يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)

وقوله: ( يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) يقول: يذاب بالحميم الذي يصبّ من فوق رءوسهم ما في بطونهم من الشحوم، وتشوى جلودهم منه فتتساقط، والصهر: هو الإذابة، يقال منه: صهرت الألية بالنار: إذا أذبتها أصهرها صهرا؛ ومنه قول الشاعر.
تَـرْوِي لَقًـى أُلْقِـي فـي صَفْصَـفٍ
تَصْهَــرُهُ الشَّــمْسُ وَلا يَنْصَهِــر (3)
ومنه قول الراجز:
شَكَّ السَّفافِيدِ الشَّوَاءَ المُصْطَهَرْ (4)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( يُصْهَرُ بِهِ ) قال: يُذاب إذابة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. قال ابن جُرَيج ( يُصْهَرُ بِهِ ) قال: ما قطع لهم من العذاب.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة: ( يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ) قال: يُذاب به ما في بطونهم.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ ) . .. إلى قوله: ( يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) يقول: يسقون ما إذا دخل بطونهم أذابها والجلود مع البطون.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر وهارون بن عنترة، عن سعيد بن جبير، قال: قال هارون: إذا عام أهل النار، وقال جعفر : إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم، فيأكلون منها، فاختلست جلود وجوههم، فلو أن مارّا مرّ بهم يعرفهم، يعرف جلود وجوههم فيها، ثم يصبّ عليهم العطش، فيستغيثوا، فيُغاثوا بماء كالمُهل، وهو الذي قد انتهى حرّه، فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود و ( يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ) يعني أمعاءهم، وتساقط جلودهم، ثم يضربون بمقامع من حديد، فيسقط كل عضو على حاله، يدعون بالويل والثبور.
------------------------
الهوامش:
(3) البيت لابن أحمر يصف فرخ قطاة ( اللسان : صهر ) قال : وصهرته الشمس تصهره صهرا ، وصهرته : اشتد وقعها عليه وحرها حتى آلم دماغه ، وانصهر هو ، قال ابن أحمر يصف فرخ قطاة . . . البيت ؛ أي تذيبه الشمس ، فيصبر على ذلك . وتروى تسوق إليه الماء ، أي تصير له كالرواية ؛ يقال : رويت أهلي وعليهم ريا : أتيتهم بالماء . والصهر : إذابة الشحم ، صهر الشحم يصهره صهرا : أذابه . وفي التنزيل : يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ أي يذاب . واصطهره : أذابه وأكله . أه . واللقي : كل شيء مطروح متروك كاللقطة . والصفصف : أرض ملساء مستوية ، كما في اللسان . أه .
(4) البيت للعجاج بن رؤبة الراجز المشهور ( اللسان : صهر ) قال الأزهري : الصهر إذابة الشحم ، والصهارة : ما ذاب منه وكذلك الاصطهار في إذابة ، أو أكل صهارته . وقال العجاج : ( شك السفافيد . . . . البيت ) . والبيت شاهد مثل الذي قبله على أن الصهر معناه الإذابة .
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)

(يصهر به ما في بطونهم والجلود ) أي : إذا صب على رءوسهم الحميم ، وهو الماء الحار في غاية الحرارة .
وقال سعيد [ بن جبير ] هو النحاس المذاب ، أذاب ما في بطونهم من الشحم والأمعاء . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم . وكذلك تذوب جلودهم ، وقال ابن عباس وسعيد : تساقط .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن زيد ، عن أبي السمح ، عن ابن حجيرة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الحميم ليصب على رءوسهم ، فينفد الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه ، فيسلت ما في جوفه ، حتى يبلغ قدميه ، وهو الصهر ، ثم يعاد كما كان " .
ورواه الترمذي من حديث ابن المبارك ، وقال : حسن صحيح . وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن أبي نعيم ، عن ابن المبارك ، به ثم قال ابن أبي حاتم :
حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، سمعت عبد الله بن السري قال : يأتيه الملك يحمل الإناء بكلبتين من حرارته ، فإذا أدناه من وجهه تكرهه ، قال : فيرفع مقمعة معه فيضرب بها رأسه ، فيفرغ دماغه ، ثم يفرغ الإناء من دماغه ، فيصل إلى جوفه من دماغه ، فذلك قوله : ( يصهر به ما في بطونهم والجلود )
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)

( يصهر ) يذاب . به ما في بطونهم والصهر إذابة الشحم . والصهارة ما ذاب منه ؛ يقال : صهرت الشيء فانصهر ، أي أذبته فذاب ، فهو صهير . قال ابن أحمر يصف فرخ قطاة :
تروي لقى ألقي في صفصف تصهره الشمس فما ينصهر
أي تذيبه الشمس فيصبر على ذلك . ( والجلود ) أي وتحرق الجلود ، أو تشوى الجلود ؛ فإن الجلود لا تذاب ؛ ولكن يضم في كل شيء ما يليق به ، فهو كما تقول : أتيته فأطعمني ثريدا ، إي والله ولبنا قارصا ؛ أي وسقاني لبنا . وقال الشاعر :
علفتها تبنا وماء باردا
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)

يصهر ما في بطونهم من اللحم والشحم والأمعاء، من شدة حره، وعظيم أمره
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features