وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)

قوله تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف ( من ) في موضع رفع بالابتداء ، والتمام انقلب على وجهه على قراءة الجمهور ( خسر ) . وهذه الآية خبر عن المنافقين . قال ابن عباس : يريد شيبة بن ربيعة كان قد أسلم قبل أن يظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلما أوحي إليه ارتد شيبة بن ربيعة . وقال أبو سعيد الخدري : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره ، وماله ، فتشاءم بالإسلام ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أقلني ! فقال : إن الإسلام لا يقال ، فقال : إني لم أصب في ديني هذا خيرا ! ذهب بصري ، ومالي ، وولدي ! فقال : يا يهودي ، إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد ، والفضة ، والذهب ؛ فأنزل الله تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف . وروى إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال هذا دين صالح ؛ فإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء ) . وقال المفسرون : نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسلمون ؛ فإن نالوا رخاء أقاموا ، وإن نالتهم شدة ارتدوا . وقيل : نزلت في النضر بن الحارث . وقال ابن زيد وغيره : نزلت في المنافقين . ومعنى على حرف على شك ، قاله مجاهد ، وغيره . وحقيقته أنه على ضعف في عبادته كضعف القائم على حرف مضطرب فيه . وحرف كل شيء طرفه ، وشفيره ، وحده ؛ ومنه حرف الجبل ، وهو أعلاه المحدد . وقيل : على حرف أي على وجه واحد ، وهو أن يعبده على السراء دون الضراء ؛ ولو عبدوا الله على الشكر في السراء والصبر على الضراء لما عبدوا الله على حرف . وقيل : على حرف على شرط ؛ وذلك أن شيبة بن ربيعة قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يظهر أمره : ادع لي ربك أن يرزقني مالا ، وإبلا ، وخيلا ، وولدا حتى أومن بك وأعدل إلى دينك ؛ فدعا له فرزقه الله - عز وجل - ما تمنى ؛ ثم أراد الله - عز وجل - فتنته واختباره وهو أعلم به ، فأخذ منه ما كان رزقه بعد أن أسلم فارتد عن الإسلام ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه : ومن الناس من يعبد الله على حرف يريد شرط . وقال الحسن : هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه . وبالجملة فهذا الذي يعبد الله على حرف ليس داخلا بكليته ؛ فإن أصابه خير صحة جسم ورخاء معيشة رضي وأقام على دينه . وإن أصابته فتنة أي خلاف ذلك مما يختبر به انقلب على وجهه أي ارتد فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر . خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين قرأ مجاهد ، وحميد بن قيس ، والأعرج ، والزهري ، وابن أبي إسحاق - وروي عن يعقوب - ( خاسر الدنيا ) بألف نصبا على الحال ، وعليه فلا يوقف على ( وجهه ) . وخسرانه الدنيا بأن لا حظ في غنيمة ، ولا ثناء ، والآخرة بأن لا ثواب له فيها .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)

قال مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما : ( على حرف ) : على شك .
وقال غيرهم : على طرف . ومنه حرف الجبل ، أي : طرفه ، أي : دخل في الدين على طرف ، فإن وجد ما يحبه استقر ، وإلا انشمر .
وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن الحارث ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) قال : كان الرجل يقدم المدينة ، فإن ولدت امرأته غلاما ، ونتجت خيله ، قال : هذا دين صالح . وإن لم تلد امرأته ، ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أشعث بن إسحاق القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ، فإذا رجعوا إلى بلادهم ، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن ، قالوا : " إن ديننا هذا لصالح ، فتمسكوا به " . وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط ، قالوا : " ما في ديننا هذا خير " . فأنزل الله على نبيه : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ) .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : كان أحدهم إذا قدم المدينة ، وهي أرض وبيئة ، فإن صح بها جسمه ، ونتجت فرسه مهرا حسنا ، وولدت امرأته غلاما رضي به واطمأن إليه ، وقال : " ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرا " . وإن أصابته فتنة - والفتنة : البلاء - أي : وإن أصابه وجع المدينة ، وولدت امرأته جارية ، وتأخرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرا . وذلك الفتنة .
وهكذا ذكر قتادة ، والضحاك ، وابن جريج ، وغير واحد من السلف ، في تفسير هذه الآية .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هو المنافق ، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة ، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت ، انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه ، فإن أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ، ترك دينه ورجع إلى الكفر .
وقال مجاهد في قوله : ( انقلب على وجهه ) أي : ارتد كافرا .
وقوله : ( خسر الدنيا والآخرة ) أي : فلا هو حصل من الدنيا على شيء ، وأما الآخرة فقد كفر بالله العظيم ، فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة; ولهذا قال : ( ذلك هو الخسران المبين ) أي : هذه هي الخسارة العظيمة ، والصفقة الخاسرة .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features