قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)

يأمر تعالى عباده المؤمنين بحسن الخلق والصبر على أذية المشركين به، الذين لا يرجون أيام الله أي: لا يرجون ثوابه ولا يخافون وقائعه في العاصين فإنه تعالى سيجزي كل قوم بما كانوا يكسبون. فأنتم يا معشر المؤمنين يجزيكم على إيمانكم وصفحكم وصبركم، ثوابا جزيلا.
قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)

قوله تعالى : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون .
قوله تعالى : قل للذين آمنوا يغفروا جزم على جواب قل تشبيها بالشرط والجزاء كقولك : قم تصب خيرا . وقيل : هو على حذف اللام . وقيل : على معنى قل لهم اغفروا يغفروا ، فهو جواب أمر محذوف دل الكلام عليه ، قاله علي بن عيسى واختاره ابن العربي . ونزلت الآية بسبب أن رجلا من قريش شتم عمر بن الخطاب فهم أن يبطش به . قال ابن العربي : وهذا لم يصح . وذكر الواحدي والقشيري وغيرهما عن ابن عباس أن الآية نزلت في عمر مع عبد الله بن أبي في غزوة بني المصطلق ، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها ( المريسيع ) فأرسل عبد الله غلامه ليستقي ، وأبطأ عليه فقال : ما حبسك ؟ قال : غلام عمر بن الخطاب قعد على فم البئر ، فما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرب أبي بكر ، وملأ لمولاه . فقال عبد الله : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : سمن كلبك يأكلك . فبلغ عمر - رضي الله عنه - قوله ، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله ، فأنزل الله هذه الآية . هذه رواية عطاء عن ابن عباس . وروى عنه ميمون بن مهران قال : لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص : احتاج رب محمد ! قال : فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه ، فجاء جبريل - عليه السلام - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( إن ربك يقول لك قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) . واعلم أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبه ، فلما جاء قال : ( يا عمر ، ضع سيفك ) قال : يا رسول الله ، صدقت . أشهد أنك أرسلت بالحق . قال : ( فإن ربك يقول : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) قال : لا جرم! والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي .
قلت : وما ذكره المهدوي والنحاس فهو رواية الضحاك عن ابن عباس ، وهو قول القرظي والسدي ، وعليه يتوجه النسخ في الآية . وعلى أن الآية نزلت بالمدينة أو في غزوة بني المصطلق فليست بمنسوخة . ومعنى يغفروا يعفوا ويتجاوزوا . ومعنى : لا يرجون أيام الله أي : لا يرجون ثوابه . وقيل : أي : لا يخافون بأس الله ونقمه . وقيل : الرجاء بمعنى الخوف ، كقوله : ما لكم لا ترجون لله وقارا أي : لا تخافون له عظمة . والمعنى : لا تخشون مثل عذاب الأمم الخالية . والأيام يعبر بها عن الوقائع . وقيل : لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه . وقيل : المعنى لا يخافون البعث .
ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ، قراءة العامة ليجزي بالياء على معنى ليجزي الله . وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر ( لنجزي ) بالنون على التعظيم . وقرأ أبو جعفر والأعرج وشيبة ( ليجزى ) بياء مضمومة وفتح الزاي على الفعل المجهول ، قوما بالنصب . قال أبو عمرو : وهذا لحن ظاهر . وقال الكسائي : معناه ليجزي الجزاء قوما ، نظيره : ( وكذلك نجي المؤمنين ) على قراءة ابن عامر وأبي بكر في سورة ( الأنبياء ) قال الشاعر :
ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا
أي : لسب السب .
قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)

( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) أي لا يخافون وقائع الله ولا يبالون نقمته ، قال ابن عباس ومقاتل : نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، وذلك أن رجلا من بني غفار شتمه بمكة فهم عمر - رضي الله تعالى عنه - أن يبطش به ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يعفو عنه .
وقال القرظي والسدي : نزلت في أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين ، من قبل أن يؤمروا بالقتال ، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله هذه الآية ثم نسختها آية القتال . ( ليجزي قوما ) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " لنجزي " بالنون ، وقرأ الآخرون بالياء ، أي ليجزي الله ، وقرأ أبو جعفر " ليجزى " بضم الياء الأولى وسكون الثانية وفتح الزاي ، قال أبو عمرو : وهو لحن ، قال الكسائي : معناه ليجزي الجزاء قوما ( بما كانوا يكسبون ) .
قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)

وقوله : ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) أي : يصفحوا عنهم ويحملوا الأذى منهم . وهذا كان في ابتداء الإسلام ، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ؛ ليكون ذلك لتأليف قلوبهم ، ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد . هكذا روي عن ابن عباس ، وقتادة .
وقال مجاهد [ في قوله ] ( لا يرجون أيام الله ) لا يبالون نعم الله .
وقوله : ( ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ) أي : إذا صفحوا عنهم في الدنيا ، فإن الله مجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة ;
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features