وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)

قوله تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .
قوله تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولادته ، وأما إعادته فإحياؤه بعد الموت بالنفخة الثانية للبعث ; فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليلا على ما يخفى من إعادته ; استدلالا بالشاهد على الغائب ، ثم أكد ذلك بقوله : وهو أهون عليه وقرأ ابن مسعود وابن عمر : ( يبدئ الخلق ) من أبدأ يبدئ ; دليله قوله تعالى : إنه هو يبدئ ويعيد . ودليل قراءة العامة قوله سبحانه : كما بدأكم تعودون . و أهون بمعنى هين ; أي الإعادة هين عليه ; قاله الربيع بن خثيم والحسن . فأهون بمعنى هين ; لأنه ليس شيء أهون على الله من شيء . قال أبو عبيدة : ومن جعل أهون يعبر عن تفضيل شيء على شيء فقوله مردود بقوله تعالى : وكان ذلك على الله يسيرا وبقوله : ولا يئوده حفظهما . والعرب تحمل أفعل على فاعل ، ومنه قول الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول
أي دعائمه عزيزة طويلة . وقال آخر [ معن بن أوس ] :
لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو المنية أول
أراد : إني لوجل . وأنشد أبو عبيدة أيضا :
إني لأمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل
أراد لمائل . وأنشد أحمد بن يحيى :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أراد بواحد . وقال آخر :
لعمرك إن الزبرقان لباذل لمعروفه عند السنين وأفضل
أي وفاضل . ومنه قولهم : الله أكبر ; إنما معناه الله الكبير . وروى معمر عن قتادة قال : في قراءة عبد الله بن مسعود ( وهو عليه هين ) . وقال مجاهد وعكرمة والضحاك : إن المعنى أن الإعادة أهون عليه - أي على الله - من البداية ; أي أيسر ، وإن كان جميعه على الله تعالى هينا ; وقاله ابن عباس . ووجهه أن هذا مثل ضربه الله تعالى لعباده ; يقول : إعادة الشيء على الخلائق أهون من ابتدائه ; فينبغي أن يكون البعث لمن قدر على البداية عندكم وفيما بينكم أهون عليه من الإنشاء . وقيل : الضمير في عليه للمخلوقين ; أي وهو أهون عليه ، أي على الخلق ، يصاح بهم صيحة واحدة فيقومون ويقال لهم : كونوا فيكونون ; فذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفا ، ثم علقا ، ثم مضغا ، ثم أجنة ، ثم أطفالا ، ثم غلمانا ، ثم شبانا ، ثم رجالا أو نساء . وقاله ابن عباس وقطرب . وقيل أهون أسهل ; قال :
وهان على أسماء أن شطت النوى يحن إليها واله ويتوق
أي سهل عليها ، وقال الربيع بن خثيم في قوله تعالى : وهو أهون عليه قال : ما شيء على الله بعزيز . عكرمة : تعجب الكفار من إحياء الله الموتى فنزلت هذه الآية . وله المثل الأعلى أي ما أراده جل وعز كان . وقال الخليل : المثل الصفة ; أي وله الوصف الأعلى في السماوات والأرض كما قال : مثل الجنة التي وعد المتقون أي صفتها . وقد مضى الكلام في ذلك . وعن مجاهد : المثل الأعلى قول لا إله إلا الله ; ومعناه : أي الذي له الوصف الأعلى ، أي الأرفع الذي هو الوصف بالوحدانية . وكذا قال قتادة : إن المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله ; ويعضده قوله تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم على ما نبينه آنفا إن شاء الله تعالى . وقال الزجاج : وله المثل الأعلى في السماوات والأرض أي قوله : وهو أهون عليه قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل ; يريد التفسير الأول . وقال ابن عباس : أي ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم تقدم .
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)

{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ } أي: الإعادة للخلق بعد موتهم { أَهْوَنُ عَلَيْهِ } من ابتداء خلقهم وهذا بالنسبة إلى الأذهان والعقول، فإذا كان قادرا على الابتداء الذي تقرون به كانت قدرته على الإعادة التي أهون أولى وأولى.
ولما ذكر من الآيات العظيمة ما به يعتبر المعتبرون ويتذكر المؤمنون ويتبصر المهتدون ذكر الأمر العظيم والمطلب الكبير فقال: { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وهو كل صفة كمال، والكمال من تلك الصفة والمحبة والإنابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين والذكر الجليل والعبادة منهم. فالمثل الأعلى هو وصفه الأعلى وما ترتب عليه.
ولهذا كان أهل العلم يستعملون في حق الباري قياس الأولى، فيقولون: كل صفة كمال في المخلوقات فخالقها أحق بالاتصاف بها على وجه لا يشاركه فيها أحد، وكل نقص في المخلوق ينزه عنه فتنزيه الخالق عنه من باب أولى وأحرى.
{ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم } أي: له العزة الكاملة والحكمة الواسعة، فعزته أوجد بها المخلوقات وأظهر المأمورات، وحكمته أتقن بها ما صنعه وأحسن فيها ما شرعه.
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)

( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ) يخلقهم أولا ثم يعيدهم بعد الموت للبعث ( وهو أهون عليه ) قال الربيع بن خيثم ، والحسن ، وقتادة ، والكلبي : أي : هو هين عليه وما شيء عليه بعزيز ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس . وقد يجيء أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق ؟
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول
أي : عزيزة طويلة .
وقال مجاهد وعكرمة : " وهو أهون عليه " : أي : أيسر ، ووجهه أنه على طريق ضرب المثل ، أي : هو أهون عليه على ما يقع في عقولكم ، فإن الذي يقع في عقول الناس أن الإعادة تكون أهون من الإنشاء ، أي : الابتداء . وقيل : هو أهون عليه عندكم وقيل : هو أهون عليه ، أي : على الخلق ، يقومون بصيحة واحدة ، فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفا ، ثم علقا ثم مضغا إلى أن يصيروا رجالا ونساء ، وهذا معنى رواية ابن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . ( وله المثل الأعلى ) أي : الصفة العليا ( في السماوات والأرض ) قال ابن عباس : هي أنه ليس كمثله شيء . وقال قتادة : هي أنه لا إله إلا هو ) ( وهو العزيز ) في ملكه ) ( الحكيم ) في خلقه .
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)

وقوله : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) قال [ علي ] بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني : أيسر عليه .
وقال مجاهد : الإعادة أهون عليه من البداءة ، والبداءة عليه هين . وكذا قال عكرمة وغيره .
وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، أخبرنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد " .
انفرد بإخراجه البخاري كما انفرد بروايته - أيضا - من حديث عبد الرزاق عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، به . وقد رواه الإمام أحمد منفردا به عن حسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس سليم بن جبير ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، أو مثله .
وقال آخرون : كلاهما بالنسبة إلى القدرة على السواء .
قال العوفي ، عن ابن عباس : كل عليه هين . وكذا قال الربيع بن خثيم . ومال إليه ابن جرير ، وذكر عليه شواهد كثيرة ، قال : ويحتمل أن يعود الضمير في قوله : ( وهو أهون عليه ) إلى الخلق ، أي : وهو أهون على الخلق .
وقوله : ( وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس كقوله : ( ليس كمثله شيء ) [ الشورى : 11 ] .
وقال قتادة : مثله أنه لا إله إلا هو ، ولا رب غيره ، وقال مثل هذا ابن جرير .
وقد أنشد بعض المفسرين عند ذكر هذه الآية لبعض أهل المعارف :
إذا سكن الغدير على صفاء وجنب أن يحركه النسيم ترى فيه السماء بلا امتراء
كذاك الشمس تبدو والنجوم كذاك قلوب أرباب التجلي
يرى في صفوها الله العظيم
( وهو العزيز ) الذي لا يغالب ولا يمانع ، بل قد غلب كل شيء ، وقهر كل شيء بقدرته وسلطانه ، ( الحكيم ) في أفعاله وأقواله ، شرعا وقدرا .
وعن مالك في تفسيره المروي عنه ، عن محمد بن المنكدر ، في قوله تعالى : ( وله المثل الأعلى ) ، قال : لا إله إلا الله .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features