أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)

قوله تعالى : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا " أولئك " خبر : وعباد الرحمن في قول الزجاج على ما تقدم ، وهو أحسن ما قيل فيه . وما تخلل بين المبتدأ وخبره أوصافهم من التحلي والتخلي ; وهي إحدى عشرة : التواضع ، والحلم ، والتهجد ، والخوف ، وترك الإسراف والإقتار ، والنزاهة عن الشرك والزنى والقتل ، والتوبة وتجنب الكذب ، والعفو عن المسيء ، وقبول المواعظ ، والابتهال إلى الله . و ( الغرفة ) الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا . حكاه ابن شجرة . وقال الضحاك : الغرفة الجنة بما صبروا أي بصبرهم على أمر ربهم وطاعة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام . وقال محمد بن علي بن الحسين : بما صبروا على الفقر والفاقة في الدنيا . وقال الضحاك : بما صبروا عن الشهوات .
ويلقون فيها تحية وسلاما قرأ أبو بكر والمفضل والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف : ( ويلقون ) مخففة ، واختاره الفراء ; قال لأن العرب تقول : فلان يتلقى بالسلام وبالتحية وبالخير " بالتاء " ، وقلما يقولون فلان يلقى السلامة . وقرأ الباقون : " ويلقون " واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ; لقوله تعالى : ولقاهم نضرة وسرورا . قال أبو جعفر النحاس : وما ذهب إليه الفراء واختاره غلط ; لأنه يزعم أنها لو كانت " يلقون " كانت في العربية بتحية وسلام ، وقال كما يقال : فلان يتلقى بالسلام وبالخير ; فمن عجيب ما في هذا الباب أنه قال " يتلقى " والآية " يلقون " والفرق بينهما بين لأنه يقال فلان يتلقى بالخير ولا يجوز حذف الباء ، فكيف يشبه هذا ذاك ! وأعجب من هذا أن في القرآن ولقاهم نضرة وسرورا ولا يجوز أن يقرأ بغيره . وهذا يبين أن الأولى على خلاف ما قال . والتحية من الله والسلام من الملائكة . وقيل : التحية البقاء الدائم والملك العظيم ; والأظهر أنهما بمعنى واحد ، وأنهما من قبل الله تعالى ; دليله قوله تعالى : تحيتهم يوم يلقونه سلام وسيأتي .
أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)

لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من [ هذه ] الصفات الجميلة ، والأفعال والأقوال الجليلة - قال بعد ذلك كله : ( أولئك ) أي : المتصفون بهذه ) يجزون ) أي : يوم القيامة ( الغرفة ) وهي الجنة .
قال أبو جعفر الباقر ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، والسدي : سميت بذلك لارتفاعها .
( بما صبروا ) أي : على القيام بذلك ( ويلقون فيها ) أي : في الجنة ( تحية وسلاما ) أي : يبتدرون فيها بالتحية والإكرام ، ويلقون [ فيها ] التوقير والاحترام ، فلهم السلام وعليهم السلام ، فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم ، فنعم عقبى الدار .
أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)

( أولئك يجزون ) أي : يثابون ، ) ( الغرفة ) أي : الدرجة الرفيعة في الجنة ، و " الغرفة " : كل بناء مرتفع عال . وقال عطاء : يريد غرف الدر والزبرجد والياقوت في الجنة ، ) ( بما صبروا ) على أمر الله تعالى وطاعته . وقيل : على أذى المشركين . وقيل : عن الشهوات ) ( ويلقون فيها ) قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : بفتح الياء وتخفيف القاف ، كما قال : " فسوف يلقون غيا " ( مريم - 59 ) ، وقرأ الآخرون بضم الياء وتشديد القاف كما قال : " ولقاهم نضرة وسرورا " ( الإنسان - 11 ) ، وقوله : ( تحية ) أي ملكا ، وقيل : بقاء دائما ) ( وسلاما ) أي : يسلم بعضهم على بعض . وقال الكلبي : يحيي بعضهم بعضا بالسلام ، ويرسل الرب إليهم بالسلام . وقيل : " سلاما " أي : سلامة من الآفات .
أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)

يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم من عبادي, وذلك من ابتداء قوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا ... إلى قوله: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا ... الآية ( يُجْزَوْنَ ) يقول: يُثابون على أفعالهم هذه التي فعلوها في الدنيا( الْغُرْفَةَ ) وهي منـزلة من منازل الجنة رفيعة ( بِمَا صَبَرُوا ) يقول: بصبرهم على هذه الأفعال, ومقاساة شدتها. وقوله: ( وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا ) اختلفت القرّاء في قراءته, فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة ( وَيُلَقَّوْنَ ) مضمومة الياء, مشدّدة القاف, بمعنى: وتتلقاهم الملائكة فيها بالتحية. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: " وَيَلْقَوْنَ" بفتح الياء, وتخفيف القاف.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأة الأمصار بمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب, غير أن أعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها " وَيَلْقَوْنَ فِيهَا " بفتح الياء, وتخفيف القاف. لأن العرب إذا قالت ذلك بالتشديد, قالت: فلان يُتَلَّقَّى بالسلام وبالخير ونحن نتلقاهم بالسلام, قرنته بالياء وقلما تقول: فلان يُلقَّى السلام, فكان وجه الكلام لو كان بالتشديد, أن يقال: ويُتَلَقَّوْنَ فيها بالتحية والسلام.
وإنما اخترنا القراءة بذلك, كما تجيز أخذت بالخطام, وأخذت الخطام.
وقد بيَّنا معنى التحية والسلام فيما مضى قبل, فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features