فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)

القول في تأويل قوله تعالى : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهة, ويجوز لك وللخلق عبادته, إلا الله الذي هو خالق الخلق, ومالك كل شيء, يدين له بالربوبية كل ما دونه ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) وسل ربك غفران سالف ذنوبك وحادثها, وذنوب أهل الإيمان بك من الرجال والنساء ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) يقول: فإن الله يعلم متصرفكم فيما تتصرّفون فيه في يقظتكم من الأعمال, ومثواكم إذا ثويتم في مضاجعكم للنوم ليلا لا يخفى عليه شيء من ذلك, وهو مجازيكم على جميع ذلك.
وقد حدثنا أبو كُريب, قال: ثنا عثمان بن سعيد, قال: ثنا إبراهيم بن سليمان, عن عاصم الأحول, عن عبد الله بن سرجس, قال: " أكلت مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقلت: غفر الله لك يا رسول الله, فقال رجل من القوم: أستغفر لك يا رسول الله, قال: نَعَمْ وَلَكَ, ثم قرأ ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) .
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)

قوله - عز وجل - : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) قيل : الخطاب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به غيره ، وقيل : معناه فاثبت عليه . وقال الحسين بن الفضل : فازدد علما على علمك . وقال أبو العالية وابن عيينة : هو متصل بما قبله معناه : إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا ملجأ ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله . وقيل : فاعلم أنه لا إله إلا الله ، أن الممالك تبطل عند قيامها ، فلا ملك ولا حكم لأحد إلا لله ( واستغفر لذنبك ) أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستن به أمته .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أبي بردة ، عن الأغر المزني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة " .
قوله - عز وجل - : ( وللمؤمنين والمؤمنات ) هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة حيث أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم ( والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) قال ابن عباس والضحاك : " متقلبكم " متصرفكم [ ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ، " ومثواكم " مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار .
وقال مقاتل وابن جرير : " متقلبكم " منصرفكم ] لأشغالكم بالنهار ، " ومثواكم " مأواكم إلى مضاجعكم بالليل .
وقال عكرمة : " متقلبكم " من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات . " ومثواكم " مقامكم في الأرض .
وقال ابن كيسان : " متقلبكم " من ظهر إلى بطن ، " ومثواكم " مقامكم في القبور .
والمعنى : أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها .
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)

قوله تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم .
قوله تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله قال الماوردي : وفيه - وإن كان الرسول عالما بالله - ثلاثة أوجه : يعني اعلم أن الله أعلمك أن لا إله إلا الله . الثاني : ما علمته استدلالا فاعلمه خبرا يقينا . الثالث : يعني فاذكر أن لا إله إلا الله ؛ فعبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه . وعن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك فأمر بالعمل بعد العلم وقال : اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله سابقوا إلى مغفرة من ربكم وقال : واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ثم قال بعد : فاحذروهم وقال تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ثم أمر بالعمل بعد .
قوله تعالى : واستغفر لذنبك يحتمل وجهين : أحدهما : يعني استغفر الله أن يقع منك ذنب . الثاني : استغفر الله ليعصمك من الذنوب . وقيل : لما ذكر له حال الكافرين والمؤمنين أمره بالثبات على الإيمان ، أي : اثبت على ما أنت عليه من التوحيد والإخلاص والحذر عما تحتاج معه إلى استغفار . وقيل : الخطاب له والمراد به الأمة ، وعلى هذا القول توجب الآية استغفار الإنسان لجميع المسلمين . وقيل : كان - عليه السلام - يضيق صدره من كفر الكفار والمنافقين ، فنزلت الآية أي : فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك إلا الله ، فلا تعلق قلبك بأحد سواه . وقيل : أمر بالاستغفار لتقتدي به الأمة . وللمؤمنين والمؤمنات أي ولذنوبهم . وهذا أمر بالشفاعة . وروى مسلم عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس المخزومي قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكلت من طعامه فقلت : يا رسول الله ، غفر الله لك فقال له صاحبي : هل استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، ولك . ثم تلا هذه الآية : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ثم تحولت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، جمعا عليه خيلان كأنه الثآليل .
والله يعلم متقلبكم ومثواكم فيه خمسة أقوال : أحدها : يعلم أعمالكم في تصرفكم وإقامتكم . الثاني : متقلبكم في أعمالكم نهارا ومثواكم في ليلكم نياما . وقيل : متقلبكم في الدنيا . ومثواكم في الدنيا والآخرة ، قاله ابن عباس والضحاك . وقال عكرمة : متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات . ومثواكم مقامكم في الأرض . وقال ابن كيسان : متقلبكم من ظهر إلى بطن الدنيا . ومثواكم في القبور .
قلت : والعموم يأتي على هذا كله ، فلا يخفى عليه سبحانه شيء من حركات بني آدم وسكناتهم ، وكذا جميع خلقه . فهو عالم بجميع ذلك قبل كونه جملة وتفصيلا أولى وأخرى . سبحانه! لا إله إلا هو .
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)

وقوله : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) هذا إخبار : بأنه لا إله إلا الله ، ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك ; ولهذا عطف عليه بقوله : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هزلي وجدي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي " . وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة : " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت إلهي لا إله إلا أنت " . وفي الصحيح أنه قال : " يا أيها الناس ، توبوا إلى ربكم ، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة "
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال : سمعت عبد الله بن سرجس قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلت معه من طعامه ، فقلت : غفر الله لك يا رسول الله ، فقلت : أستغفر لك ؟ فقال : " نعم ، ولكم " ، وقرأ : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) ، ثم نظرت إلى نغض كتفه الأيمن أو : كتفه الأيسر - شعبة الذي شك - فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل .
رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم من طرق ، عن عاصم الأحول به .
وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو يعلى : حدثنا محرز بن عون ، حدثنا عثمان بن مطر ، حدثنا عبد الغفور ، عن أبي نصيرة ، عن أبي رجاء ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما ، فإن إبليس قال : أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني ب " لا إله إلا الله " والاستغفار ، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، فهم يحسبون أنهم مهتدون " .
وفي الأثر المروي : " قال إبليس : وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني "
والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جدا .
وقوله : ( والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) أي : يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم ، كقوله : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) [ الأنعام : 60 ] ، وكقوله : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] . وهذا القول ذهب إليه ابن جريج ، وهو اختيار ابن جرير . وعن ابن عباس : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في الآخرة .
وقال السدي : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في قبوركم .
والأول أولى وأظهر ، والله أعلم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features