أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)

ثم صرح بحاله فقال : ( أم أنا خير ) قال أبو عبيدة والسدي : ( أم ) بمعنى ( بل ) وليست بحرف عطف ، على قول أكثر المفسرين . والمعنى : قال فرعون لقومه بل أنا خير من هذا الذي هو مهين أي : لا عز له فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه ( ولا يكاد يبين ) يعني ما كان في لسانه من العقدة ، على ما تقدم في ( طه ) وقال الفراء : في ( أم ) وجهان : إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله ، وإن شئت جعلتها نسقا على قوله : أليس لي ملك مصر وقيل : هي زائدة . وروى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون ( أم ) زائدة ، والمعنى أنا خير من هذا الذي هو مهين . وقال الأخفش : في الكلام حذف ، والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون ، كما قال [ ذو الرمة ] :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
وبين النقا أأنت أم أم سالم أي : أنت أحسن أم أم سالم . ثم ابتدأ فقال : ( أنا خير ) . وقال الخليل وسيبويه : المعنى أفلا تبصرون ، أم أنتم بصراء ، فعطف ب ( أم ) على ( أفلا تبصرون ) لأن معنى ( أم أنا خير ) أم أي تبصرون ، وذلك أنهم إذا قالوا له أنت خير منه كانوا عنده بصراء . وروي عن عيسى الثقفي ويعقوب الحضرمي أنهما وقفا على ( أم ) على أن يكون التقدير أفلا تبصرون أم تبصرون ، فحذف تبصرون الثاني . وقيل : من وقف على ( أم ) جعلها زائدة ، وكأنه وقف على تبصرون من قوله : ( أفلا تبصرون ) ولا يتم الكلام على تبصرون عند الخليل وسيبويه ; لأن أم تقتضي الاتصال بما قبلها . وقال قوم : الوقف على قوله : ( أفلا تبصرون ) ثم ابتدأ ( أم أنا خير ) بمعنى بل أنا ، وأنشد الفراء :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أم أنت في العين أملح
فمعناه : بل أنت أملح . وذكر الفراء أن بعض القراء قرأ ( أما أنا خير ) ، ومعنى هذا ألست خيرا . وروي عن مجاهد أنه وقف على ( أم ) ثم يبتدئ ( أنا خير ) وقد ذكر .
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)

{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } يعني -قبحه اللّه- بالمهين، موسى بن عمران، كليم الرحمن، الوجيه عند اللّه، أي: أنا العزيز، وهو الذليل المهان المحتقر، فأينا خير؟ { و } مع هذا فـ { لا يَكَادُ يُبِينُ } عما في ضميره بالكلام، لأنه ليس بفصيح اللسان، وهذا ليس من العيوب في شيء، إذا كان يبين ما في قلبه، ولو كان ثقيلا عليه الكلام.
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)

وقوله : ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ) قال السدي : يقول : بل أنا خير من هذا الذي هو مهين . وهكذا قال بعض نحاة البصرة : إن " أم " هاهنا بمعنى " بل " . ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها : " أما أنا خير من هذا الذي هو مهين " . قال ابن جرير : ولو صحت هذه القراءة لكان معناها صحيحا واضحا ، ولكنها خلاف قراءة الأمصار ، فإنهم قرءوا : ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ) ؟ على الاستفهام .
قلت : وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون - عليه اللعنة - أنه خير من موسى ، عليه السلام ، وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا ، فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
ويعني بقوله : ( مهين ) كما قال سفيان : حقير . وقال قتادة والسدي : يعني : ضعيفا . وقال ابن جرير : يعني : لا ملك له ولا سلطان ولا مال .
( ولا يكاد يبين ) يعني : لا يكاد يفصح عن كلامه ، فهو عيي حصر .
قال السدي : ( ولا يكاد يبين ) أي : لا يكاد يفهم . وقال قتادة ، والسدي ، وابن جرير : يعني عيي اللسان . وقال سفيان : يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فيه وهو صغير .
وهذا الذي قاله فرعون - لعنه الله - كذب واختلاق ، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى ، عليه السلام ، بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى ، عليه السلام ، من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي [ الأبصار و ] الألباب . وقوله : ( مهين ) كذب ، بل هو المهين الحقير خلقة وخلقا ودينا . وموسى [ عليه السلام ] هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد . وقوله : ( ولا يكاد يبين ) افتراء أيضا ، فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ، فقد سأل الله ، عز وجل ، أن يحل عقدة من لسانه ؛ ليفقهوا قوله ، وقد استجاب الله له في [ ذلك في ] قوله : ( قال قد أوتيت سؤلك ياموسى ) [ طه : 26 ] ، وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته ، كما قاله الحسن البصري ، وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام ، فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها ، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا ، وإنما أراد الترويج على رعيته ، فإنهم كانوا جهلة أغبياء ،
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features