رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)

ثم ذكر من جلاله وكماله ما يقتضي إخلاص العبادة له فقال: { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } أي: العلي الأعلى، الذي استوى على العرش واختص به، وارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته، وارتفع به قدره، وجلت أوصافه، وتعالت ذاته، أن يتقرب إليه إلا بالعمل الزكي الطاهر المطهر، وهو الإخلاص، الذي يرفع درجات أصحابه ويقربهم إليه ويجعلهم فوق خلقه، ثم ذكر نعمته على عباده بالرسالة والوحي، فقال: { يُلْقِي الرُّوحَ } أي: الوحي الذي للأرواح والقلوب بمنزلة الأرواح للأجساد، فكما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش، فالروح والقلب بدون روح الوحي لا يصلح ولا يفلح، فهو تعالى { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم.
{ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الرسل الذين فضلهم الله واختصهم الله لوحيه ودعوة عباده.
والفائدة في إرسال الرسل، هو تحصيل سعادة العباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وإزالة الشقاوة عنهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، ولهذا قال: { لِيُنْذِرَ } من ألقى الله إليه الوحي { يَوْمَ التَّلَاقِ } أي: يخوف العباد بذلك، ويحثهم على الاستعداد له بالأسباب المنجية مما يكون فيه.
وسماه { يوم التلاق } لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق والمخلوقون بعضهم مع بعض، والعاملون وأعمالهم وجزاؤهم.
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)

قوله تعالى : رفيع الدرجات ذو العرش ذو العرش على إضمار مبتدأ . قال الأخفش : ويجوز نصبه على المدح . ومعنى رفيع الدرجات أي : رفيع الصفات . وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بن جبير : رفيع السماوات السبع . وقال يحيى بن سلام : هو رفعة درجة أوليائه في الجنة ف " رفيع " على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل . وهو على القول الأول من صفات الذات ، ومعناه الذي لا أرفع قدرا منه ، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء ، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره . قاله الحليمي . وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى والحمد لله . ذو العرش أي : خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه . وقيل : هو من قولهم : ثل عرش فلان أي : زال ملكه وعزه ، فهو سبحانه ذو العرش بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه ، وقد بيناه في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى .
يلقي الروح أي الوحي والنبوة على من يشاء من عباده ، وسمي ذلك روحا لأن الناس يحيون به ، أي : يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح . وقال ابن زيد : الروح القرآن ، قال الله تعالى : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا . وقيل : الروح جبريل ، قال الله تعالى : نزل به الروح الأمين على قلبك وقال : قل نزله روح القدس من ربك بالحق . من أمره أي من قوله . وقيل : من قضائه . وقيل : من بمعنى الباء أي : بأمره . على من يشاء من عباده وهم الأنبياء ، يشاء هو أن يكونوا أنبياء وليس لأحد فيهم مشيئة . لينذر يوم التلاق أي إنما يبعث الرسول لإنذار يوم البعث . فقوله : لينذر يرجع إلى الرسول . وقيل : أي : لينذر الله ببعثه الرسل إلى الخلائق يوم التلاق . وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميقع " لتنذر " بالتاء خطابا للنبي عليه السلام . يوم التلاق قال ابن عباس وقتادة : يوم تلتقي أهل السماء وأهل الأرض . وقال قتادة أيضا وأبو العالية ومقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق . وقيل : العابدون والمعبودون . وقيل : الظالم والمظلوم . وقيل : يلقى كل إنسان جزاء عمله . وقيل : يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد ، روي معناه عن ابن عباس . وكله صحيح المعنى .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features