وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)

وقوله ( وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ ) يقول: وما يستوي الأحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله، ومعرفة تنـزيل الله، والأموات القلوب لغلبة الكفر عليها، حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه، ولا تعرف الهدى من الضلال، وكل هذه أمثال ضربها الله للمؤمن والإيمان والكافر والكفر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني &; 20-458 &; أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ( وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ ...) الآية، قال: هو مثل ضربه الله لأهل الطاعة وأهل المعصية؛ يقول: وما يستوي الأعمى والظلمات والحرور ولا الأموات، فهو مثل أهل المعصية، ولا يستوي البصير ولا النور ولا الظل والأحياء، فهو مثل أهل الطاعة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى ...) الآية، خلقًا فضل بعضه على بعض؛ فأما المؤمن فعبد حي الأثر، حي البصر، حي النية، حي العمل، وأما الكافر فعبد ميت؛ ميت البصر، ميت القلب، ميت العمل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ ) قال: هذا مثل ضربه الله؛ فالمؤمن بصير في دين الله، والكافر أعمى، كما لا يستوي الظل ولا الحرور ولا الأحياء ولا الأموات، فكذلك لا يستوي هذا المؤمن الذي يبصر دينه ولا هذا الأعمى، وقرأ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ قال: الهدى الذي هداه الله به ونور له، هذا مثل ضربه الله لهذا المؤمن الذي يبصر دينه، وهذا الكافر الأعمى فجعل المؤمن حيًّا وجعل الكافر ميتًا ميت القلب أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ قال: هديناه إلى الإسلام كمن مثله في الظلمات أعمى القلب وهو في الظلمات، أهذا وهذا سواء؟.
واختلف أهل العربية في وجه دخول " لا " مع حرف العطف في قوله ( وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ ) فقال بعض نحويي البصرة: قال: ولا الظل ولا الحرور، فيشبه أن تكون " لا " زائدة، لأنك لو قلت: لا يستوي عمرو ولا زيد في هذا المعنى لم يجز إلا أن تكون " لا " زائدة، وكان غيره يقول: إذا لم تدخل " لا " مع الواو، فإنما لم تدخل اكتفاء بدخولها في أول الكلام، فإذا أدخلت فإنه يراد بالكلام أن كل واحد منهما لا يساوي صاحبه، &; 20-459 &; فكان معنى الكلام إذا أعيدت " لا " مع الواو عند صاحب هذا القول لا يساوي الأعمى البصير ولا يساوي البصير الأعمى، فكل واحد منهما لا يساوي صاحبه.
وقوله ( إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) يقول تعالى ذكره: كما لا يقدر أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده، عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنـزيله، وواضح حججه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما يسمع.
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)

وما يستوي الأحياء ولا الأموات قال ابن قتيبة : الأحياء العقلاء ، والأموات الجهال . قال قتادة : هذه كلها أمثال ; أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن . إن الله يسمع من يشاء أي يسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته . وما أنت بمسمع من في القبور أي الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم ; أي كما لا تسمع من مات ، كذلك لا تسمع من مات قلبه . وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وعمرو بن ميمون : ( بمسمع من في القبور ) بحذف التنوين تخفيفا ; أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ولا يقبلونه .
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)

يقول تعالى : كما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة ، كالأعمى والبصير لا يستويان ، بل بينهما فرق وبون كثير ، وكما لا تستوي الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور ، كذلك لا تستوي الأحياء ولا الأموات ، وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين وهم الأحياء ، وللكافرين وهم الأموات ، كقوله تعالى : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) [ الأنعام : 122 ] ، وقال تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا ) [ هود : 24 ] فالمؤمن سميع بصير في نور يمشي ، على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة ، حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون ، والكافر أعمى أصم ، في ظلمات يمشي ، لا خروج له منها ، بل هو يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والآخرة ، حتى يفضي به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم ، ( وظل من يحموم لا بارد ولا كريم ) [ الواقعة : 43 ، 44 ] . وقوله : ( إن الله يسمع من يشاء ) أي : يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها ( وما أنت بمسمع من في القبور ) أي : كما لا [ يسمع و ] ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم ، وهم كفار بالهداية والدعوة إليها ، كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم ، ولا تستطيع هدايتهم .
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)

{ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ } سماع فهم وقبول، لأنه تعالى هو الهادي الموفق { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } أي: أموات القلوب، أو كما أن دعاءك لا يفيد سكان القبور شيئا، كذلك لا يفيد المعرض المعاند شيئا، ولكن وظيفتك النذارة، وإبلاغ ما أرسلت به، قبل منك أم لا.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features