وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)

قوله تعالى : ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما .
قوله تعالى : ولما رأى المؤمنون الأحزاب ومن العرب من يقول : ( راء ) على القلب . قالوا هذا ما وعدنا الله يريد قوله تعالى في سورة البقرة : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية . فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق فقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله ، قاله قتادة . وقول ثان رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذكرت الأحزاب فقال : أخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها - يعني على قصور الحيرة ومدائن كسرى - فأبشروا بالنصر فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله ، موعد صادق ، إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر . فطلعت الأحزاب فقال المومنون : هذا ما وعدنا الله ورسوله . ذكره الماوردي . و ( ما وعدنا ) إن جعلت ما بمعنى الذي فالهاء محذوفة . وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد وما زادهم إلا إيمانا وتسليما قال الفراء : وما زادهم النظر إلى الأحزاب . وقال علي بن سليمان : رأى يدل على الرؤية ، وتأنيث الرؤية غير حقيقي ، والمعنى : ما زادهم الرؤية إلا إيمانا بالرب وتسليما ، قاله الحسن . ولو قال : ما زادوهم لجاز . ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق ، قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي ، وتوقع ما وعده الله من النصر وقال : من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة فلم يجبه أحد . وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد ، فنظر إلى جانبه وقال : من هذا ؟ فقال حذيفة . فقال : ألم تسمع كلامي منذ الليلة ؟ قال حذيفة : فقلت يا رسول الله ، منعني أن أجيبك الضر والقر . قال : انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم . اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي ، انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني . فانطلق حذيفة بسلاحه ، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يقول : يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي فنزل جبريل وقال : ( إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك ) ، فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وبسط يديه وأرخى عينيه وهو يقول : شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي . وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليهم ريحا ، فبشر أصحابه بذلك . قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد ، فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء ، فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها ولا بناء إلا طرحته ، وجعلوا يتترسون من الحصباء . وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء ! وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس . وتفرقت الأحزاب ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله ، فجاءته فاطمة بغسل فكانت تغسل رأسه ، فأتاه جبريل فقال : ( وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ، ما زلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء - ثم قال - انهض إلى بني قريظة ) . وقال أبو - سفيان : ما زلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء .
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)

وقوله: ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ ) يقول: ولمَّا عاين المؤمنون بالله ورسوله جماعات الكفار قالوا -تسليما منهم لأمر الله، وإيقانا منهم بأن ذلك إنجاز وعده لهم، الذي وعدهم بقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ... إلى قوله: قَرِيبٌ -(هذا ما وعدنا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) فأحسن الله عليهم بذلك من يقينهم، وتسليمهم لأمره الثناء، فقال: وما زادهم اجتماع الأحزاب عليهم إلا إيمانا بالله وتسليما لقضائه وأمره، ورزقهم به النصر والظفر على الأعداء.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَلمَّا رأى المُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ ...) الآية قال: ذلك أن الله قال لهم في سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ... إلى قوله: إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ قال: فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق، تأوّل المؤمنون ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا إيمانًا وتسليما.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، قال: ثم ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم بما وعدهم الله من البلاء يختبرهم به ( قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) : أي صبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، وتصديقا بتحقيق ما كان الله وعدهم ورسوله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) وكان الله قد وعدهم في سورة البقرة فقال: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ هذا والله البلاء والنقص الشديد، وإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأوا ما أصابهم من الشدّة والبلاء ( قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) وتصديقا بما وعدهم الله، وتسليما لقضاء الله.
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)

ثم قال تعالى مخبرا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم ، وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة ، فقال : ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) .
قال ابن عباس وقتادة : يعنون قوله تعالى في " سورة البقرة " ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة : 214 ] .
أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب; ولهذا قال : ( وصدق الله ورسوله ) .
وقوله : ( وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) : دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم ، كما قاله جمهور الأئمة : إنه يزيد وينقص . وقد قررنا ذلك في أول " شرح البخاري " ولله الحمد والمنة .
ومعنى قوله : ( وما زادهم ) أي : ذلك الحال والضيق والشدة [ ما زادهم ] ) إلا إيمانا ) بالله ، ( وتسليما ) أي : انقيادا لأوامره ، وطاعة لرسوله .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features