقرأ فلان ، فإنها السكينة تنزلت عند القرآن ، أو تنزلت للقرآن " .
أخرجاه في الصحيحين ، من حديث شعبة ، به . وهذا الرجل الذي كان يتلوها هو : أسيد بن الحضير ، كما تقدم في تفسير البقرة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ، عصم من الدجال " .
رواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي من حديث قتادة به . ولفظ الترمذي : " من حفظ الثلاث الآيات من أول الكهف " وقال : حسن صحيح .
طريق أخرى : قال ] الإمام [ أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا شعبة ، عن قتادة سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن معدان ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " .
ورواه مسلم أيضا والنسائي ، من حديث قتادة ، به . وفي لفظ النسائي : " من قرأ عشر آيات من الكهف " ، فذكره .
حديث آخر : وقد رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن محمد بن عبد الأعلى ، عن خالد ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف ، فإنه عصمة له من الدجال " .
فيحتمل أن سالما سمعه من ثوبان ومن أبي الدرداء .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قرأ أول سورة الكهف وآخرها ، كانت له نورا من قدمه إلى رأسه ، ومن قرأها كلها كانت له نورا ما بين الأرض إلى السماء " انفرد به أحمد ولم يخرجوه
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه [ في تفسيره ] بإسناد له غريب ، عن خالد بن سعيد بن أبي مريم ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ، سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء ، يضيء له يوم القيامة ، وغفر له ما بين الجمعتين " .
وهذا الحديث في رفعه نظر ، وأحسن أحواله الوقف .
وهكذا روى الإمام : " سعيد بن منصور " في سننه ، عن هشيم بن بشير ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال : من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق .
هكذا وقع موقوفا ، وكذا رواه الثوري ، عن أبي هاشم ، به من حديث أبي سعيد الخدري .
وقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي بكر محمد بن المؤمل ، حدثنا الفضيل بن محمد الشعراني ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا هشيم ، حدثنا أبو هاشم ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ، أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين " ، ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه ، عن الحاكم ، ثم قال البيهقي : ورواه يحيى بن كثير ، عن شعبة ، عن أبي هاشم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا يوم القيامة " . [ والله أعلم ] .
وفي " المختارة " للحافظ الضياء المقدسي من حديث عبد الله بن مصعب بن منظور بن زيد بن خالد الجهني ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي مرفوعا : " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة ، فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة ، وإن خرج الدجال عصم منه " بسم الله الرحمن الرحيم [ رب وفقني ]
.
قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتيمها ، فإنه المحمود على كل حال ، وله الحمد في الأولى والآخرة ؛ ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض ؛ إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور ، حيث جعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه ولا زيغ ، بل يهدي إلى صراط مستقيم ، بينا واضحا جليا نذيرا للكافرين وبشيرا للمؤمنين ؛ ولهذا قال : ( ولم يجعل له عوجا ) أي : لم يجعل فيه اعوجاجا ولا زيغا ولا ميلا بل جعله معتدلا مستقيما ؛
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف
وهي مكية في قول جميع المفسرين . روي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله جرزا ، والأول أصح . وروي في فضلها من حديث أنس أنه قال : من قرأ بها أعطي نورا بين السماء والأرض ووقي بها فتنة القبر . وقال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك ملأ عظمها ما بين السماء والأرض لتاليها مثل ذلك . قالوا : بلى يا رسول الله ؟ قال : سورة أصحاب الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر له الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وأعطي نورا يبلغ السماء ووقي فتنة الدجال ذكره الثعلبي ، والمهدوي أيضا بمعناه . وفي مسند الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال : من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق . وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال . وفي رواية من آخر الكهف . وفي مسلم أيضا من حديث النواس بن سمعان فمن أدركه - يعني الدجال - فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف . وذكره الثعلبي . قال : سمرة بن جندب قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال . ومن قرأ السورة كلها دخل الجنة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا
قوله تعالى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ذكر ابن إسحاق أن قريشا بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود وقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله ; فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء ; فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ووصفا لهم أمره ، وأخبراهم ببعض قوله ، وقالا لهم : إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . فقالت لهما أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم ; سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، ما كان أمرهم ; فإنه قد كان لهم حديث عجب . سلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه . وسلوه عن الروح ، ما هي ; فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي ، وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ، فإن أخبركم عنها فهو نبي ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم . فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، قد كانت لهم قصة عجب ، وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ قال فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن . فانصرفوا عنه ، فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون خمس عشرة ليلة ، لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، وقد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ; وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل - عليه السلام - من عند الله - عز وجل - بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية ، والرجل الطواف والروح . قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل : لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا فقال له جبريل : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا . فافتتح السورة - تبارك وتعالى - بحمده ، وذكر نبوة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لما أنكروا عليه من ذلك فقال : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني محمدا ، إنك رسول مني ، أي تحقيق لما سألوا عنه من نبوتك . ولم يجعل له عوجا قيما أي معتدلا لا اختلاف فيه . لينذر بأسا شديدا من لدنه أي عاجل عقوبته في الدنيا ، وعذابا أليما في الآخرة ، أي من عند ربك الذي بعثك رسولا . ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا أي دار الخلد لا يموتون فيها ، الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم ، وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال . وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا يعني قريشا في قولهم : إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله . ما لهم به من علم ولا لآبائهم الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم . كبرت كلمة تخرج من أفواههم أي لقولهم إن الملائكة بنات الله . إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجوه منهم ، أي لا تفعل . قال ابن هشام : باخع نفسك مهلك نفسك ; فيما حدثني أبو عبيدة . قال ذو الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه بشيء نحته عن يديه المقادر
وجمعها باخعون وبخعة . وهذا البيت في قصيدة له . وقول العرب : قد بخعت له نصحي ونفسي ، أي جهدت له . إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قال ابن إسحاق : أي أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي : وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي الأرض ، وإن ما عليها لفان وزائل ، وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله ; فلا تأس ولا يحزنك ما ترى وتسمع فيها . قال ابن هشام : الصعيد وجه الأرض ، وجمعه صعد . قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا :
كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم
وهذا البيت في قصيدة له . والصعيد أيضا : الطريق ، وقد جاء في الحديث : إياكم والقعود على الصعدات يريد الطرق . والجرز : الأرض التي لا تنبت شيئا ، وجمعها أجراز . ويقال : سنة جرز وسنون أجراز ; وهي التي لا يكون فيها مطر . وتكون فيها جدوبة ويبس وشدة . قال ذو الرمة يصف إبلا :
طوى النحز والأجراز ما في بطونها فما بقيت إلا الضلوع الجراشع
قال ابن إسحاق : ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية فقال : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حجتي ما هو أعجب من ذلك . قال ابن هشام : والرقيم الكتاب الذي رقم بخبرهم ، وجمعه رقم . قال العجاج :
ومستقر المصحف المرقم
وهذا البيت في أرجوزة له . قال ابن إسحاق : ثم قال إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا . ثم قال : نحن نقص عليك نبأهم بالحق أي بصدق الخبر إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم . قال ابن هشام : والشطط الغلو ومجاوزة الحق . قال أعشى بن قيس بن ثعلبة :
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين . قال ابن إسحاق : أي بحجة بالغة . فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه . قال ابن هشام : تزاور تميل ; وهو من الزور . وقال أبو الزحف الكليبي يصف بلدا :
جدب المندى عن هوانا أزور ينضي المطايا خمسه العشنزر
وهذان البيتان في أرجوزة له . وتقرضهم ذات الشمال تجاوزهم وتتركهم عن شمالها . قال ذو الرمة :
إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف شمالا وعن أيمانهن الفوارس
وهذا البيت في قصيدة له . والفجوة : السعة ، وجمعها الفجاء . قال الشاعر :
ألبست قومك مخزاة ومنقصة حتى أبيحوا وحلوا فجوة الدار
ذلك من آيات الله أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم . من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا . وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد قال ابن هشام : الوصيد الباب . قال العبسي واسمه عبد بن وهب :
بأرض فلاة لا يسد وصيدها علي ومعروفي بها غير منكر
وهذا البيت في أبيات له . والوصيد أيضا الفناء ، وجمعه وصائد ووصد ووصدان . لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا - إلى قوله - الذين غلبوا على أمرهم أهل السلطان والملك منهم لنتخذن عليهم مسجدا سيقولون يعني أحبار اليهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم . ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم أي لا تكابرهم . إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا فإنهم لا علم لهم بهم ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا . إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا أي لا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا ، واستثن مشيئة الله ، واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لخبر ما سألتموني عنه رشدا ، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك . ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا أي سيقولون ذلك . قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه .
قلت : هذا ما وقع في السيرة من خبر أصحاب الكهف ذكرناه على نسقه . ويأتي خبر ذي القرنين ، ثم نعود إلى أول السورة فنقول : قد تقدم معنى الحمد لله . وزعم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيد وجمهور المتأولين أن في أول هذه السورة تقديما وتأخيرا ، وأن المعنى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا . قيما نصب على الحال . وقال قتادة : الكلام على سياقه من غير تقديم ولا تأخير ، ومعناه : ولم يجعل له عوجا ولكن جعلناه قيما . وقول الضحاك فيه حسن ، وأن المعنى : مستقيم ، أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه ولا فساد ولا تناقض . وقيل : قيما على الكتب السابقة يصدقها . وقيل : قيما بالحجج أبدا .
عوجا مفعول به ; والعوج ( بكسر العين ) في الدين والرأي والأمر والطريق . وبفتحها في الأجسام كالخشب والجدار ; وقد تقدم . وليس في القرآن عوج ، أي عيب ، أي ليس متناقضا مختلقا ; كما قال - تعالى - : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقيل : أي لم يجعله مخلوقا ; كما روي عن ابن عباس في قوله - تعالى - قرآنا عربيا غير ذي عوج قال : غير مخلوق . وقال مقاتل : عوجا اختلافا . قال الشاعر :
أدوم بودي للصديق تكرما ولا خير فيمن كان في الود أعوجا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)

مائة وعشر آيات وهي مكية بسم الله الرحمن الرحيم
( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) أثنى الله على نفسه بإنعامه على خلقه وخص رسوله صلى الله عليه وسلم بالذكر لأن إنزال القرآن عليه كان نعمة عليه على الخصوص وعلى سائر الناس على العموم ( ولم يجعل له عوجا ) ( قيما ) فيه تقديم وتأخير معناه : أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features