وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
وقوله ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تحدِّث به نفسه, فلا يخفى علينا سرائره وضمائر قلبه ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) يقول: ونحن أقرب للإنسان من حبل العاتق; والوريد: عرق بين الحلقوم والعلباوين, والحبل: هو الوريد, فأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) يقول: عرق العنق.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( حَبْلِ الْوَرِيدِ ) قال: الذي يكون في الحلق.
وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) فقال بعضهم: معناه: نحن أملك به, وأقرب إليه في المقدرة عليه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) بالعلم بما تُوَسْوس به نفسه.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)

يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه ، وعمله محيط بجميع أموره حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر . وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل " .
وقوله : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) يعني : ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه . ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد ، وهما منفيان بالإجماع ، تعالى الله وتقدس ، ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل : وأنا أقرب إليه من حبل الوريد ، وإنما قال : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) كما قال في المحتضر : ( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ) [ الواقعة : 85 ] ، يعني ملائكته . وكما قال [ تعالى ] : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] ، فالملائكة نزلت بالذكر - وهو القرآن - بإذن الله عز وجل . وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله لهم على ذلك ، فللملك لمة في الإنسان كما أن للشيطان لمة وكذلك : " الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ; ولهذا قال هاهنا :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)

( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) يحدث به قلبه ولا يخفى علينا سرائره وضمائره ( ونحن أقرب إليه ) أعلم به ( من حبل الوريد ) لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضا ، ولا يحجب علم الله شيء ، و " حبل الوريد " : عرق العنق ، وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين ، يتفرق في البدن ، والحبل هو الوريد ، فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features