وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29)

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
يقول تعالى ذكره مقرّعا كفار قريش بكفرهم بما آمنت به الجنّ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ ) يا محمد ( نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) ذكر أنهم صرفوا إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالحادث الذي حدث من رَجْمِهم بالشهب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن زياد, عن سعيد بن جُبير, قال: " كانت الجن تستمع, فلما رُجِموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض, فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خارجا من سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر, فذهبوا إلى قومهم ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن أيوب, عن سعيد بن جُبير, قال: " ولما بعث النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حُرِست السماء, فقال الشيطان: ما حُرِست إلا لأمر قد حدث في الأرض فبعث سراياه في الأرض , فوجدوا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قائما يصلي صلاة الفجر بأصحابه بنَخْلة, وهو يقرأ. فاستمعوا حتى إذا فرغ ( وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ )... إلى قوله مُسْتَقِيمٍ .
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ )... إلى آخر الآية, قال: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , وكانوا يقعدون مقاعد للسمع; فلما بعث الله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرست السماء حرسا شديدا, ورُجِمت الشياطين, فأنكروا ذلك, وقالوا: لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث, واجتمعت إليه الجنّ, فقال: تفرّقوا في الأرض, فأخبروني ما هذا الخبر الذي حدث في السماء, وكان أوّل بعث ركب من أهل نصيبين, وهي أشراف الجنّ وساداتهم, فبعثهم إلى تهامة, فاندفعوا حتى بلغوا الوادي, وادي نخلة, فوجدوا نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة, فاستمعوا; فلما سمعوه يتلو القرآن, قالوا: أنصتوا, ولم يكن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن; فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين .
واختلف أهل التأويل في مبلغ عدد النفر الذين قال الله ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ ) فقال بعضهم: كانوا سبعة نفر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا عبد الحميد, قال: ثنا النضر بن عربيّ, عن عكرمة, عن ابن عباس ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ )... الآية, قال: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين, فجعلهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رسلا إلى قومهم.
وقال آخرون: بل كانوا تسعة. نفر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يحيى, عن سفيان, عن عاصم, عن زِرّ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) قال: كانوا تسعة نفر فيهم زَوْبعة.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو احمد, قال: ثنا سفيان, عن عاصم, عن زِرّ بن حبيش, قال: " أنـزل على النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو ببطن نخلة,( فَلَمَّا حَضَرُوهُ ) قال: كانوا تسعة أحدهم زَوْبَعَة ".
وقوله ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ ) يقول: فلما حضر هؤلاء النفر من الجنّ الذين صرفهم الله إلى رسوله نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
واختلف أهل العلم في صفة حضورهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقال بعضهم: حضروا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , يتعرّفون الأمر الذي حدث من قبله ما حدث في السماء, ورسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يشعر بمكانهم, كما قد ذكرنا عن ابن عباس قبل.
وكما حدثنا ابن بشار, قال: ثنا هوذة, قال: ثنا عوف, عن الحسن, في قوله ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ ) قال: ما شعر بهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى جاءوا, فأوحى الله عزّ وجلّ إليه فيهم, وأخبر عنهم.
وقال آخرون: بل أمر نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقرأ عليهم القرآن, وأنهم جمعوا له بعد أن تقدّم الله إليه بإنذارهم, وأمره بقراءة القرآن عليهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) قال: " ذكر لنا أنهم صرفُوا إليه من نِينَوَى, قال: فإن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , قال: إني أمرت أن أقرأ القرآن على الجنّ, فأيكم يتبعني" ؟ فأطرقوا, ثم استتبعهم فأطرقوا, ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا, فقال رجل: يا رسول الله إنك لذو بدئه, (1) فاتبعه عبد الله بن مسعود, فدخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شعبا يقال له شعب الحجون. قال: وخطّ نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على عبد الله خطا ليثبته به, قال: فجعلت تهوي بي وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها, وسمعت لغطا شديدا, حتى خفت على نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , ثم تلا القرآن; فلما رجع نبيّ الله قلت: يا نبيّ الله ما اللغط الذي سمعت؟ قال: اجتمعوا إليّ في قتيل كان بينهم, فقُضي بينهم بالحقّ .
وذُكر لنا أن ابن مسعود لما قَدِم الكوفة رأى شيوخا شُمطا من الزُّط, فراعوه, قال: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء نفر من الأعاجم, قال: ما أريت للذين قرأ عليهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الإسلام من الجنّ شبها أدنى من هؤلاء.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذهب وابن مسعود ليلة دعا الجنّ, فخطَّ النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على ابن مسعود خطا, ثم قال له: لا تخرج منه ثم ذهب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى الجنّ, فقرأ عليهم القرآن, ثم رجع إلى ابن مسعود فقال: وهل رأيت شيئا؟ قال: سمعت لغَطا شديدا, قال: إن الجنّ تدارأت في قتيل قُتل بينها, فقُضِي بينهم بالحقّ, وسألوه الزاد, فقال: وكل عظم لكم عرق, وكلّ روث لكم خُضْرة. قالوا: يا رسول الله تقذّرها الناس علينا, فنهى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يستنجي بأحدهما; فلما قدم ابن مسعود الكوفة رأى الزُّطّ, وهم قوم طوال سود, فأفزعوه, فقال: أظَهَرُوا؟ فقيل له: إن هؤلاء قوم من الزُّطّ, فقال ما أشبههم بالنفر الذين صُرِفوا إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
قال : ثنا ابن ثور, عن معمر. عن يحيى بن أبي كثير, عن عبد الله بن عمرو بن غَيلان الثقفيّ أنه قال لابن مسعود: " حُدثت أنك كنت مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ليلة وفد الجنّ, قال: أجَل, قال: فكيف كان؟ فذكر الحديث كله. وذُكِر أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خطّ عليه خطا وقال: ولا تبرح منها, فذكر أن مثل العجاجة السوداء غشيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فذُعِر ثلاث مرّات, حتى إذا كان قريبا من الصبح, أتاني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقال: أنِمْتَ؟ قلت: لا والله, ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول: واجلسوا, قال: ولو خرجتَ لم آمن أن يختطفك بعضهم, ثم قال: وهل رأيت شيئا؟ قال: نعم رأيت رجالا سودا مستشعري ثياب بيض, قال: أولئك جنّ نصيبين, سألوني المتاع, والمتاع الزاد, فمتعتهم بكلّ عظم حائل أو بعرة أو روثة, فقلت: يا رسول الله, وما يغني ذلك عنهم؟ قال: إِنَّهُمْ لَنْ يَجِدوُا عَظْما إلا وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمَه يَوْمَ أُكِل, وَلا رَوْثَةً إلا وَجَدُوا فِيها حَبَّها يَوْمَ أُكِلَتْ, فَلا يَسْتَنْقِيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمْ إذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ بعَظْمٍ وَلا بَعْرَةٍ وَلا رَوْثَةٍ" .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: أخبرنا أبو زُرْعة وهب بن راشد, قال: قال يونس, قال ابن شهاب: أخبرني أبو عثمان بن شبة الخزاعي, وكان من أهل الشام " أن ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لأصحابه وهو بمكة: مَنْ أَحَبَّ منْكُمْ أنْ يَحْضُرَ أمْرَ الجنّ اللَّيْلَةَ فَلْيَفْعَلْ" . فلم يحضر منهم أحد غيري, قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة, خطّ لي برجله خطا, ثم أمرني أن أجلس فيه, ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن, فغشيته أسودة كبيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته, ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين, حتى بقي منهم رهط, ففرغ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مع الفجر, فانطلق متبرّزا, ثم أتاني فقال: وما فَعَلَ الرَّهْطُ ؟ قلت: هم أولئك يا رسول الله, فأخذ عظما أو روثا أو جمجمة فأعطاهم إياه زادا, ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث ".
حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: ثنا عمي عبد الله بن وهب, قال: أخبرني يونس, عن ابن شهاب, عن أبي عثمان بن شبة الخزاعي, وكان من أهل الشأم, أن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فذكر مثله سواء, إلا أنه قال: فأعطاهم روثا أو عظما زادا, ولم يذكر الجمجمة.
حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: ثني عمي, قال: أخبرني يونس, عن الزهريّ, عن عبيد الله بن عبد الله, أن ابن مسعود, قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: " بِتُّ اللًّيْلَةَ أقْرأُ عَلى الجِنّ رُبُعا بالحَجُونِِ" .
واختلفوا في الموضع الذي تلا عليهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيه القرآن, فقال عبد الله بن مسعود قرأ عليهم بالحَجون, وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك.
وقال آخرون: قرأ عليهم بنخلة, وقد ذكرنا بعض من قال ذلك, ونذكر من لم نذكره.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا خلاد, عن زهير بن معاوية, عن جابر الجعفي, عن عكرمة, عن ابن عباس " أن النفر الذين أتوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من جنّ نصيبين أتوه وهو بنخلة ".
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ ) قال: لقيهم بنخلة ليلتئذ. وقوله ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ) يقول تعالى ذكره: فلما حضروا القرآن ورسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقرأ, قال بعضهم لبعض: أنصتوا لنستمع القرآن.
كما حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يحيى, عن سفيان, عن عاصم, عن زِرّ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ) قالوا: صَهْ.
قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن عاصم, عن زِرّ بن حُبَيْش, مثله.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, في قوله ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ) قد علم القوم أنهم لن يعقلوا حتى ينصتوا.
وقوله ( فَلَمَّا قُضِيَ ) يقول: فلما فرغ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من القراءة وتلاوة القرآن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثنى عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس,( فَلَمَّا قُضِيَ ) يقول: فلما فرغ من الصلاة.( وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) . وقوله ( وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) يقول: انصرفوا منذرين عذاب الله على الكفر به.
وذُكر عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جعلهم رسلا إلى قومهم.
حدثنا بذلك أبو كُرَيب, قالا ثنا عبد الحميد الحِمَّانيّ, قال: ثنا النضر, عن عكرمة, عن ابن عباس. وهذا القول خلاف القول الذي روي عنه أنه قال: لم يكن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن, لأنه محال أن يرسلهم إلى آخرين إلا بعد علمه بمكانهم, إلا أن يقال: لم يعلم بمكانهم في حال استماعهم للقرآن, ثم علم بعد قبل انصرافهم إلى قومهم, فأرسلهم رسلا حينئذ إلى قومهم, وليس ذلك في الخبر الذي روي.
-----------------------
الهوامش:
(1) في ابن كثير " لذو ندبة " ، وكأن الرجل يتعجب من نشاط رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسراعه لما ندب أصحابه إليه فأحجموا . ولعله مأخوذ من قولهم " رجل ندب " أي خفيف سريع في الحاجة .
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29)

( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) الآية ، قال المفسرون : لما مات أبو طالب خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه ، فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف إلى نفر من ثقيف ، وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة : عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب بنو [ عمرو بن ] عمير ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح ، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه .
فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة ، إن كان الله أرسلك ، وقال الآخر : ما وجد الله أحدا يرسله غيرك ؟ وقال الثالث : والله ما أكلمك كلمة أبدا ، لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك .
فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عندهم ، وقد يئس من خير ثقيف ، وقال لهم : إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي [ سري ] ، وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ قومه فيزيدهم عليه ذلك ، فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس ، وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة ، وهما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه ، فعمد إلى ظل حبلة من عنب ، فجلس فيه ، وابنا ربيعة ينظران إليه ، ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف ، ولقد لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المرأة التي من بني جمح ، فقال لها : ماذا لقينا من أحمائك ؟
فلما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .
فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له : عداس ، فقالا له : خذ قطفا من العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه ، ففعل ذلك عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده قال : بسم الله ، ثم أكل فنظر عداس إلى وجهه ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أي البلاد أنت يا عداس ؟ وما دينك ؟ قال : أنا نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ قال له : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي فأكب عداس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل رأسه ويديه وقدميه .
قال : فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك ، فلما جاءهم عداس قالا له : ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟ قال : يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ، فقالا ويحك يا عداس لا يصرفك عن دينك فإن دينك خير من دينه .
ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن أهل نصيبين اليمن ، فاستمعوا له ، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا لما سمعوا ، فقص الله خبرهم عليه ، فقال : " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، فأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بنخلة ، عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا " إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " ( الجن - 2 ) ، فأنزل الله على نبيه : " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن " ، ( الجن - 1 ) وإنما أوحى إليه قول الجن .
وروي : أنهم لما رجعوا بالشهب بعث إبليس سراياه لتعرف الخبر ، وكان أول بعث بعث ركبا من أهل نصيبين ، وهم أشراف الجن وساداتهم ، فبعثهم إلى تهامة .
وقال أبو حمزة [ الثمالي ] : بلغنا أنهم من الشيصبان وهم أكثر الجن عددا ، وهم عامة جنود إبليس ، فلما رجعوا قالوا : " إنا سمعنا قرآنا عجبا " .
وقال جماعة : بل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم القرآن ، فصرف إليه نفرا من الجن من أهل نينوى ، وجمعهم له ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة ، فأيكم يتبعني ؟ فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ، ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا ، فاتبعه عبد الله بن مسعود ، قال عبد الله : ولم يحضر معه أحد غيري ، فانطلقنا حتى إذا كنا على مكة دخل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - شعبا يقال له : شعب الحجون ، وخط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ، وقال : لا تخرج منه حتى أعود إليك ، ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن ، فجعلت أرى أمثال النسور تهوي ، وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه ، حتى ما أسمع صوته ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ، ففرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الفجر ، فانطلق إلي وقال : أنمت ؟ فقلت : لا والله يا رسول الله ، وقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك ، تقول : اجلسوا ، قال : لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم ، ثم قال : هل رأيت شيئا ؟ قلت : نعم يا رسول الله رأيت رجالا سودا مستثفري ثياب بيض ، قال : أولئك جن نصيبين سألوني المتاع - والمتاع الزاد - فمتعتهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة .
قال : فقالوا : يا رسول الله تقذرها الناس ، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بالعظم والروث .
قال : فقلت : يا رسول الله وما يغني ذلك عنهم ؟ قال : إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت ، قال فقلت : يا رسول الله سمعت لغطا شديدا ؟ فقال : إن الجن تدارأت في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إلي فقضيت بينهم بالحق ، قال : ثم تبرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاني ، فقال : هل معك ماء ؟ قلت : يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر ، فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ وقال : " تمرة طيبة وماء طهور " .
قال قتادة : ذكر لنا أن ابن مسعود لما قدم الكوفة رأى شيوخا شمطا من الزط فأفزعوه حين رآهم ، فقال : اظهروا ، فقيل له : إن هؤلاء قوم من الزط ، فقال : ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يريد الجن .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود وهو ابن أبي هند ، عن عامر قال : سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ؟ قال فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود فقلت : هل شهد أحد منكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ؟ قال : لا ولكنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ، ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب ، فقلنا : استطير أو اغتيل ، قال : فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ، قال فقلنا : يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فقال : أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن .
قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم .
قال وسألوه الزاد ، فقال : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم من الجن " . .
ورواه مسلم عن علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود بهذا الإسناد إلى قوله : " وآثار نيرانهم " .
قال الشعبي : وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد الله .
قوله - عز وجل - : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) اختلفوا في عدد ذلك النفر ، فقال ابن عباس : كانوا سبعة من جن نصيبين ، فجعلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسلا إلى قومهم . وقال آخرون : كانوا تسعة . وروى عاصم عن زر بن حبيش : كان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن . ( فلما حضروه قالوا أنصتوا ) قالوا : صه .
وروي في الحديث : " أن الجن ثلاثة أصناف : صنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون " .
فلما حضروه قال بعضهم لبعض : أنصتوا واسكتوا لنستمع إلى قراءته ، فلا يحول بيننا وبين الاستماع شيء ، فأنصتوا واستمعوا القرآن حتى كاد يقع بعضهم على بعض من شدة حرصهم .
( فلما قضي ) فرغ من تلاوته ( ولوا إلى قومهم ) انصرفوا إليهم ( منذرين ) مخوفين داعين بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features