وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)

أي: ولكل أمة من الأمم السالفة جعلنا منسكا، أي: فاستبقوا إلى الخيرات وتسارعوا إليها، ولننظر أيكم أحسن عملا، والحكمة في جعل الله لكل أمة منسكا، لإقامة ذكره، والالتفات لشكره، ولهذا قال: { لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } وإن اختلفت أجناس الشرائع، فكلها متفقة على هذا الأصل، وهو ألوهية الله، وإفراده بالعبودية، وترك الشرك به ولهذا قال: { فَلَهُ أَسْلِمُوا } أي: انقادوا واستسلموا له لا لغيره، فإن الإسلام له طريق إلى الوصول إلى دار السلام. { وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } بخير الدنيا والآخرة، والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده .
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)

يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعا في جميع الملل .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ولكل أمة جعلنا منسكا ) قال : عيدا .
وقال عكرمة : ذبحا . وقال زيد بن أسلم في قوله : ( ولكل أمة جعلنا منسكا ) ، إنها مكة ، لم يجعل الله لأمة قط منسكا غيرها .
[ وقوله ] : ( ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) ، كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، فسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما .
وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا سلام بن مسكين ، عن عائذ الله المجاشعي ، عن أبي داود وهو نفيع بن الحارث عن زيد بن أرقم قال : قلت أو : قالوا : يا رسول الله ، ما هذه الأضاحي؟ قال : " سنة أبيكم إبراهيم " . قالوا : ما لنا منها؟ قال : " بكل شعرة حسنة " قالوا : فالصوف؟ قال : " بكل شعرة من الصوف حسنة " .
وأخرجه الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه في سننه ، من حديث سلام بن مسكين ، به .
وقوله : ( فإلهكم إله واحد فله أسلموا ) أي : معبودكم واحد ، وإن تنوعت شرائع الأنبياء ونسخ بعضها بعضا ، فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده ، لا شريك له ، ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] . ولهذا قال : ( فله أسلموا ) أي : أخلصوا واستسلموا لحكمه وطاعته .
( وبشر المخبتين ) : قال مجاهد : المطمئنين ، وقال الضحاك ، وقتادة : المتواضعين . وقال السدي : الوجلين . وقال عمرو بن أوس : المخبتون : الذين لا يظلمون ، وإذا ظلموا لم ينتصروا .
وقال الثوري : ( وبشر المخبتين ) قال : المطمئنين الراضين بقضاء الله ، المستسلمين له .
وأحسن ما يفسر بما بعده وهو قوله :
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)

قوله تعالى : ولكل أمة جعلنا منسكا لما ذكر تعالى الذبائح بين أنه لم يخل منها أمة ، والأمة القوم المجتمعون على مذهب واحد ؛ أي ولكل جماعة مؤمنة جعلنا منسكا . والمنسك الذبح وإراقة الدم ؛ قاله مجاهد . يقال : نسك إذا ذبح ينسك نسكا . والذبيحة نسيكة ، وجمعها نسك ؛ ومنه قوله تعالى : أو صدقة أو نسك . والنسك أيضا الطاعة . وقال الأزهري في قوله تعالى : ولكل أمة جعلنا منسكا : إنه يدل على موضع النحر في هذا الموضع ، أراد مكان نسك . ويقال : منسك ومنسك ، لغتان ، وقرئ بهما . قرأ الكوفيون إلا عاصما بكسر السين ، الباقون بفتحها . وقال الفراء : المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد في خير أو شر . وقيل مناسك الحج لترداد الناس إليها من الوقوف بعرفة ، ورمي الجمار ، والسعي . وقال ابن عرفة في قوله : ولكل أمة جعلنا منسكا : أي مذهبا من طاعة الله تعالى ؛ يقال : نسك نسك قومه إذا سلك مذهبهم . وقيل : منسكا عيدا ؛ قاله الفراء . وقيل حجا ؛ قاله قتادة . والقول الأول أظهر ؛ لقوله تعالى : ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد أي على ذبح ما رزقهم . فأمر تعالى عند الذبح بذكره وأن يكون الذبح له ؛ لأنه رازق ذلك . ثم رجع اللفظ من الخبر عن الأمم إلى إخبار الحاضرين بما معناه : فالإله واحد لجميعكم ، فكذلك الأمر في الذبيحة إنما ينبغي أن تخلص له .
قوله تعالى : فله أسلموا معناه لحقه ولوجهه وإنعامه آمنوا وأسلموا . ويحتمل أن يريد الاستسلام ؛ أي له أطيعوا وانقادوا .
قوله تعالى : وبشر المخبتين المخبت : المتواضع الخاشع من المؤمنين . والخبت ما انخفض من الأرض ؛ أي بشرهم بالثواب الجزيل . قال عمرو بن أوس : المخبتون الذين لا يظلمون ، وإذا ظلموا لم ينتصروا . وقال مجاهد فيما روى عنه سفيان ، عن ابن أبي نجيح : المخبتون المطمئنون بأمر الله - عز وجل - .
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)

يقول تعالى ذكره: ( وَلِكُلّ أُمَّةٍ ) ولكلّ جماعة سلف فيكم من أهل الإيمان بالله أيها الناس, جعلنا ذبحا يُهَرِيقون دمه ( لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعام ) بذلك لأن من البهائم ما ليس من الأنعام, كالخيل والبغال والحمير. وقيل: إنما قيل للبهائم بهائم لأنها لا تتكلم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: ( جَعَلْنا مَنْسَكا ) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال. حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكا ) قال: إهراق الدماء ( لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها ).
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال. ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
وقوله: ( فَإِلَهُكُمْ إلَهُ وَاحِدٌ ) يقول تعالى ذكره: فاجتنبوا الرجس من الأوثان, واجتنبوا قول الزور, فإلهكم إله واحد لا شريك له, فإياه فاعبدوا وله أخلصوا الألوهة.وقوله: ( فَلَهُ أسْلِمُوا ) يقول: فلإلهكم فاخضعوا بالطاعة, وله فذلوا بالإقرار بالعبودية.وقوله: ( وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ ) يقول تعالى ذكره: وبشر يا محمد الخاضعين لله بالطاعة, المذعنين له بالعبودية, المنيبين إليه بالتوبة. وقد بيَّنا معنى الإخبات بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا.
وقد اختلف أهل التأويل في المراد به في هذا الموضع, فقال بعضهم: أريد به: وبشِّر المطمئنين إلى الله.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ ) قال: المطمئنين.
حدثني أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ ) المطمئنين إلى الله.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى. وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ ) قال: المطمئنين.
حدثنا الحسن, قال: ثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, في قوله: ( وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ ) قال: المتواضعين.
وقال آخرون في ذلك بما:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا محمد بن مسلم, عن عثمان بن عبد الله بن أوس, عن عمرو بن أوس, قال: المخبتون: الذين لا يظلمون, وإذا ظلموا لم ينتصروا.
حدثني محمد بن عثمان الواسطي, قال: ثنا حفص, بن عمر, قال: ثنا محمد بن مسلم الطائفي, قال: ثني عثمان بن عبد الله بن أوس, عن عمرو بن أوس مثله.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features