وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)

يخبر تعالى بحكمته البالغة، واختياره لعباده، وأن الله ما أرسل قبل محمد ( مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى ) أي: قرأ قراءته، التي يذكر بها الناس، ويأمرهم وينهاهم، ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) أي: في قراءته، من طرقه ومكايده، ما هو مناقض لتلك القراءة، مع أن الله تعالى قد عصم الرسل بما يبلغون عن الله، وحفظ وحيه أن يشتبه، أو يختلط بغيره. ولكن هذا الإلقاء من الشيطان، غير مستقر ولا مستمر، وإنما هو عارض يعرض، ثم يزول، وللعوارض أحكام، ولهذا قال: ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) أي: يزيله ويذهبه ويبطله، ويبين أنه ليس من آياته، و ( يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) أي: يتقنها، ويحررها، ويحفظها، فتبقى خالصة من مخالطة إلقاء الشيطان، ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ ) أي: كامل القوة والاقتدار، فبكمال قوته، يحفظ وحيه، ويزيل ما تلقيه الشياطين، ( حَكِيمٌ ) يضع الأشياء مواضعها، فمن كمال حكمته، مكن الشياطين من الإلقاء المذكور، ليحصل ما ذكره بقوله:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)

قيل: إن السبب الذي من أجله أنـزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن الشيطان كان ألقي على لسانه في بعض ما يتلوه مما أنـزل الله عليه من القرآن ما لم ينـزله الله عليه, فاشتدّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتمَّ به, فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الآيات.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناد من أندية قريش كثير أهله, فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه, فأنـزل الله عليه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى إذا بلغ: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ألقى عليه الشيطان كلمتين: تلك الغرانقة العلى, وإن شفاعتهنّ لترجى, فتكلم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد في آخر السورة, وسجد القوم جميعا معه, ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه, وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود. فرضوا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت، وهو الذي يخلق ويرزق, ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده, إذ جعلت لها نصيبا, فنحن معك، قالا فلما أمسى أتاه جبرائيل عليه السلام، فعرض عليه السورة; فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افْتَرَيْتُ عَلى الله، وَقُلْتُ عَلى الله ما لَمْ يَقُلْ، فأوحى الله إليه: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ... إلى قوله: ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا . فما زال مغموما مهموما حتى نـزلت عليه: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ). قال: فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا كلهم, فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلينا، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن زياد المدني, عن محمد بن كعب القرظي قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قَومه عنه, وشقّ عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند الله, تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب به بينه وبين قومه. وكان يسرّه, مع حبه وحرصه عليهم, أن يلين له بعض ما غلظ عليه من أمرهم, حين حدّث بذلك نفسه، وتمنى وأحبه, فأنـزل الله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى فلما انتهى إلى قول الله: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ألقى الشيطان على لسانه, لما كان يحدّث به نفسه ويتمنى أن يأتي به قومه، تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتهن ترتضى، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا وسرّهم, وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم, فأصاخوا له, والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم, ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل؛ فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها، فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا لأمره, وسجد من في المسجد من المشركين، من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر آلهتهم, فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة, فإنه كان شيخا كبيرا فلم يستطع, فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها. ثم تفرّق الناس من المسجد, وخرجت قريش وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم, يقولون: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر, وقد زعم فيما يتلو أنها الغرانيق العلى، وأن شفاعتهنّ ترتضى، وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقيل: أسلمت قريش. فنهضت منهم رجال, وتخلَّف آخرون. وأتى جبرائيل النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله, وقلت ما لم يُقل لك، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك, وخاف من الله خوفا كبيرا فأنـزل الله تبارك وتعالى عليه وكانَ بِهِ رَحِيما يعزّيه ويخفض عليه الأمر، ويخبره أنه لم يكن قبله رسول ولا نبيّ تمنى كما تمنى ولا حبّ كما أحبّ إلا والشيطان قد ألقى في أمنيته، كما ألقى على لسانه صلى الله عليه وسلم, فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته, أي فأنت كبعض الأنبياء والرسل، فأنـزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... الآية، فأذهب الله عن نبيه الحزن, وأمنه من الذي كان يخاف, ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم، أنها الغرانيق العلى، وأن شفاعتهنّ ترتضى. يقول الله حين ذكر اللات والعُزَّى ومناة الثالثة الأخرى, إلى قوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى , أي فكيف تمنع شفاعة آلهتكم عنده؛ فلما جاءه من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقى على لسان نبيه, قالت قريش: ندم محمد على ما كان من منـزلة آلهتكم عند الله, فغير ذلك وجاء بغيره، وكان ذلك الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسوله قد وقعا في فم كل مشرك, فازدادوا شرّا إلى ما كانوا عليه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر, قال: سمعت داود, عن أبي العالية, قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جلساؤك عبد بني فلان ومولى بني فلان, فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك, فإنه يأتيك أشراف العرب فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فيك، قال: فألقى الشيطان في أمنيته, فنـزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى قال: فأجرى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى, وشفاعتهن ترجى, مثلهن لا يُنسى؛ قال: فسجد النبيّ حين قرأها, وسجد معه المسلمون والمشركون؛ فلما علم الذي أجرى على لسانه, كبر ذلك عليه, فأنـزل الله ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... إلى قوله: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو الوليد, قال: ثنا حماد بن سلمة, عن داود بن أبي هند, عن أبي العالية قال: قالت قريش: يا محمد إنما يجالسك الفقراء والمساكين وضعفاء الناس, فلو ذكرت آلهتنا بخير لجالسناك فإن الناس يأتونك من الآفاق، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم; فلما انتهى على هذه الآية أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى فألقى الشيطان على لسانه: وهي الغرانقة العلى, وشفاعتهن ترتجى؛ فلما فرغ منها سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم و والمسلمون والمشركون, إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص, أخذ كفا من تراب وسجد عليه; وقال: قد أن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير حتى بلغ الذين بالحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن قريشا قد أسلمت, فاشتدّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ألقى الشيطان على لسانه, فأنـزل الله ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... إلى آخر الآية.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, قال: لما نـزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتهن لترتجى. فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال المشركون: أنه لم يذكر آلهتكم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه, فأنـزل الله: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... إلى قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ .
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنى عبد الصمد, قال: ثنا شعبة, قال: ثنا أبو بشر, عن سعيد بن جُبير قال: لما نـزلت: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى ثم ذكر نحوه.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) إلى قوله: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) وذلك أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي, إذ نـزلت عليه قصة آلهة العرب, فجعل يتلوها; فسمعه المشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه, فبينما هو يتلوها وهو يقول: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ألقى الشيطان: إن تلك الغرانيق العلى, منها الشفاعة ترتجى. فجعل يتلوها, فنـزل جبرائيل عليه السلام فنسخها, ثم قال له: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) إلى قوله: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي )... الآية; أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة, أنـزل الله عليه في آلهة العرب, فجعل يتلو اللات والعزّى ويكثر ترديدها. فسمع أهل مكة نبيّ الله يذكر آلهتهم, ففرحوا بذلك, ودنوا يستمعون, فألقى الشيطان في تلاوة النبيّ صلى الله عليه وسلم: تلك الغرانيق العلى, منها الشفاعة ترتجى، فقرأها النبيّ صلى الله عليه وسلم كذلك, فأنـزل الله عليه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَى وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يونس, عن ابن شهاب, أنه سئل عن قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ )... الآية, قال ابن شهاب: ثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قرأ عليهم: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ، فلما بلغ أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى قال: إن شفاعتهن ترتجى. وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه المشركون الذين في قلوبهم مرض, فسلموا عليه, وفرحوا بذلك, فقال لهم: إنما ذلك من الشيطان. فأنـزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ )... حتى بلغ: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ).
فتأويل الكلام: ولم يرسل يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم، ولا نبيّ محدث ليس بمرسل, إلا إذا تمنى.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله تمنى في هذا الموضع, وقد ذكرت قول جماعة ممن قال: ذلك التمني من النبيّ صلى الله عليه وسلم ما حدثته نفسه من محبته، مقاربة قومه في ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون, ومن قال ذلك محبة منه في بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدّث.
*ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) يقول: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( إِذَا تَمَنَّى ) قال: إذا قال.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِلا إِذَا تَمَنَّى ) يعني بالتمني: التلاوة والقراءة.
وهذا القول أشبه بتأويل الكلام, بدلالة قوله: ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) على ذلك; لأن الآيات التي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه يحكمها, لا شك أنها آيات تنـزيله, فمعلوم أن الذي ألقى فيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله، ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.
فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلا إذا تلا كتاب الله, وقرأ, أو حدّث وتكلم, ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه، أو في حديثه الذي حدث وتكلم ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) يقول تعالى: فيذهب الله ما يلقي الشيطان من ذلك على لسان نبيه ويبطله.
كما حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) فيبطل الله ما ألقى الشيطان.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم, وأحكم الله آياته.
وقوله: ( ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) يقول:
ثم يخلص الله آيات كتابه من الباطل الذي ألقى الشيطان على لسان نبيه ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) بما يحدث في خلقه من حدث, لا يخفى عليه منه شيء (حَكِيمٌ) في تدبيره إياهم وصرفه لهم فيما شاء وأحَبّ.
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)

قوله عز وجل : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) الآية . قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسرين : لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم ، فكان يوما في مجلس قريش فأنزل الله تعالى سورة " النجم " فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله : ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) ألقى الشيطان على لسانه بما كان يحدث به نفسه ويتمناه : " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " ، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته ، فقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده ، وسجد جميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص ، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها ، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود . وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ويقولون : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، وقالوا : قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، فإذا جعل لها نصيبا فنحن معه ، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال : يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عز وجل! فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله هذه الآية يعزيه ، وكان به رحيما ، وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش وقيل : أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم ، وقالوا : هم أحب إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل أحد إلا بجوار أو مستخفيا ، فلما نزلت هذه الآية قالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك . وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه ، وشدة على من أسلم .
قال الله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ) وهو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا ، ( ولا نبي ) وهو الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما ، وكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ( إلا إذا تمنى ) قال بعضهم : أي : أحب شيئا واشتهاه وحدث به نفسه ما لم يؤمر به . ( ألقى الشيطان في أمنيته ) أي : مراده .
وعن ابن عباس قال : إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ووجد إليه سبيلا وما من نبي إلا تمنى أن يؤمن به قومه ولم يتمن ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضى به قومه ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان .
وأكثر المفسرين قالوا : معنى قوله : ( تمنى ) أي : تلا وقرأ كتاب الله تعالى . " ألقى الشيطان في أمنيته " أي : في تلاوته ، قال الشاعر في عثمان حين قتل :
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر
واختلفوا في أنه كان يقرأ في الصلاة أو في غير الصلاة؟ فقال قوم : كان يقرأ في الصلاة . وقال قوم : كان يقرأ في غير الصلاة . فإن قيل كيف يجوز الغلط في التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان معصوما من الغلط في أصل الدين ، وقال جل ذكره في القرآن : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) ( فصلت : 42 ) يعني إبليس؟
قيل : قد اختلف الناس في الجواب عنه ، فقال بعضهم : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقرأ ، ولكن الشيطان ذكر ذلك بين قراءته ، فظن المشركون أن الرسول قرأه .
وقال قتادة : أغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءة فجرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان ولم يكن له خبر .
والأكثرون قالوا : جرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان على سبيل السهو والنسيان ولم يلبث أن نبهه الله عليه .
وقيل : إن شيطانا يقال له أبيض عمل هذا العمل ، وكان ذلك فتنة ومحنة من الله تعالى يمتحن عباده بما يشاء .
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)

قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا . ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة " النجم " فلما بلغ هذا الموضع : ( أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى ) قال : فألقى الشيطان على لسانه : " تلك الغرانيق العلى . وإن شفاعتهن ترتجى " . قالوا : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم . فسجد وسجدوا ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته [ فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ] )
رواه ابن جرير ، عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة ، به نحوه ، وهو مرسل ، وقد رواه البزار في مسنده ، عن يوسف بن حماد ، عن أمية بن خالد ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فيما أحسب ، الشك في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة سورة " النجم " ، حتى انتهى إلى : ( أفرأيتم اللات والعزى ) ، وذكر بقيته . ثم قال البزار : لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد ، تفرد بوصله أمية بن خالد ، وهو ثقة مشهور . وإنما يروى هذا من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .
ثم رواه ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية ، وعن السدي ، مرسلا . وكذا رواه ابن جرير ، عن محمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن قيس ، مرسلا أيضا .
وقال قتادة : كان النبي صلى الله عليه وسلم [ يصلي ] عند المقام إذ نعس ، فألقى الشيطان على لسانه " وإن شفاعتها لترتجى . وإنها لمع الغرانيق العلى " ، فحفظها المشركون . وأجرى الشيطان أن نبي الله قد قرأها ، فزلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول [ ولا نبي إلا إذا تمنى ] ) الآية ، فدحر الله الشيطان .
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي ، حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : أنزلت سورة النجم ، وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ، وأحزنه ضلالهم ، فكان يتمنى هداهم ، فلما أنزل الله سورة " النجم " قال : ( أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى . ألكم الذكر وله الأنثى ) ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت ، فقال : " وإنهن لهن الغرانيق العلى . وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى " . وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة ، وزلت بها ألسنتهم ، وتباشروا بها ، وقالوا : إن محمدا ، قد رجع إلى دينه الأول ، ودين قومه . فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم [ آخر النجم ] ، سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك . غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا ، فرفع على كفه ترابا فسجد عليه . فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود ، لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الآية التي ألقى الشيطان في مسامع المشركين فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحدثهم به الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السورة ، فسجدوا لتعظيم آلهتهم . ففشت تلك الكلمة في الناس ، وأظهرها الشيطان ، حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين ، عثمان بن مظعون وأصحابه ، وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم ، وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ، وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان ، وأحكم الله آياته ، وحفظه من الفرية ، وقال [ تعالى ] : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ) ، فلما بين الله قضاءه ، وبرأه من سجع الشيطان ، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم المسلمين ، واشتدوا عليهم . وهذا أيضا مرسل .
وفي تفسير ابن جرير عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، نحوه . وقد رواه الإمام أبو بكر البيهقي في كتابه " دلائل النبوة " فلم يجز به موسى بن عقبة ، ساقه في مغازيه بنحوه ، قال : وقد روينا عن ابن إسحاق هذه القصة .
قلت : وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا ، وكلها مرسلات ومنقطعات ، فالله أعلم . وقد ساقها البغوي في تفسيره مجموعة من كلام ابن عباس ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهما بنحو من ذلك ، ثم سأل هاهنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه؟ ثم حكى أجوبة عن الناس ، من ألطفها : أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك ، فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس كذلك في نفس الأمر ، بل إنما كان من صنيع الشيطان لا من رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .
وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته . وقد تعرض القاضي عياض ، رحمه الله ، في كتاب " الشفاء " لهذا ، وأجاب بما حاصله .
وقوله : ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) ، هذا فيه تسلية له ، صلوات الله وسلامه عليه ، أي : لا يهيدنك ذلك ، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء .
قال البخاري : قال ابن عباس : ( في أمنيته ) إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ، فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( إذا تمنى [ ألقى الشيطان في أمنيته ) ، يقول : إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه .
وقال مجاهد : ( إذا تمنى ) ] يعني : إذا قال .
ويقال : ( أمنيته ) : قراءته ، ( إلا أماني ) [ البقرة : 78 ] ، يقولون ولا يكتبون .
قال البغوي : وأكثر المفسرين قالوا : معنى قوله : ( تمنى ) أي : تلا وقرأ كتاب الله ، ( ألقى الشيطان في أمنيته ) أي : في تلاوته ، قال الشاعر في عثمان حين قتل :
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر
وقال الضحاك : ( إذا تمنى ) : إذا تلا .
قال ابن جرير : هذا القول أشبه بتأويل الكلام .
وقوله : ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) ، حقيقة النسخ لغة : الإزالة والرفع .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي فيبطل الله سبحانه وتعالى ما ألقى الشيطان .
وقال الضحاك : نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان ، وأحكم الله آياته .
وقوله : ( والله عليم ) ، [ أي : بما يكون من الأمور والحوادث ، لا تخفى عليه خافية ] ، ( حكيم ) أي : في تقديره وخلقه وأمره ، له الحكمة التامة والحجة البالغة;
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features