اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)

القول في تأويل قوله تعالى : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
يعني تعالى ذكره بقوله ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) : دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة, وقوله ( اقْتَرَبَتِ ) افتعلت من القُرب, وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنوّ القيامة, وقرب فناء الدنيا, وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم, وهم عنها في غفلة ساهون.
وقوله ( وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) يقول جلّ ثناؤه: وانفلق القمر, وكان ذلك فيما ذُكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة, قبل هجرته إلى المدينة، وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية, فآراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر, آية حجة على صدق قوله, وحقيقة نبوّته; فلما أراهم أعرضوا وكذبوا, وقالوا: هذا سحر مستمرّ, سحرنا محمد, فقال الله جلّ ثناؤه ( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) .
وينحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار, وقال به أهل التأويل.
* ذكر الآثار المروية بذلك, والأخيار عمن قاله من أهل التأويل:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة " أن أنس بن مالك حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية, فأراهم انشقاق القمر مرّتين " .
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, قال: سمعت قتادة يحدّث, عن أنس, قال: انشق القمر فرقتين.
حدثنا ابن المثنى والحسن بن أبي يحيى المقدسي, قالا ثنا أبو داود, قال: ثنا شعبة, عن قتادة, قال: سمعت أنسا يقول: " انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
حدثني يعقوب الدورقيّ, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: سمعت أنسا يقول: فذكر مثله.
حدثنا عليّ بن سهل, قال: ثنا حجاج بن محمد, عن شعبة, عن قتادة, عن أنس, قال: " انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين ".
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: ثنا بشر بن المفضل, قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أنس بن مالك " أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية, فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما ".
حدثني أبو السائب, قال: ثنا معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن أبى معمر, عن عبد الله, قال: " انشقّ القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا ".
حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل, قال: ثنا النضر بن شميل المازنيّ, قال: أخبرنا شعبة, عن سليمان, قال: سمعت إبراهيم, عن أبي معمر, عن عبد الله, قال " تفلَّق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين, فكانت فرقة على الجبل, وفرقة من ورائه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللَّهُم اشْهَدْ " .
حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل, قال: ثنا النضر, قال: أخبرنا شعبة, عن سليمان, عن مجاهد, عن ابن عمر, مثل حديث إبراهيم في القمر.
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي, قال: ثني عمي يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن رجل , عن عبد الله, قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى, فانشقّ القمر, فأخذت فرقة خلق الجبل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا ".
حدثني محمد بن عمارة, قال: ثنا عمرو بن حماد, قال: ثنا أسباط, عن سماك, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عبد الله, قال: " رأيت الجبل من فرج القمر حين انشقّ".
حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي, قال: ثنا يحيى بن حماد, قال: ثنا أبو عوانة, عن المُغيرة, عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله, قال: " انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كَبْشة سحركم فسلوا السُّفَّار, فسألوهم, فقالوا: نعم قد رأيناه, فأنـزل الله تبارك وتعالى : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) .
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله قال: " قد مضى انشقاق القمر ".
حدثني أبو السائب, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, قال: عبد الله " خمس قد مضين: الدخان, واللزام, والبطشة, والقمر, والروم ".
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا أيوب, عن محمد, قال: نُبِّئت أن ابن مسعود كان يقول: قد انشقَ القمر.
قال: أخبرنا ابن علية, قال: أخبرنا عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن السُلَميّ, قال: " نـزلنا المدائن, فكنا منها على فرسخ, فجاءت الجمعة, فحضر أبي, وحضرت معه, فخطبنا حُذيفة, فقال: ألا إن الله يقول ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ألا وإن الساعة قد اقتربت, ألا وإن القمر قد انشقّ, ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق, ألا وإن اليوم المِضمار, وغدا السباق, فقلت لأبي: أتستبق الناس غدا؟ فقال: يا بنيّ إنك لجاهل, إنما هو السباق بالأعمال, ثم جاءت الجمعة الأخرى, فحضرنا, فخطب حُذيفة, فقال: ألا إن الله تبارك وتعالى يقول ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ألا وإن الساعة قد أقتربت, ألا وإن القمر قد انشقّ, ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق, ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق, ألا وإن الغاية النار, والسابق من سَبق إلى الجنة ".
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن قال: " كنت مع أبي بالمدائن, قال: فخطب أميرهم, وكان عطاء يروي أنه حُذيفة, فقال في هذه الآية : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر, قد اقتربت الساعة وانشق القمر, اليوم المضمار, وغدا السباق, والسابق من سبق إلى الجنة, والغاية النار; قال: فقلت لأبي: غدا السباق, قال: فأخبره ".
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن فضيل, عن حصين, عن محمد بن جبير بن مطعم, عن أبيه, قال: " انشقّ القمر, ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ".
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن خارجة, عن الحصين بن عبد الرحمن, عن ابن جُبَير, عن أبيه ( وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) قال: انشقّ ونحن بمكة.
حدثنا محمد بن عسكر, قال: ثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن عبد الحكم, قالا ثنا بكر بن مضر, عن جعفر بن ربيعة, عن عِرَاك, (5) عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة, عن ابن عباس, قال: " انشقّ القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
حدثنا نصر بن عليّ, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا داود بن أبي هند, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: " انشقّ القمر قبل الهجرة, أو قال: قد مضى ذاك ".
حدثنا إسحاق بن شاهين, قال: ثنا خالد بن عبد الله, عن داود, عن علي, عن ابن عباس بنحوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن علي, عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) قال: ذاك قد مضى كان قبل الهجرة, انشقّ حتى رأوا شِقيه.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ... إلى قوله ( سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) قال: قد مضى, كان قد انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, فأعرض المشركون وقالوا: سحر مستمرّ.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) قال: رأوه منشقا.
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن منصور وليث عن مجاهد ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) قال: انفلق القمر فلقتين, فثبتت فلقة, وذهبت فلقة من وراء الجبل, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " اشْهَدُوا ".
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن أبي سنان, عن ليث, عن مجاهد " انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فصار فرقتين, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبى بكر: اشْهَدْ يا أبا بَكْرٍ فقال المشركون: سحر القمر حتى انشقّ".
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن أبي سنان, قال: قدم رجل المدائن فقام فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) وإن القمر قد انشقّ, وقد آذنت الدنيا بفراق, اليوم المِضْمار, وغدا السباق, والسابق. من سبق إلى الجنة, والغاية النار.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) يحدث الله في خلقه ما يشاء.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن أنس, قال: سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم آية, فانشقّ القمر بمكة مرّتين, فقال ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) .
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) قد مضى, كان الشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, فأعرض عنه المشركون, وقالوا: سِحْر مستمرّ.
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا سلمة, عن عمرو, عن مغيرة, عن إبراهيم, قال: مضى انشقاق القمر بمكة.
----------------------
الهوامش :
(5) ضبطه في التاج بوزن كتاب .
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)

سورة القمر
مكية كلها في قول الجمهور . وقال مقاتل : إلا ثلاث آيات من قوله تعالى : أم يقولون نحن جميع منتصر إلى قوله : والساعة أدهى وأمر ولا يصح على ما يأتي . وهي خمس وخمسون آية .
بسم الله الرحمن الرحيم
اقتربت الساعة وانشق القمر
قوله تعالى : اقتربت الساعة وانشق القمر اقتربت : أي قربت مثل أزفت الآزفة على ما بيناه . فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبة ; لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روى قتادة عن أنس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى وما نرى من الشمس إلا يسيرا . وقال كعب ووهب : الدنيا ستة آلاف سنة . قال وهب : قد مضى منها خمسة آلاف سنة وستمائة سنة ؛ ذكره النحاس .
ثم قال تعالى : وانشق القمر أي وقد انشق القمر . وكذا قرأ حذيفة " اقتربت الساعة وقد انشق القمر " بزيادة " قد " وعلى هذا الجمهور من العلماء ; ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره من حديث ابن مسعود وابن عمر وأنس وجبير بن مطعم وابن عباس رضي الله عنهم . وعن أنس قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية ، فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت : اقتربت الساعة وانشق القمر إلى قوله : سحر مستمر يقول ذاهب قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . ولفظ البخاري عن أنس قال : انشق القمر فرقتين . وقال قوم : لم يقع انشقاق القمر بعد وهو منتظر ; أي : اقترب قيام الساعة وانشقاق القمر ; وأن الساعة إذا قامت انشقت السماء بما فيها من القمر وغيره . وكذا قال القشيري . وذكر الماوردي : أن هذا قول الجمهور ، وقال : لأنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه ; لأنه آية والناس في الآيات سواء . وقال الحسن : اقتربت الساعة فإذا جاءت انشق القمر بعد النفخة الثانية . وقيل : وانشق القمر أي وضح الأمر وظهر ; والعرب تضرب بالقمر مثلا فيما وضح ; قال :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى حي سواكم لأميل فقد حمت الحاجات والليل مقمر
وشدت لطيات مطايا وأرحل
وقيل : انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها ، كما يسمى الصبح فلقا ; لانفلاق الظلمة عنه .
وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه كما قال النابغة : فلما أدبروا ولهم دوي دعانا عند شق الصبح داع
قلت : وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة ، وهو ظاهر التنزيل ، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها ; لأنها كانت آية ليلية ; وأنها كانت باستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدي . فروي أن حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضبا من سب أبي جهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب أن يريه آية يزداد بها يقينا في إيمانه . وقد تقدم في الصحيح أن أهل مكة هم الذين سألوا وطلبوا أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر فلقتين كما في حديث ابن مسعود وغيره . وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال : ألا إن الساعة قد اقتربت ، وأن القمر قد انشق على عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقد قيل : هو على التقديم والتأخير ، وتقديره انشق القمر واقتربت الساعة ; قاله ابن كيسان . وقد مر عن الفراء أن الفعلين إذا كانا متقاربي المعنى فلك أن تقدم وتؤخر عند قوله تعالى : ثم دنا فتدلى .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features