ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)

مكية
( ن ) اختلفوا فيه فقال ابن عباس : هو الحوت الذي على ظهره الأرض . وهو قول مجاهد ومقاتل والسدي والكلبي .
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره فتحرك النون فمادت الأرض ، فأثبتت بالجبال وإن الجبال لتفخر على الأرض ثم قرأ ابن عباس : ( ن والقلم وما يسطرون ) .
واختلفوا في اسمه ، فقال الكلبي ومقاتل : [ اسمه ] يهموت . وقال الواقدي : ليوثا . وقال كعب : لويثا . وعن علي : اسمه بلهوث .
وقالت الرواة : لما خلق الله الأرض وفتقها بعث من تحت العرش ملكا فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع فوضعها على عاتقه ، إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب ، باسطتين قابضتين على الأرضين السبع ، حتى ضبطها فلم يكن لقدميه موضع قرار ، فأهبط الله - عز وجل - من الفردوس ثورا له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة ، وجعل قرار قدمي الملك على سنامه ، فلم تستقر قدماه فأخذ الله ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس غلظها مسيرة خمسمائة عام فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه ، وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ، ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفسا فإذا تنفس مد البحر وإذا [ رد ] نفسه جزر البحر فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار [ فخلق ] الله تعالى صخرة كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه " [ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ] فتكن في صخرة " ولم يكن للصخرة مستقر ، فخلق الله نونا وهو الحوت العظيم ، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال والحوت على البحر ، والبحر على متن الريح ، والريح على القدرة . يقال : فكل الدنيا كلها بما عليها حرفان قال لها الجبار : [ جل جلاله ] كوني فكانت .
قال كعب الأحبار : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس إليه ، فقال له : أتدري ما على ظهرك يا لويثا من الأمم والدواب والشجر والجبال لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك ، فهم لويثا أن يفعل ذلك فبعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه فعج الحوت إلى الله منها فأذن لها الله فخرجت . قال كعب : فوالذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت .
وقال بعضهم : نون آخر حروف الرحمن ، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس .
وقال الحسن وقتادة والضحاك : النون الدواة .
وقيل : هو قسم أقسم الله به . وقيل : فاتحة السورة . وقال عطاء : افتتاح اسمه نور وناصر .
وقال محمد بن كعب : أقسم الله بنصرته للمؤمنين .
( والقلم ) [ هو ] الذي كتب الله به الذكر ، وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض ، ويقال : أول ما خلق الله القلم ونظر إليه فانشق بنصفين ، ثم قال : اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك . ( وما يسطرون ) يكتبون أي ما تكتب الملائكة الحفظة من أعمال بني آدم .
ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)

القول في تأويل قوله تعالى : ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( ن ) فقال بعضهم: هو الحوت الذي عليه الأرَضُون.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبى عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي ظَبْيان، عن ابن عباس، قال: أوّل ما خلق الله من شيء القلم، فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، فخلقت منه السماوات، ثم خلق النون فبسطت الأرض على ظهر النون، فتحرّكت الأرض فمادت، فأثبت بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض، قال: وقرأ: ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ).
حدثنا تميم بن المنتصر، قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، أو مجاهد عن ابن عباس، بنحوه، إلا أنه قال: فَفُتِقَتْ مِنْهُ السموات.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثني سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: أوّل ما خلق الله القلم، قال: اكتب، &; 23-524 &; قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة، ثم خلق النون، ورفع بخار الماء، ففُتِقت منه السماء و بُسِطت الأرض على ظهر النون، فاضطرب النون، فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال، فإنها لتفخر على الأرض.
حدثنا واصل بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن فُضَيل، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: " أوّل ما خلق الله من شيء القلم، فقال له: اكتب، فقال: وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات، ثم خلق النون فدُحيت الأرض على ظهره، فاضطرب النون، فمادت الأرض، فأُثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض ".
حدثنا واصل بن عبد الأعلى، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس نحوه.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، أن إبراهيم بن أبي بكر، أخبره عن مجاهد، قال: كان يقال النون: الحوت الذي تحت الأرض السابعة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر، ثنا الأعمش، أن ابن عباس قال: إنّ أوّل شيء خُلق القلم، ثم ذكر نحو حديث واصل عن ابن فضيل، وزاد فيه: ثم قرأ ابن عباس: ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ).
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن ابن عباس، قال: إن أوّل شيء خلق ربي القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم خلق النون فوق الماء، ثم كبس الأرض عليه.
وقال آخرون: ( ن ) حرف من حروف الرحمن.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الله بن أحمد المروزي، قال: ثنا عليّ بن الحسين، قال: ثنا أبي، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس الر و حم و ( ن ) حروف الرحمن مقطعة.
حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا عباس بن زياد الباهلي، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قوله: الر و حم و ( ن ) قال: اسم مقطع.
وقال آخرون: ( ن ) : الدواة، والقلم: القلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا أخي عيسى بن عبد الله، عن ثابت البناني، عن ابن عباس قال: إن الله خلق النون وهي الدواة، وخلق القلم، فقال: &; 23-525 &; اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، من عمل معمول، برّ أو فجور، أو رزق مقسوم حلال أو حرام، ثم ألزم كلّ شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم، وخروجه منها كيف؛ ثم جعل على العباد حفظة وللكتاب خزانا، فالحفظة ينسخون كلّ يوم عمل ذلك اليوم، فإذا فني الرزق وانقطع الأثر، وانقضى الأجل، أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم، فتقول لهم الخزنة: ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا، فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا؛ قال: فقال ابن عباس: ألستم قوما عربا تسمعون الحَفَظة يقولون: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن وقتادة، في قوله: ( ن ) قال: هو الدواة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن قتادة، قال: النون: الدواة.
وقال آخرون: ( ن ) : لوح من نور.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن شبيب المكتّب، قال: ثنا محمد بن زياد الجزري، عن فرات بن أبي الفرات، عن معاوية بن قرّة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ )" لوح من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة لوح &;
وقال آخرون: ( ن ) : قَسَم أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) يُقْسِم الله بما شاء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله الله: ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) قال: هذا قسم أقسم الله به.
وقال آخرون: هي اسم من أسماء السورة.
وقال آخرون: هي حرف من حروف المعجم؛ وقد ذكرنا القول فيما جانس ذلك من حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل السور، والقول في قوله نظير القول في ذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة: ( ن ) فأظهر النون فيها وفي يس عامة قرّاء الكوفة خلا الكسائيّ، وعامة قرّاء البصرة، لأنها حرف هجاء، والهجاء مبني على الوقوف عليه وإن اتصل، وكان الكسائيّ يُدغم النون الآخرة منهما ويخفيها بناء على الاتصال.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان فصيحتان بأيتهما قرأ القارئ أصاب، غير أن إظهار النون أفصح وأشهر، فهو أعجب إلىّ.وأما القلم فهو القلم المعروف، غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام: القلم الذي خلقه الله تعالى ذكره، فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة.
حدثني محمد بن صالح الأنماطي، قال ثنا عباد بن العوّام، قال: ثنا عبد الواحد بن سليم، قال: سمعت عطاء، قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت كيف كانت وصية أبيك حين حشره الموت؟ فقال: دعاني فقال: أي بنيّ اتق الله واعلم أنك لن تتقي الله، ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده، والقدر خيره وشرّه، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ خَلَقَ القَلَمَ، فَقالَ لَهُ: اكْتُبْ، قالَ: يَا رَبّ وَما أكْتُبُ؟ قال: اكْتُبَ القَدَرَ، قالَ فَجَرَى القَلَمُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا كانَ وَما هُوَ كائِنٌ إلى الأبَدِ".
حدثني محمد بن عبد الله الطوسي، قال: ثنا عليّ بن الحسن بن شقيق، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا رباح بن زيد، عن عمرو بن حبيب، عن القاسم بن أبي بزّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس أنه كان يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أوَّلُ شَيْء خَلَق اللهُ القَلَمَ وأمَرَهُ فَكَتَبَ كُلَّ شَيْء ".
حدثنا موسى بن سهل الرملي، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا ابن المبارك بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحوه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد قال: قلت لابن عباس: إن ناسا يكذّبون بالقدر، فقال: إنهم يكذّبون بكتاب الله، لآخذّن بشَعْر أحدهم، فلا يقصَّن به، إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئًا، فكان أوّل ما خلق الله القلم، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فُرغ منه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو هاشم، أنه سمع مجاهدًا، قال: سمعت عبد الله - لا ندري ابن عمر أو ابن عباس قال -: إن أوّل ما خلق الله القلم، فجرى القلم بما هو كائن؛ وإنما يعمل الناس اليوم فيما قد فُرِغ منه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني معاوية بن صالح؛ وحدثني عبد الله بن آدم، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح، عن أيوب بن زياد، قال: ثني عباد بن الوليد بن عُبادة بن الصامت، قال: أخبرني أبي، قال: قال أبي عُبادة بن الصامت: يا بنيّ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ"
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( ن وَالْقَلَمِ ) قال: الذي كُتِبَ به الذكر.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، أخبره عن إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله: ( ن وَالْقَلَمِ ) قال: الذي كتب به الذكر.
وقوله: ( وَمَا يَسْطُرُونَ ) يقول: والذي يخُطُّون ويكتبون. وإذا وُجِّهَ التأويل إلى هذا الوجه كان القسم بالخلق وأفعالهم. وقد يحتمل الكلام معنى آخر، وهو أن يكون معناه: وسطرهم ما يسطرون، فتكون " ما " بمعنى المصدر. واذا وُجه التأويل إلى هذا الوجه، كان القسم بالكتاب، كأنه قيل: ن والقلم والكتاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَا يَسْطُرُونَ ) قال: وما يَخُطُّون.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَا يَسْطُرُونَ ) يقول: يكتبون.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَمَا يَسْطُرُونَ ) قال: وما يكتبون.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَمَا يَسْطُرُونَ ) : وما يكتبون، يقال منه: سطر فلان الكتاب فهو يَسْطُر سَطْرا: إذا كتبه؛ ومنه قول رُؤبة بن العجَّاج:
إنّي وأسْطارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا (1)
------------------
الهوامش :
(1) البيت في ديوان رؤبة بن العجاج الراجز (ديوانه طبع ليبسج 174). وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن عند قوله تعالى: ( والقلم وما يسطرون ) قال: وما يكتبون قال رؤبة: "إني وأسطار..." البيت. والأسطار: جمع سطر، وهو الصف من النخل أو من حروف الكتابة المنسوقة.
ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)

تفسير سورة ن والقلم
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة : من أولها إلى قوله تعالى : سنسمه على الخرطوم مكي . ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى : أكبر لو كانوا يعلمون مدني . ومن بعد ذلك إلى قوله : يكتبون مكي . ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى : من الصالحين مدني ، وما بقي مكي ; قاله الماوردي .
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : ن والقلم وما يسطرون
قوله تعالى : ن والقلم أدغم النون الثانية في هجائها في الواو أبو بكر والمفضل وهبيرة وورش وابن محيصن وابن عامر والكسائي ويعقوب . والباقون بالإظهار . وقرأ عيسى بن عمر بفتحها ; كأنه أضمر فعلا . وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف القسم . وقرأ هارون ومحمد بن السميقع بضمها على البناء . واختلف في تأويله ; فروى معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ن لوح من نور " . وروى ثابت البناني أن " ن " الدواة . وقاله الحسن وقتادة . وروى الوليد بن مسلم قال : حدثنا مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة وذلك قوله تعالى : ن والقلم ثم قال له : اكتب . قال : وما أكتب ؟ قال : ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو أثر . فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة - قال - ثم ختم فم القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة . ثم خلق العقل فقال الجبار : ما خلقت خلقا أعجب إلي منك ، وعزتي وجلالي لأكملنك فيمن أحببت ، ولأنقصنك فيمن أبغضت " قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته " . وعن مجاهد قال : ن الحوت الذي تحت الأرض السابعة . قال : والقلم الذي كتب به الذكر . وكذا قال مقاتل ومرة الهمداني وعطاء الخراساني والسدي والكلبي : إن النون هو الحوت الذي عليه الأرضون . وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن ، ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء ، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره ، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال ، وإن الجبال لتفخر على الأرض . ثم قرأ ابن عباس " ن والقلم " الآية . وقال الكلبي ومقاتل : اسمه البهموت . قال الراجز :
مالي أراكم كلكم سكوتا والله ربي خلق البهموتا
وقال أبو اليقظان والواقدي : ليوثا . وقال كعب : لوثوثا . وقال : بلهموثا . وقال كعب : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرضون فوسوس في قلبه ، وقال : أتدري ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها ، لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع ; فهم ليوثا أن يفعل ذلك ، فبعث الله إليه دابة فدخلت منخره ووصلت إلى دماغه ، فضج الحوت إلى الله عز وجل منها فأذن الله لها فخرجت . قال كعب : فوالله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت . وقال الضحاك عن ابن عباس : إن ن آخر حرف من حروف الرحمن . قال : " الر " ، و " حم " ، و " ن " ; الرحمن تعالى متقطعة . وقال ابن زيد : هو قسم أقسم تعالى به . وقال ابن كيسان : هو فاتحة السورة . وقيل : اسم السورة . وقال عطاء وأبو العالية : هو افتتاح اسمه نصير ونور وناصر . وقال محمد بن كعب : أقسم الله تعالى بنصره للمؤمنين ; وهو حق . بيانه قوله تعالى : وكان حقا علينا نصر المؤمنين وقال جعفر الصادق : هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون . وقيل : هو المعروف من حروف المعجم ، لأنه لو كان غير ذلك لكان معربا ; وهو اختيار القشيري أبو نصر عبد الرحيم في تفسيره . قال : لأن " ن " حرف لم يعرب ، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم ، فهو إذا حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور . وعلى هذا قيل : هو اسم السورة ، أي هذه السورة " ن " . ثم قال : " والقلم " أقسم بالقلم لما فيه من البيان كاللسان ; وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الأرض ; ومنه قول أبي الفتح البستي :
إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب عزا ورفعة مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة ; ما ذكرناه أعلاها . وقال ابن عباس : هذا قسم بالقلم الذي خلقه الله ; فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض . ويقال : خلق الله القلم ثم نظر إليه فانشق نصفين ; فقال : اجر ; فقال : يا رب بم أجري ؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة ; فجرى على اللوح المحفوظ . وقال الوليد بن عبادة بن الصامت : أوصاني أبي عند موته فقال : يا بني ، اتق الله ، واعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده ، والقدر خيره وشره ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب . فقال : يا رب ، وما أكتب ؟ فقال : اكتب القدر . فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد " وقال ابن عباس : أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما هو كائن ; فكتب فيما كتب : تبت يدا أبي لهب . وقال قتادة : القلم نعمة من الله تعالى على عباده . قال غيره : فخلق الله القلم الأول فكتب ما يكون في الذكر ووضعه عنده فوق عرشه ، ثم خلق القلم الثاني ليكتب به في الأرض ; على ما يأتي بيانه في سورة " اقرأ باسم ربك " .
قوله تعالى : وما يسطرون أي وما يكتبون . يريد الملائكة يكتبون أعمال بني آدم ; قاله ابن عباس : وقيل : وما يكتبون أي الناس ويتفاهمون به . وقال ابن عباس : ومعنى وما يسطرون وما يعلمون . و " ما " موصولة أو مصدرية ; أي ومسطوراتهم أو وسطرهم ، ويراد به كل من يسطر أو الحفظة ; على الخلاف .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features