۞ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)
القول في تأويل قوله : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولقد عفا عنكم، أيها المؤمنون، إذ لم يستأصلكم، إهلاكًا منه جمعكم بذنوبكم وهربكم =" إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ".
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه عامة قرأة الحجاز والعراق والشام سوى الحسن البصري: ( إِذْ تُصْعِدُونَ ) بضم " التاء " وكسر " العين ". وبه القراءة عندنا، لإجماع الحجة من القرأة على القراءة به، واستنكارهم ما خالفه.
* * *
وروي عن الحسن البصري أنه كان يقرأه: ( إِذْ تَصْعَدُونَ )، بفتح " التاء " و " العين ".
8047- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هرون، عن يونس بن عبيد، عن الحسن.
* * *
فأما الذين قرأوا: (تُصْعِدُون) بضم " التاء " وكسر " العين "، فإنهم وجهوا معنى ذلك إلى أنّ القوم حين انهزموا عن عدوِّهم، أخذوا في الوادي هاربين. وذكروا أنّ ذلك في قراءة أبي: ( " إِذْ تُصْعِدُونَ فِي الْوَادِي " ).
8048- حدثنا [بذلك] أحمد بن يوسف قال، حدثنا أبو عبيد قال، حدثنا حجاج، عن هرون.
* * *
=قالوا: فالهرب في مستوى الأرض وبطون الأودية و الشعاب: " إصعاد "، لا صعود. (68) قالوا وإنما يكون " الصعود " على الجبال والسلاليم والدَّرج، لأن معنى " الصعود "، الارتقاء والارتفاع على الشيء عُلوًا. (69) قالوا: فأما الأخذ في مستوى الأرض والهبوط، فإنما هو " إصعاد "، كما يقال: " أصعَدْنا من مكة "، إذا بتدأت في السفر منها والخروج =" وأصعدنا من الكوفة إلى خراسان "، بمعنى: خرجنا منها سفرًا إليها، وابتدأنا منها الخروج إليها.
قالوا: وإنما جاء تأويل أكثر أهل التأويل، بأن القوم أخذوا عند انهزامهم عن عدوهم في بطن الوادي.
*ذكر من قال ذلك:
8049- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولا تلوون على أحد "، ذاكم يوم أحد، أصعدوا في الوادي فرارًا، (70) ونبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم: " إلىَّ عباد الله، إلى عباد الله "!. (71)
* * *
قال أبو جعفر: وأما الحسن، فإني أراه ذهب في قراءته: " إذ تَصْعَدون " بفتح " التاء " و " العين "، إلى أن القوم حين انهزموا عن المشركين صعدوا الجبل. وقد قال ذلك عددٌ من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
8050- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما شدَّ المشركون على المسلمين بأحُد فهزموهم، دخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس: " إليّ عباد الله، إليّ عباد الله "! فذكر الله صعودهم على الجبل، ثم ذكر دعاء نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إياهم، فقال: " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ". (72)
8051- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يصعدون في الجبل، والرسول يدعوهم في أخراهم.
8052- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
8053- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس، قوله: " إذ تصعدون ولا تلووْن على أحد "، قال صعدوا في أحُدٍ فرارًا.
* * *
قال أبو جعفر: وقد ذكرنا أن أولى القراءتين بالصواب، قراءة من قرأ: " إذ تُصعِدون "، بضم " التاء " وكسر " العين "، بمعنى: السبق والهرب في مستوى الأرض، أو في المهابط، لإجماع الحجة على أن ذلك هو القراءة الصحيحة. ففي إجماعها على ذلك، الدليلُ الواضح على أنّ أولى التأويلين بالآية، تأويل من قال: " اصْعدوا في الوادي ومضوْا فيه "، دون قول من قال: " صعدوا على الجبل ".
* * *
قال أبو جعفر: وأما قوله: " ولا تلوون على أحد "، فإنه يعني: ولا تعطفون على أحد منكم، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض، هربًا من عدوّكم مُصْعدين في الوادي. (73)
* * *
ويعني بقوله: " والرسول يدعوكم في أخراكم "، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكم أيها المؤمنون به من أصحابه =" في أخراكم "، يعني: أنه يناديكم من خلفكم: " إليّ عباد الله، إليّ عباد الله " !. (74) كما:-
8054- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " والرسول يدعوكم في أخراكم "، إليّ عباد الله ارجعوا، إليّ عباد الله ارجعوا!.
8055- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " والرسول يدعوكم في أخراكم "، رأوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم: " إليّ عباد الله "!
8056- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي مثله.
8057- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، أنَّبهم الله بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهو يدعوهم، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم، فقال: " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ". (75)
8058- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " والرسول يدعوكم في أخراكم "، هذا يوم أحد حين انكشف الناسُ عنه.
* * *
القول في تأويل قوله : فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " فأثابكم غمًّا بغم "، يعني: فجازاكم بفراركم عن نبيكم، وفشلكم عن عدوكم، ومعصيتكم ربكم =" غمًّا بغم "، يقول: غما على غم.
* * *
وسمى العقوبة التي عاقبهم بها = من تسليط عدوهم عليهم حتى نال منهم ما نال " ثوابًا "، إذ كان عوضًا من عملهم الذي سخطه ولم يرضه منهم، (76) فدلّ بذلك جل ثناؤه أنّ كل عوض كان لمعوَّض من شيء من العمل، خيرًا كان أو شرًّا = أو العوض الذي بذله رجل لرجل، أو يد سلفت له إليه، فإنه مستحق اسم " ثواب "، كان ذلك العوض تكرمةً أو عقوبة، ونظير ذلك قول الشاعر: (77)
أخَــافُ زِيَـادًا أَنْ يَكُـونَ عَطَـاؤُه
أدَاهِــمَ سُـودًا أوْ مُحَدْرَجَـةً سُـمْرَا (78)
فجعل " العطاء " القيود. (79) وذلك كقول القائل لآخر سلف إليه منه مكروه: " لأجازينَّك على فعلك، ولأثيبنك ثوابك ". (80)
* * *
وأما قوله: " غمًّا بغم "، فإنه قيل: " غمًّا بغم "، معناه: غمًّا على غم، كما قيل: وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طه: 71]، بمعنى: ولأصلبنكم على جذوع النخل. وإنما جاز ذلك، لأن معنى قول القائل: " أثابك الله غمًّا على غم "، جزاك الله غمًّا بعد غم تقدَّمه، (81) فكان كذلك معنى: " فأثابكم غمًّا بغم "، لأن معناه: فجزاكم الله غمًّا بعقب غمّ تقدمه، (82) وهو نظير قول القائل: " نـزلت ببني فلان، ونـزلت على بني فلان "،" وضربته بالسيف وعلى السيف ". (83)
* * *
واختلف أهل التأويل في الغم الذي أثيب القوم على الغم، وما كان غمُّهم الأول والثاني؟
فقال بعضهم: " أما الغم الأول، فكان ما تحدَّث به القوم أنّ نبيهم صلى الله عليه وسلم قد قتل. وأما الغمّ الآخر، فإنه كان ما نالهم من القتل والجراح ".
*ذكر من قال ذلك:
8059- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فأثابكم غمًّا بغم "، كانوا تحدَّثوا يومئذ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أصيب، وكان الغم الآخر قَتل أصحابهم والجراحات التي أصابتهم. قال: وذكر لنا أنه قتل يومئذ سبعون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ستة وستون رجلا من الأنصار، وأربعة من المهاجرين = وقوله: " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم "، يقول: ما فاتكم من غنيمة القوم =" ولا ما أصابكم "، في أنفسكم من القتل والجراحات.
8060- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " فأثابكم غمًّا بغم "، قال: فرّة بعد فرّة: الأولى حين سمعوا الصوت أن محمدًا قد قتل، والثانية حين رجع الكفار، فضربوهم مدبرين، حتى قتلوا منهم سبعين رجلا ثم انحازوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فجعلوا يصعدون في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم.
8061- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
* * *
وقال آخرون: " بل غمهم الأول كان قتْل من قتل منهم وجرح من جرح منهم ". والغم الثاني كان من سماعهم صوت القائل: " قُتل محمد "، صلى الله عليه وسلم .
*ذكر من قال ذلك:
8062- حدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " غمًّا بغم "، قال: الغم الأول: الجراحُ والقتل، والغم الثاني حين سمعوا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد قتل. فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل، وما كانوا يرجون من الغنيمة، وذلك حين يقول: " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ".
* * *
8063- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " فأثابكم غمًّا بغم "، قال: الغم الأول الجراح والقتل، والغم الآخر حين سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل. فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل، وما كانوا يرجون من الغنيمة، وذلك حين يقول الله: " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ".
وقال آخرون: " بل الغم الأول ما كان فاتهم من الفتح والغنيمة، والثاني إشراف أبي سفيان عليهم في الشِّعب " . وذلك أن أبا سفيان -فيما زعم بعض أهل السير- لما أصاب من المسلمين ما أصاب، وهرب المسلمون، جاء حتى أشرف عليهم وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أحد، الذي كانوا ولَّوا إليه عند الهزيمة، فخافوا أن يصطلمهم أبو سفيان وأصحابه. (84)
*ذكر الخبر بذلك:
8064- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة. فلما رأوه، وضع رجل سهمًا في قوسه، فأراد أن يرميَه، فقال: " أنا رسول الله!"، ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا، وفرح رسول الله حين رأى أن في أصحابه من يمتنع. (85) فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا.
=فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم، فلما نظروا إليه، نسوا ذلك الذي كانوا عليه، وهمَّهم أبو سفيان، (86) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس لهم أن يعلونا، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تُعبَد "! ثم ندَب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنـزلوهم، فقال أبو سفيان يومئذ: " اعْلُ هُبَل! حنظلة بحنظلة، ويوم بيوم بدر "! = وقتلوا يومئذ حنظلة بن الراهب، وكان جُنُبًا فغسَّلته الملائكة، وكان حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر = وقال أبو سفيان: " لنا العُزَّى، ولا عُزَّى لكم "! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: " قل الله مولانا ولا مولى لكم "! فقال أبو سفيان: فيكم محمد؟ (87) قالوا: نعم! قال: " أما إنها قد كانت فيكم مُثْلة، ما أمرتُ بها، ولا نهيتُ عنها، ولا سرَّتني، ولا ساءتني"! فذكر الله إشراف أبي سفيان عليهم فقال: " فأثابكم غمًّا بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم "، الغم الأول: ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والغم الثاني: إشراف العدوّ عليهم =" لكيلا تحزنوا على ما فاتكم "، من الغنيمة =" ولا ما أصابكم " من القتل حين تذكرون. فشغلهم أبو سفيان. (88)
8065- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني ابن شهاب الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا، فيما ذكَروا من حديث أحُد، قالوا: كان المسلمون في ذلك اليوم -لما أصابهم فيه من شدة البلاء- أثلاثًا، ثلثٌ قتيل، وثلثٌ جريح، وثلثٌ منهزم، وقد بلغته الحرب حتى ما يدري ما يصنع = (89) وحتى خلص العدوّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدُثَّ بالحجارة حتى وقع لشِقِّه، وأصيبتْ رَباعيته، وشجَّ في وجهه، وكُلِمت شفته، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. (90) = (91) وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه لواؤه حتى قتل، وكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى قريش فقال: " قتلت محمدًا ". (92)
8066- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: فكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس: " قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم " = كما حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني ابن شهاب الزهري = كعبُ بن مالك أخو بني سلِمة قال: عرفتُ عينيه تَزْهَران تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: " يا معشر المسلمين: أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم "! فأشار إليَّ رسو ل الله أن أنصت. فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض نحو الشعب، معه عليّ بن أبي طالب، وأبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام، والحارث بن الصِّمة، (93) في رهط من المسلمين. (94) .
=قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ومعه أولئك النفر من أصحابه، إذ علت عالية من قريش الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا "! فقاتل عمرُ بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين، حتى أهبطوهم عن الجبل. ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بُدِّن، فظاهرَ بين درعين، (95) فلما ذهب لينهض، فلم يستطع، جلس تحته طلحة بن عبيد الله، فنهض حتى استوى عليها. (96) .
= ثم إن أبا سفيان حين أراد الانصراف، أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته: " أنعمْتَ فعالِ! إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر، اعْلُ هُبَل "، أي: أظهر دينك، (97) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: " قم فأجبه، فقل: الله أعلى وأجل! لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار "! فلما أجاب عمر رضي الله عنه أبا سفيان، قال له أبو سفيان: " هلم إليَّ يا عمر "! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ائته فانظر ما شأنُه "؟ فجاءه، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمدًا؟ فقال عمر: اللهمّ لا وإنه ليسمع كلامك الآن!. فقال: أنت أصدقُ عندي من ابن قميئة وأبرُّ! = (98) لقول ابن قميئة لهم: إنّي قتلت محمدًا = ثم نادى أبو سفيان، فقال: إنه قد كان في قتلاكم. مُثْلة، والله ما رضيتُ ولا سخطتُ، ولا نهيت ولا أمرتُ. (99)
8067- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق: " فأثابكم غمًّا بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم "، أي: كربًا بعد كرب، قتلُ من قتل من إخوانكم، وعلوّ عدوكم عليكم، وما وقع في أنفسكم من قول من قال: " قُتل نبيكم "، فكان ذلك مما تتابع عليكم غمًّا بغم =" لكيلا تحزنوا على ما فاتكم "، من ظهوركم على عدوكم بعد أن رأيتموه بأعينكم =" ولا ما أصابكم " من قتل إخوانكم، حتى فرجت بذلك الكرب عنكم =" والله خبير بما تعملون "، وكان الذي فرَّج به عنهم ما كانوا فيه من الكرب والغمّ الذي أصابهم، (100) أن الله عز وجل ردّ عنهم كِذبة الشيطان بقتل نبيهم. فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا بين أظهرهم، هان عليهم ما فاتهم من القوم بعد الظهور عليهم، والمصيبة التي أصابتهم في إخوانهم، (101) حين صرف الله القتل عن نبيهم صلى الله عليه وسلم. (102)
8068- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " فأثابكم غمًّا بغم "، قال ابن جريج، قال مجاهد: أصاب الناس حزن وغم على ما أصابهم في أصحابهم الذين قُتلوا. فلما تولَّجُوا في الشعب وهم مصابون، (103) وقف أبو سفيان وأصحابه بباب الشعب، فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليهم فيقتلونهم أيضًا، فأصابهم حزن في ذلك أيضًا أنساهم حُزنهم في أصحابهم، فذلك قوله: " فأثابكم غمًّا بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " = قال ابن جريج، قوله: " على ما فاتكم "، يقول: على ما فاتكم من غنائم القوم =" ولا ما أصابكم "، في أنفسكم.
8069- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج. قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن عبيد بن عمير قال: جاء أبو سفيان بن حرب ومن معه، حتى وقف بالشعب، ثم نادى: أفي القوم ابن أبي كبشة؟ (104) فسكتوا، فقال أبو سفيان: قُتل ورب الكعبة! ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فسكتوا، فقال: قُتل ورب الكعبة! ثم قال: أفي القوم عمر بن الخطاب؟ فسكتوا، فقال: قُتل ورب الكعبة! ثم قال أبو سفيان: اعل هُبل، يوم بيوم بدر، وحنظلة بحنظلة، وأنتم واجدون في القوم مَثْلا (105) لم يكن عن رأي سَراتنا وخيارنا، ولم نكرهه حين رأيناه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: قم فناد فقل: الله أعلى وأجل! نعم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وها أنا ذا! لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار!.
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
8070- حدثني به محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ، فرجعوا فقالوا: والله لنأتينهم، ثم لنقتلنهم! قد جرحوا منا! (106) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا؛ فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني! فبينما هم كذلك إذ أتاهم القوم قد ائتشبوا وقد اخترطوا سيوفهم، (107) فكان غمَّ الهزيمة وغمهم حين أتوهم =" لكيلا تحزنوا على ما فاتكم "، من القتل =" ولا ما أصابكم "، من الجراحة =" فأثابكم غمًّا بغم لكيلا تحزنوا " الآية، وهو يوم أحد.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قولُ من قال: معنى قوله: " فأثابكم غمًّا بغم،" أيها المؤمنون، بحرمان الله إياكم غنيمة المشركين والظفر بهم، والنصر عليهم، وما أصابكم من القتل والجراح يومئذ -بعد الذي كان قد أراكم في كل ذلك ما تحبون- بمعصيتكم ربَّكم وخلافكم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم، غمَّ ظنَّكم أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قتل، وميل العدوّ عليكم بعد فلولكم منهم. (108) .
والذي يدل على أن ذلك أولى بتأويل الآية مما خالفه، قوله: " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم "، والفائت، لا شك أنه هو ما كانوا رجَوْا الوصول إليه من غيرهم، إما من ظهور عليهم بغلَبهم، وإما من غنيمة يحتازونها = وأنّ قوله: " ولا ما أصابكم "، هو ما أصابهم: إما في أبدانهم، وإما في إخوانهم.
فإن كان ذلك كذلك، فمعلوم أن " الغم " الثاني هو معنًى غير هذين. لأن الله عز وجل أخبر عباده المؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه أثابهم غمًّا بغم لئلا يحزنهم ما نالهم من الغم الناشئ عما فاتهم من غيرهم، ولا ما أصابهم قبل ذلك في أنفسهم، وهو الغم الأول، على ما قد بيناه قبل.
* * *
وأما قوله: " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم "، فإن تأويله على ما قد بيَّنت، من أنه: " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم "، فلم تدركوه مما كنتم ترجون إدراكه من عدوكم بالظفر عليهم والظهور، وحيازة غنائمهم =" ولا ما أصابكم "، في أنفسكم. من جرح من جرح وقتل من قتل من إخوانكم.
* * *
وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه قبلُ على السبيل التي اختلفوا فيه، كما:-
8071- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم "، قال: على ما فاتكم من الغنيمة التي كنتم ترجون =" ولا تحزنوا على ما أصابكم "، من الهزيمة.
* * *
وأما قوله: " والله خبير بما تعملون "، فإنه يعني جل ثناؤه: والله بالذي تعملون، أيها المؤمنون - من إصعادكم في الوادي هربًا من عدوكم، وانهزامكم منهم، وترككم نبيكم وهو يدعوكم في أخراكم، وحزنكم على ما فاتكم من عدوكم وما أصابكم في أنفسكم = ذو خبرة وعلم، وهو محصٍ ذلك كله عليكم، حتى يجازيكم به: المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، أو يعفو عنه.
* * *
---------------
الهوامش :
(68) في المطبوعة: "قالوا: الهرب في مستوى الأرض". وفي المخطوطة: "بالهرب" ، والصواب ما أثبت.
(69) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 105 ، ومعاني القرآن للفراء 1: 239.
(70) في المخطوطة: "في الوادي نبي الله" وما بينهما بياض ، وما ثبت في المطبوعة ، صواب موافق لما في الدر المنثور 2: 87 ، على خطأ ظاهر في الدر.
(71) في المخطوطة: "قال عباد الله قال عباد الله" ، والذي في المطبوعة هو الصواب الموافق لما في الدر المنثور 2: 87 ، إلا أن ناشر المطبوعة زاد"قال" قبل: "إلى عباد الله" ، وهو فاسد فخذفتها ، فإن الذي في المخطوطة تصحيف"إلى. . . إلى". وانظر الأثر التالي: 8050.
(72) الأثر: 8050- هو بعض الأثر السالف: 7943 ، مع زيادة فيه ، وفي تاريخ الطبري أيضًا 3: 20 ، مع زيادة هنا.
(73) انظر تفسير"لوى" فيما سلف: 6: 536 ، 537.
(74) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 105 ، ومعاني القرآن للفراء: 1: 239.
(75) الأثر: 8057- سيرة ابن هشام 3: 121 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8046.
(76) في المطبوعة: "إذ كان ذلك من عملهم الذي سخطه" ، وكان في المخطوطة مكان"ذلك" بياض ، والصواب ما أثبت ، استظهارًا من كلام أبي جعفر التالي.
(77) هو الفرزدق.
(78) ديوانه: 227 ، النقائض: 618 ، طبقات فحول الشعراء: 256 ، وتاريخ الطبري 6: 139 ، معاني القرآن للفراء 1: 239 ، وغيرها. من شعره في زياد بن أبي سفيان ، وهو يلي الأبيات التي ذكرتها في التفسير آنفًا 2: 195 ، تعليق: 1 ، والرواية التي ذكرها الطبري هنا ، متابعة للفراء ، وهي لا تستقيم مع الشعر ، وأجمع الرواة على أنه: فلمَّــا خَشِــيتُ أَنْ يَكُـونَ عَطَـاؤُهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نَمَيْــتُ إلَـى حَـرْفٍ أَضَـرَّ بِنَيِّهـا
سُـرَى البِيـدِ وَاسْتِعْراضُهَا البَلَدَ القَفْرَا
والأداهم جمع أدهم: وهو القيد ، سمي بذلك لسواده. والمحدرجة: السياط. حدرج السوط: فتله فتلاً محكمًا حتى استوى. وجعلها"سمرًا" ، لأدمة جلدها الذي تصنع منه.
(79) في المطبوعة: "فجعل العطاء العقوبة" ، والصواب من المخطوطة ، ولا أدري لم غيره الناشر الأول.
(80) انظر لما سلف ، معاني القرآن للفراء 1: 239 ، وانظر معنى"الثواب" فيما سلف قريبًا: 2: 458 / 7: 272 ، وقد نسيت أن أذكر مرجعه هناك.
(81) في المطبوعة: "يقدمه" في الموضعين ، وهو خطأ لا شك فيه.
(82) في المطبوعة: "يقدمه" في الموضعين ، وهو خطأ لا شك فيه.
(83) انظر ما سلف 1: 299 ، 313 / 2 : 411 ، 412.
(84) إذا أبيد القوم من أصلهم واستأصلهم عدوهم قيل: "اصطلموا" بالبناء للمجهول.
(85) انظر ما سلف: 256 تعليق: 1 ، فإني زدت"به" من التاريخ ، ولكنه عاد هنا في المخطوطة فأسقطها ، فاتفقت المخطوطة في الموضعين ، فتركت هذه على حالها ، وإن كنت لا أرتضيها.
(86) في التاريخ"وأهمهم" ، وهمه الأمر وأهمه ، سواء في المعنى.
(87) في التاريخ: "أفيكم محمد" بالألف ، وهما سواء.
(88) الأثر 8064- تاريخ الطبري 3: 20 ، 21 ، وبعضه في الأثرين السالفين: 7943 ، 8050 ، وكلها سياق واحد في التاريخ.
(89) هذه الفقرة من الأثر ، لم أجدها في سيرة ابن هشام.
(90) هذه الفقرة من الأثر في سيرة ابن هشام 3: 84 ، وانظر التخريج في آخره. ودثه بالعصا وبالحجر رماه رميًا متتابعًا ، أو ضربه بالعصا ضربًا متقاربًا من وراء الثياب حتى يأخذه الألم. والشق: الجنب. والكلم: الجرح.
(91) الفقرة التالية من الأثر في سيرة ابن هشام 3: 77 ، قبل السالفة.
(92) الأثر: 8065- هذا أثر ملفق من سيرة ابن إسحاق ، كما رأيت في التعليقين السالفين ، وهو فيها من 3: 84 / 3: 77 / والقسم الأول لم أعثر عليه فيها.
(93) في المطبوعة: "والحارث بن الصامت" ، والصواب من المخطوطة والمراجع ، ولا أدري فيم غيره الناشر الأول!!
(94) هذه الفقرة من الأثر في سيرة ابن هشام 3: 88 ، 89.
(95) بدن الرجل تبدينا: ألبسه البدن ، أي الدرع. وقد مضى شراح السيرة ، فزعموا أن"بدن" (بالبناء للمعلوم) هنا ، معناها: أسن. قال أبو ذر الخشني في تفسير غريب سيرة ابن هشام: 228"بدن الرجل ، إذا أسن. وبدن ، إذا عظم بدنه من كثرة اللحم". وكلا التفسيرين خطأ هنا ، وإن كان صحيحًا في اللغة ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يوم قاتل في أحد مسنًا ولا بلغ في السن ما يضعفه. وأيضًا فإنه ، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، لم يوصف قط بالبدانة والسمن. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الصلاة: "إني قد بدنت فلا تبادروني بالركوع والسجود" ، فإنه لم يعن البدانة ، وإنما أراد أن الحركة قد ثقلت عليه ، كما تثقل على الرجل البادن. ولو قرئت في"بدن" بالبناء للمعلوم لكان عربية صحيحة.
وأما قوله: "ظاهر بين درعين" ، أي ليس إحداهما على الأخرى ، وكذلك"ظاهر بين ثوبين ، أو نعلين" ، لبس أحدهما على الآخر.
(96) هذه الفقرة من الأثر في سيرة ابن هشام 3: 91 ، وتاريخ الطبري 3: 21.
(97) قوله: "أنعمت" ، أي جئت بالسهم الذي فيه"نعم" ، و"عال" ، أي: تجاف عنها -عن الأصنام- ولا تذكرها بسوء. يقال: "عال عني ، وأعل عني" ، أي تنح. وذلك أن الرجل من قريش من أهل الجاهلية ، كان إذا أراد ابتداء أمر ، عمد إلى سهمين فكتب على أحدهما"نعم" وعلى الآخر"لا" ، ثم يتقدم إلى الصنم ويجيل سهامه ، فإن خرج سهم"نعم" أقدم ، وإن خرج سهم"لا" امتنع. وكان أبو سفيان لما أراد الخروج إلى أحد ، استفتى هبل ، فخرج له سهم الإنعام. فذلك تفسير كلمته. ومن لطيف أخبار الاستقسام بالأزلام. ما فعل امرؤ القيس ، حين قتل أبوه ، فاستقسم عند ذي الخلصة ، فأجال سهامه فخرج له السهم الناهي"لا" ثلاث مرات ، فجمع قداحه وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال له: "مصصت ببظر أمك! لو أبوك قتل ما عقتني!!" ، ثم خرج فقاتل ، فظفر. فيقال إنه لم يستقسم بعد ذلك بقدح عند ذي الخلصة حتى جاء الإسلام ، وهدمه جرير بن عبد الله البجلي ، وأبطل الله أمر الجاهلية كله.
وقد قيل لأبي سفيان يوم الفتح: "أين قولك ، أنعمت فعال"؟ فقال: "قد صنع الله خيرًا ، وذهب أمر الجاهلية".
هذا وقد كان في المطبوعة: "أنعمت فقال إن الحرب سجال" ، وهو خطأ صرف. والحرب سجال: أي مرة لهذا ، ومرة لهذا. وقوله: "اعل هبل" قد شرحه ابن إسحاق ، فيظن بعض من يضبط السيرة أنه"أعل" (بهمز الألف وسكون العين وكسر اللام) وهو خطأ ، والصواب أنه أمر من"علا" ، يريد: زد علوًا.
(98) في المطبوعة: "وأشار لقول ابن قميئة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب منها ومن سيرة ابن هشام. وقوله: "وأبر" ، من"البر" ، وهو الصدق والخير كله.
(99) الأثر 8066- هذا الأثر مجموع من مواضع في السيرة كما أشرت إليه ، وهي في: سيرة ابن هشام 3: 88 ، 89 / 3: 91 ، وتاريخ الطبري 3: 21 / والسيرة 3: 99.
(100) في المخطوطة والمطبوعة: "وكان الذي خرج عنهم" بإسقاط"به" والسياق يقتضى إثباتها ، فأثبتها من سيرة ابن هشام.
(101) في المطبوعة: "فهان الظهور عليهم" ، وفي المخطوطة: "فهذا الظهور عليهم" كتب"فهذا" في آخر"السطر" و"الظهور" في أول السطر التالي ، فلم يحسن الناشر قراءتها ، والصواب من سيرة ابن هشام.
(102) الأثر: 8067- سيرة ابن هشام 3: 121 ، 122 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8057.
(103) في المطبوعة: "فلما تولجوا في الشعب يتصافون" ، وهو لا معنى له ، والصواب من المخطوطة إلا أن كاتبها كان قد سقط من كتابته من أول"وهم مصابون" إلى"باب الشعب" ، فكتبها في الهامش. فاستعجمت على الناشر الأول قراءتها.
(104) "ابن أبي كبشة" ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك كان المشركون يذكرون رسول الله. فقيل إن"أبا كبشة" ، رجل من خزاعة ، خالف قريشًا في عبادة الأوثان وعبد الشعري العبور ، فذكروه بذلك لمخالفته إياهم إلى عبادة الله تعالى ، كما خالفهم أبو كبشة إلى عبادة الشعري. ويقال: إنها كنية وهب بن عبد مناف ، جد رسول الله من قبل أمه ، فنسب إليه ، لأنه نزع إليه في الشبه. ويقال: هي كنية زوج حليمة السعدية التي أرضعته صلى الله عليه وسلم.
(105) في المخطوطة: "وأنتم واحد ورقى القوم سلا" ، وهو كلام"فاسد" صوابه في المطبوعة. والمثل (بفتح الميم وسكون الثاء) مصدر"مثل بالقتيل" إذا جدع أنفه ، أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه وجسده ، طلب التشويه لجثته. والاسم"المثلة" (بضم الميم وسكون الثاء).
(106) في المطبوعة: "قد خرجوا منا" ، وأسقطها السيوطى في الدر المنثور 2: 87 ، فاستظهر ناشر الطبعة السالفة إسقاطها كما فعل السيوطي ، وهي في المخطوطة: "قد حرحوا منا" ، غير منقوطة ، كما أثبتها وصواب قراءتها ما أثبت. ومعنى: "جرحوا منا" ، أي أصابوا بعضنا بالجراحات والقتل ، وبلغوا في ذلك مبلغًا. ولم تثبت كتب اللغة ذلك ، ولكنه عربي معرق عتيق ، وما كل اللغة تثبته كتب اللغة ، وخاصة مجاز العبارات.
(107) في المطبوعة: "قد أنسوا وقد اخترطوا سيوفهم" ، وفي الدر المنثور 2: 87" قد ايسوا" وفي المخطوطة: "قد انسوا" غير منقوطة ، والذي في المطبوعة والدر لا معنى له ، وقد رجحت قراءتها. تأشب القوم وائتشبوا: انضم بعضهم لبعض واجتمعوا والتفوا ، وفي الحديث"فتأشب أصحابه إليه" ، أي اجتمعوا إليه وطافوا به. وأصله من"أشب الشجر" ، إذا التف وكثر حتى ضاقت فرجه ، وحتى لا مجاز فيه لمجتاز.
(108) قوله: "بعد فلولكم منهم" يعني: بعد هزيمتكم وفراركم منهم ، ولم تصرح كتب اللغة بفعل ثلاثي لازم مصدره"فلول" ، بل قالوا: "فله يفله ، فانفل" ، ولكن يرجح صواب ما في نص الطبري أنه جاء في أمثالهم: "من فل ذل" ، أي من فر عن عدوه ذل. وأما ابن كثير فقد نقل في تفسيره 2: 270 نص الطبري هذا ، وفيه"ونبوكم منهم" ، وليست بشيء ، وكأن الصواب ما في التفسير ، فهو جيد في العربية.