فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
يقول تعالى ذكره: فلما أسلما أمرهما لله وفوّضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا ثابت بن محمد، وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا مسلم بن صالح، قالا ثنا عبد الله بن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) قال: اتفقا على أمر واحد.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) قال: أسلما جميعا لأمر الله ورضي الغلام بالذبح، ورضي الأب بأن يذبحه، فقال: يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع، ولكن أدخل الشفرة من تحتي، وامض لأمر الله، فذلك قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) فلما فعل ذلك ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ).
&; 21-76 &;
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) قال: أسلم هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) قال: أسلما ما أمرا به.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) يقول: أسلما لأمر الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) : أي سلم إبراهيم لذبحه حين أمر به وسلم ابنه للصبر عليه، حين عرف أن الله أمره بذلك فيه.
وقوله ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) يقول: وصَرَعَه للجَبِيِن، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها، وللوجه جبينان، والجبهة بينهما.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو العاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) قال: وضع وجهه للأرض، قال: لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني، ولا تجهز عليّ، اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) : أى وكبه لفيه وأخذ الشفرة ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ) حتى بلغ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، &; 21-78 &; عن أبيه، عن ابن عباس ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) قال: أكبه على جبهته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) قال: جبينه، قال: أخذ جبينه ليذبحه.
حدثنا ابن سنان، قال: ثنا حجاج، عن حماد، عن أبي عاصم الغَنَوِيّ عن أبي الطُّفَيل، قال: قال ابن عباس: إن إبراهيم لما أُمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حَصَيَات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوُسْطَى، فرماه بسبع حَصَيَات حتى ذهب، ثم تلَّه للجَبِين، وعلى إسماعيل قَميص أبيض، فقال له: يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غير هذا، فاخلعه حتى تكفنني فيه، فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أعْيَن أبيض فذبحه، فقال ابن عباس: لقد رأيتنا نتبع هذا الضرب من الكِباش.
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)

( فلما أسلما ) انقادا وخضعا لأمر الله - تعالى - قال قتادة : أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه ، ( وتله للجبين ) أي : صرعه على الأرض . قال ابن عباس : أضجعه على جبينه على الأرض والجبهة بين الجبينين ، قالوا : فقال له ابنه الذي أراد ذبحه : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن ، واشحذ شفرتك ، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد ، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني ، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني ، فقال له إبراهيم عليه السلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه ، ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي والابن - أيضا - يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك السكين .
ويروى أنه كان يجر الشفرة في حلقه فلا تقطع ، فشحذها مرتين أو ثلاثة بالحجر ، كل ذلك لا تستطيع .
قال السدي : ضرب الله - تعالى - صفحة من نحاس على حلقه قالوا : فقال الابن عند ذلك : يا أبت كبني لوجهي على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى ، وإني لا أنظر إلى الشفرة فأجزع ، ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين ونودي : أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا .
وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله قال : لما رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان : لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا ، فتمثل له الشيطان رجلا وأتى أم الغلام ، فقال لها : هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت : ذهب به يحتطبان من هذا الشعب ، قال : لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه ، قالت : كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك ، قال : إنه يزعم أن الله قد أمره بذلك ، قالت : فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه ، فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه ، فقال له : يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك ؟ قال : نحتطب لأهلنا من هذا الشعب ، قال : والله ما يريد إلا أن يذبحك ، قال : ولم ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك ، قال : فليفعل ما أمره به ربه فسمعا وطاعة ، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم - عليه السلام - فقال له : أين تريد أيها الشيخ ؟ قال : أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه ، قال : والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا ، فعرفه إبراهيم - عليه السلام - فقال : إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي ، فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد ، قد امتنعوا منه بعون الله تعالى .
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس : أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم مضى إبراهيم لأمر الله - عز وجل - .
قال الله عز وجل : " فلما أسلما وتله للجبين " .
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي: إبراهيم وابنه إسماعيل، جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالا لأمر ربه، وخوفا من عقابه، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر، وهانت عليه في طاعة ربه، ورضا والده، { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي: تل إبراهيم إسماعيل على جبينه، ليضجعه فيذبحه، وقد انكب لوجهه، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features