وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41)

قوله تعالى : ولمن انتصر بعد ظلمه أي المسلم إذا انتصر من الكافر فلا سبيل إلى لومه ، بل يحمد على ذلك مع الكافر . ولا لوم إن انتصر الظالم من المسلم ، فالانتصار من الكافر حتم ، ومن المسلم مباح ، والعفو مندوب
قوله تعالى : ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل دليل على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه . وهذا ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون قصاصا في بدن يستحقه آدمي ، فلا حرج عليه إن استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام ، لكن يزجره الإمام في تفوته بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدم . وإن كان حقه غير ثابت عند الحاكم فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج ، وهو في الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب . القسم الثاني : أن يكون حد الله تعالى لا حق لآدمي فيه كحد الزنى وقطع السرقة ، فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه ، وإن ثبت عند حاكم نظر ؛ فإن كان قطعا في سرقة سقط به الحد لزوال العضو المستحق قطعه ، ولم يجب عليه في ذلك حق لأن التعزير أدب ، وإن كان جلدا لم يسقط به الحد لتعديه مع بقاء محله فكان مأخوذا بحكمه .
القسم الثالث : أن يكون حقا في مال ، فيجوز لصاحبه أن يغالب على حقه حتى يصل إليه إن كان ممن هو عالم به ، وإن كان غير عالم نظر ؛ فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له الاستسرار بأخذه . وإن كان لا يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه من عدم بينة تشهد له ففي جواز استسراره بأخذه مذهبان : أحدهما : جوازه ، وهو قول مالك والشافعي . الثاني : المنع ، وهو قول أبي حنيفة .
وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41)

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
يقول تعالى ذكره: ولمن انتصر ممن ظلمه ممن بعد ظلمه إياه (فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) يقول: فأولئك المنتصرون منهم لا سبيل للمنتصر منهم عليهم بعقوبة لا أذى, لأنهم انتصروا منهم بحقّ, ومن أخذ حقه ممن وجب ذلك له عليه, ولم يتعد, لم يظلم, فيكون عليه سبيل.
وقد اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك, فقال بعضهم: عني به كلّ منتصر ممن أساء إليه, مسلما كان المسيء أو كافرا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: ثنا معاذ, قال: ثنا ابن عون, قال: كنت أسأل عن الانتصار (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ). .. الآية, فحدثني علي بن زيد بن جدعان, عن أمّ محمد امرأة أبيه, قال ابن عون: زعموا أنها كانت تدخل على أمّ المؤمنين قالت: قالت أم المؤمنين: دخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وعندنا زينب بنت جحش, فجعل يصنع بيده شيئا, ولم يفطن لها, فقلت بيده حتى فطَّنته لها, فأمسك, وأقبلت زينب تقحم (3) عائشة, فنهاها, فأبت أن تنتهي, فقال لعائشة: " سُبيها " فسبتها وغلبتها وانطلقت زينب فأتت عليا, فقالت: إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم, فجاءت فاطمة, فقال لها: " إنها حبة أبيك وربّ الكعبة ", فانصرفت وقالت لعليّ: إني قلت له كذا وكذا, فقال كذا وكذا; قال: وجاء عليّ إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فكلَّمه في ذلك.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ)... الآية, قال: هذا في الخمش (4) يكون بين الناس.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) قال: هذا فيما يكون بين الناس من القصاص, فأما لو ظلمك رجل لم يحلّ لك أن تظلمه.
وقال آخرون: بل عُنِيَ به الانتصار من أهل الشرك, وقال: هذا منسوخ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) قال: لمن انتصر بعد ظلمه من المؤمنين انتصر من المشركين وهذا قد نسخ, وليس هذا في أهل الإسلام, ولكن في أهل الإسلام الذي قال الله تبارك وتعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .
والصواب من القول أن يقال: إنه معنيّ به كل منتصر من ظالمه, وأن الآية محكمة غير منسوخة للعلة التي بينت في الآية قبلها.
--------------------
الهوامش :
(3) في النهاية لابن الأثير في حديث عائشة : أقبلت زينب تقحم لها ، أي تتعرض لشتمها ، وتدخل عليها فيه ؛ كأنها أقبلت تشتمها من غير روية ولا تثبت .
(4) المقصود بالخمش : ما كان دون القتل والدية من قطع أو جدع أو جرح أو ضرب أو نهب ونحو ذلك . من أنواع الأذى التي لا قصاص فيها ( انظر النهاية لابن الأثير ) .
وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41)

{ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي: انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه { فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } أي: لا حرج عليهم في ذلك.
ودل قوله: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ } وقوله: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أنه لا بد من إصابة البغي والظلم ووقوعه.
وأما إرادة البغي على الغير، وإرادة ظلمه من غير أن يقع منه شيء، فهذا لا يجازى بمثله، وإنما يؤدب تأديبا يردعه عن قول أو فعل صدر منه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features