فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)

فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي يعني بالخير الخيل ، والعرب تسميها كذلك ، وتعاقب بين الراء واللام ، فتقول : انهملت العين وانهمرت ، وختلت وخترت إذا خدعت . قال الفراء : الخير في كلام العرب والخيل واحد . النحاس : في الحديث : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة فكأنها سميت خيرا لهذا . وفي الحديث : لما وفد زيد الخيل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال له : أنت زيد الخير وهو زيد بن مهلهل الشاعر . وقيل : إنما سميت خيرا لما فيها من المنافع . وفي الخبر : إن الله تعالى عرض على آدم جميع الدواب ، وقيل له : اختر منها واحدا ، فاختار الفرس ، فقيل له : اخترت عزك ، فصار اسمه الخير من هذا الوجه . وسمي خيلا ; لأنها موسومة بالعز . وسمي فرسا لأنه يفترس مسافات الجو افتراس الأسد وثبانا ، ويقطعها كالالتهام بيديه على كل شيء خبطا وتناولا . وسمي عربيا لأنه جيء به من بعد آدم لإسماعيل جزاء عن رفع قواعد البيت ، وإسماعيل عربي ، فصارت له نحلة من الله ، فسمي عربيا . و " حب " مفعول في قول الفراء . والمعنى إني آثرت حب الخير . وغيره يقدره مصدرا أضيف إلى المفعول ، أي : أحببت الخير حبا فألهاني عن ذكر ربي . وقيل : إن معنى أحببت قعدت وتأخرت ، من قولهم : أحب البعير إذا برك وتأخر . وأحب فلان أي : طأطأ رأسه . قال أبو زيد : يقال : بعير محب ، وقد أحب إحبابا ، وهو أن يصيبه مرض أو كسر فلا يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت . وقال ثعلب : يقال أيضا للبعير الحسير محب ، فالمعنى قعدت عن ذكر ربي . و " حب " على هذا مفعول له . وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان : أحببت بمعنى لزمت ، من قوله :
مثل بعير السوء إذ أحبا
حتى توارت بالحجاب يعني الشمس ، كناية عن غير مذكور ، مثل قوله تعالى : ما ترك على ظهرها من دابة أي على ظهر الأرض ، وتقول العرب : هاجت باردة أي : هاجت الريح باردة . وقال الله تعالى : فلولا إذا بلغت الحلقوم أي : بلغت النفس الحلقوم . وقال تعالى : إنها ترمي بشرر كالقصر ولم يتقدم للنار ذكر . وقال الزجاج : إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر ، وقد جرى هاهنا الدليل وهو قوله : بالعشي . والعشي ما بعد الزوال ، والتواري الاستتار عن الأبصار ، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق ، قاله قتادة وكعب . وقيل : هو جبل قاف . وقيل : جبل دون قاف . والحجاب الليل ، سمي حجابا لأنه يستر ما فيه . وقيل : حتى توارت أي : الخيل في المسابقة . وذلك أن سليمان كان له ميدان مستدير يسابق فيه بين الخيل ، حتى توارت عنه وتغيب عن عينه في المسابقة ; لأن الشمس لم يجر لها ذكر . وذكر النحاس أن سليمان - عليه السلام - كان في صلاة فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غنمت فأشار بيده لأنه كان يصلي حتى توارت الخيل وسترتها جدر الإصطبلات ،
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)

وقوله ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره: فَلَهِيَ عن الصلاة حتى فاتته, فقال: إني أحببت حب الخير. ويعني بقوله ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) : أي المال والخيل، أو الخير من المال.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن السُّدِّيّ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) قال: الخيل.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) قال: المال.
وقوله ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) يقول: إني أحببت حب الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته. وقيل: إن ذلك كان صلاة العصر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) عن صلاة العصر.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) قال. صلاة العصر. حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثنا أبو زرعة, قال: ثنا حيوة بن شريح, قال: ثنا أبو صخر, أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصَّهباء البكري يقول: سألت عليّ بن أبي طالب, عن الصلاة الوسطى, فقال: هي العصر, وهي التي فُتِن بها سليمان بن داود.
وقوله ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) يقول: حتى توارت الشمس بالحجاب, يعني: تغيبت في مغيبها. كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثنا ميكائيل, عن داود بن أبي هند, قال: قال ابن مسعود, في قوله ( إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) قال: توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء, فخضرة السماء منها.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) حتى دَلَكَتْ براح. قال قتادة: فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه, ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) حتى غابت.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features