وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)

هذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } أي: ذليلين حقيرين، يجتمع عليهم العذاب والإهانة، جزاء على استكبارهم.
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)

ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثني أبو مليح المدني - شيخ من أهل المدينة - سمعه عن أبي صالح ، وقال مرة : سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يدع الله ، عز وجل ، غضب عليه " .
تفرد به أحمد ، وهذا إسناد لا بأس به .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا مروان الفزاري ، حدثنا صبيح أبو المليح : سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لا يسأله يغضب عليه " .
قال ابن معين : أبو المليح هذا اسمه : صبيح . كذا قيده بالضم عبد الغني بن سعيد . وأما أبو صالح هذا فهو الخوزي ، سكن شعب الخوز . قاله البزار في مسنده . وكذا وقع في روايته أبو المليح الفارسي ، عن أبي صالح الخوزي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لا يسأل الله يغضب عليه " .
وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي : حدثنا همام ، حدثنا إبراهيم بن الحسن ، حدثنا نائل بن نجيح ، حدثني عائذ بن حبيب ، عن محمد بن سعيد قال : لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري ، وجدنا في ذؤابة سيفه كتابا : " بسم الله الرحمن الرحيم ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن لربكم في بقية دهركم نفحات ، فتعرضوا له ، لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد بها صاحبها سعادة لا يخسر بعدها أبدا " .
وقوله : ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ) أي : عن دعائي وتوحيدي ، ( سيدخلون جهنم داخرين ) أي : صاغرين حقيرين ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن عجلان ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر ، في صور الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم - يقال له : بولس - تعلوهم نار الأنيار ، يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو بكر بن محمد بن يزيد بن خنيس : سمعت أبي يحدث عن وهيب بن الورد : حدثني رجل قال : كنت أسير ذات يوم في أرض الروم ، فسمعت هاتفا من فوق رأس جبل وهو يقول : يا رب ، عجبت لمن عرفك كيف يرجو أحدا غيرك ! يا رب ، عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك - قال : ثم ذهبت ، ثم جاءت الطامة الكبرى - قال : ثم عاد الثانية فقال : يا رب ، عجبت لمن عرفك كيف يتعرض لشيء من سخطك يرضي غيرك . قال وهيب : وهذه الطامة الكبرى . قال : فناديته : أجني أنت أم إنسي ؟ قال : بل إنسي ، اشغل نفسك بما يعنيك عما لا يعنيك .
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)

قوله تعالى : وقال ربكم ادعوني أستجب لكم الآية . روى النعمان بن بشير قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . فدل هذا على أن الدعاء هو العبادة . وكذا قال أكثر المفسرين وأن المعنى : وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم . وقيل : هو الذكر والدعاء والسؤال . قال أنس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع ويقال الدعاء : هو ترك الذنوب . وحكى قتادة أن كعب الأحبار قال : أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم تعطهن أمة قبلهم إلا نبي : كان إذا أرسل نبي قيل له : أنت شاهد على أمتك ، وقال تعالى لهذه الأمة : لتكونوا شهداء على الناس وكان يقال للنبي : ليس عليك في الدين من حرج ، وقال لهذه الأمة : وما جعل عليكم في الدين من حرج وكان يقال للنبي : ادعني أستجب لك ، وقال لهذه الأمة : ادعوني أستجب لكم .
قلت : مثل هذا لا يقال من جهة الرأي . وقد جاء مرفوعا ، رواه ليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا للأنبياء ، كان الله تعالى إذا بعث النبي قال : ادعني أستجب لك ، وقال لهذه الأمة : ادعوني أستجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال : ما جعل عليك في الدين من حرج ، وقال لهذه الأمة : وما جعل عليكم في الدين من حرج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه ، وجعل هذه الأمة شهداء على الناس ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول . وكان خالد الربعي يقول : عجيب لهذه الأمة ، قيل لها : ادعوني أستجب لكم أمرهم بالدعاء ووعدهم الاستجابة ، وليس بينهما شرط . قال له قائل : مثل ماذا ؟ قال : مثل قوله تعالى : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهاهنا شرط ، وقوله : وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق فليس فيه شرط العمل ، ومثل قوله : فادعوا الله مخلصين له الدين فهاهنا شرط ، وقوله تعالى : ادعوني أستجب لكم ليس فيه شرط . وكانت الأمة تفزع إلى أنبيائها في حوائجها حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك . وقد قيل : إن هذا من باب المطلق والمقيد على ما تقدم في [ البقرة ] بيانه . أي : أستجب لكم إن شئت ، كقوله : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء . وقد تكون الاستجابة في غير عين المطلوب على حديث أبي سعيد الخدري على ما تقدم في [ البقرة ] بيانه فتأمله هناك . وقرأ ابن كثير وابن محيصن ورويس عن يعقوب وعياش عن أبي عمرو وأبو بكر والمفضل عن عاصم " سيدخلون " بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله . الباقون " يدخلون " بفتح الياء وضم الخاء . ومعنى داخرين صاغرين أذلاء ، وقد تقدم .
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)

وقوله: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) يقول تعالى ذكره: ويقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني: يقول: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني من الأوثان والأصنام وغير ذلك ( أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) يقول: أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) يقول: وحَّدوني أغفر لكم.
حدثنا عمرو بن عليّ, قال: ثنا عبد الله بن داود, عن الأعمش, عن زرّ, عن يسيع الحضرمي, عن النعمان بن بشير, قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ" وقرأ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) .
حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن منصور, والأعمش عن زرّ, عن يسيع الحضرمي, عن النعمان بن بشير, قال: سمعت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: " الدُّعاءُ هُوَ العبادَةُ,( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ... الآية.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن منصور, عن زرّ, عن يسيع قال أبو موسى: هكذا قال غندر, عن سعيد, عن منصور, عن زرّ, عن يسيع, عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إنَّ الدُّعاءَ هُوَ العِبَادَةُ"( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: ثنا شعبة, عن منصور, عن زر, عن يسيع عن النعمان بن بشير, عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بمثله.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثنا يوسف بن العرف الباهلي, عن الحسن بن أبي جعفر, عن محمد بن جحادة, عن يسيع الحضرمي, عن النعمان بن بشير, قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إنَّ عِبَادَتي دُعائي" ثُم تلا هذه الآية: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) قال: " عَنْ دُعائي".
حدثنا عليّ بن سهل, قال: ثنا مؤمل, قال: ثنا عمارة, عن ثابت, قال: قلت لأنس: يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال: لا بل هو العبادة كلها.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قال: أخبرنا منصور, عن زر, عن يسيع الحضرمي, عن النعمان بن بشير, قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ, ثم قرأ هذه الآية ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي )".
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هاشم بن القاسم, عن الأشجعي, قال: قيل لسفيان: ادع الله, قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.
وقوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) يقول: إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة, وإفراد الألوهة لي ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) بمعنى: صاغرين. وقد دللنا فيما مضى قبل على معنى الدخر بما أغني عن إعادته في هذا الموضع.
وقد قيل: إن معنى قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) : إن الذين يستكبرون عن دعائي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) قال: عن دعائي.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( دَاخِرِينَ ) قال: صاغرين.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features