أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)

القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52)
يقوله تعالى ذكره مخبرًا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه, وبيان لسانه وتمام خلقه, وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم, وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم ( أم هذا الذي هو مهين ) لا شيء له من الملك والأموال مع العلة التي في جسده, والآفة التي بلسانه, فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟.
وقد اختُلف في معنى قوله: ( أمْ ) في هذا الموضع, فقال بعضهم: معناها: بل أنا خير, وقالوا. ذلك خير, لا استفهام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد: قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) قال: بل أنا خير من هذا. وبنحو ذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة.
وقال بعض نحويي الكوفة, هو من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله. قال: وإن شئت رددته على قوله: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ؟ وإذا وجه الكلام إلى أنه استفهام, وجب أن يكون في الكلام محذوف استغني بذكر ما ذكر مما ترك ذكره, ويكون معنى الكلام حينئذ: أنا خير أيها القوم من هذا الذي هو مهين, أم هو؟.
وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ ذلك " أما أنا خَيْرٌ".
حدثنا بذلك عن الفرّاء قال: أخبرني بعض المشيخة أنه بلغه أن بعض القرّاء قرأ كذلك, ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة في قَرَأة الأمصار لكانت صحيحة, وكان معناها حسنا, غير أنها خلاف ما عليه قرّاء الأمصار, فلا أستجيز القراءة بها, وعلى هذه القراءة لو صحت لا كلفة له في معناها ولا مؤنة.
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار. وأولى التأويلات بالكلام إذ كان ذلك كذلك, تأويل من جعل: أم أنا( خَيْرٌ )؟ من الاستفهام الذي جعل بأم, لاتصاله بما قبله من الكلام, ووجهه إلى أنه بمعنى: أأنا خير من هذا الذي هو مهين؟ أم هو؟ ثم ترك ذكر أم هو, لما في الكلام من الدليل عليه.
وعني بقوله: ( مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) : من هذا الذي هو ضعيف لقلة ماله, وأنه ليس له من الملك والسلطان ماله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) قال: ضعيف.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) قال: المهين: الضعيف.
وقوله: ( وَلا يَكَادُ يُبِينُ ) يقول: ولا يكاد يبين الكلام من عِيّ لسانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَلا يَكَادُ يُبِينُ ) : أي عَييّ اللسان.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَلا يَكَادُ يُبِينُ ) الكلام.
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)

( أم أنا خير ) بل أنا خير ، " أم " بمعنى " بل " ، وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله : " أم " ، وفيه إضمار ، مجازه : أفلا تبصرون أم [ تبصرون ] ، ثم ابتدأ فقال : أنا خير ( من هذا الذي هو مهين ) ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : ( ولا يكاد يبين ) يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه .
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)

ثم صرح بحاله فقال : ( أم أنا خير ) قال أبو عبيدة والسدي : ( أم ) بمعنى ( بل ) وليست بحرف عطف ، على قول أكثر المفسرين . والمعنى : قال فرعون لقومه بل أنا خير من هذا الذي هو مهين أي : لا عز له فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه ( ولا يكاد يبين ) يعني ما كان في لسانه من العقدة ، على ما تقدم في ( طه ) وقال الفراء : في ( أم ) وجهان : إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله ، وإن شئت جعلتها نسقا على قوله : أليس لي ملك مصر وقيل : هي زائدة . وروى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون ( أم ) زائدة ، والمعنى أنا خير من هذا الذي هو مهين . وقال الأخفش : في الكلام حذف ، والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون ، كما قال [ ذو الرمة ] :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
وبين النقا أأنت أم أم سالم أي : أنت أحسن أم أم سالم . ثم ابتدأ فقال : ( أنا خير ) . وقال الخليل وسيبويه : المعنى أفلا تبصرون ، أم أنتم بصراء ، فعطف ب ( أم ) على ( أفلا تبصرون ) لأن معنى ( أم أنا خير ) أم أي تبصرون ، وذلك أنهم إذا قالوا له أنت خير منه كانوا عنده بصراء . وروي عن عيسى الثقفي ويعقوب الحضرمي أنهما وقفا على ( أم ) على أن يكون التقدير أفلا تبصرون أم تبصرون ، فحذف تبصرون الثاني . وقيل : من وقف على ( أم ) جعلها زائدة ، وكأنه وقف على تبصرون من قوله : ( أفلا تبصرون ) ولا يتم الكلام على تبصرون عند الخليل وسيبويه ; لأن أم تقتضي الاتصال بما قبلها . وقال قوم : الوقف على قوله : ( أفلا تبصرون ) ثم ابتدأ ( أم أنا خير ) بمعنى بل أنا ، وأنشد الفراء :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أم أنت في العين أملح
فمعناه : بل أنت أملح . وذكر الفراء أن بعض القراء قرأ ( أما أنا خير ) ، ومعنى هذا ألست خيرا . وروي عن مجاهد أنه وقف على ( أم ) ثم يبتدئ ( أنا خير ) وقد ذكر .
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)

{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } يعني -قبحه اللّه- بالمهين، موسى بن عمران، كليم الرحمن، الوجيه عند اللّه، أي: أنا العزيز، وهو الذليل المهان المحتقر، فأينا خير؟ { و } مع هذا فـ { لا يَكَادُ يُبِينُ } عما في ضميره بالكلام، لأنه ليس بفصيح اللسان، وهذا ليس من العيوب في شيء، إذا كان يبين ما في قلبه، ولو كان ثقيلا عليه الكلام.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features