وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)

قوله تعالى : ولمن صبر وغفر أي صبر على الأذى وغفر أي : ترك الانتصار لوجه الله تعالى ، وهذا فيمن ظلمه مسلم . ويحكى أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن رحمه الله فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق ، ثم قام فتلا هذه الآية ، فقال الحسن : عقلها والله! وفهمها إذ ضيعها الجاهلون . وبالجملة العفو مندوب إليه ، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه كما تقدم ، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل عليه ، وهو أن زينب أسمعت عائشة - رضي الله عنهما بحضرته فكان ينهاها فلا تنتهي ، فقال لعائشة : دونك فانتصري خرجه مسلم في صحيحه بمعناه . وقيل : صبر عن المعاصي وستر على المساوئ . إن ذلك لمن عزم الأمور أي من عزائم الله التي أمر بها . وقيل : من عزائم الصواب التي وفق لها . وذكر الكلبي والفراء أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مع ثلاث آيات قبلها ، وقد شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم أمسك . وهي المدنيات من هذه السورة . وقيل : هذه الآيات في المشركين ، وكان هذا في ابتداء الإسلام قبل الأمر بالقتال ثم نسختها آية القتال ، وهو قول ابن زيد ، وقد تقدم . وفي تفسير ابن عباس ولمن انتصر بعد ظلمه يريد حمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة وعليا وجميع المهاجرين رضوان الله عليهم . فأولئك ما عليهم من سبيل يريد حمزة بن عبد المطلب وعبيدة وعليا رضوان الله عليهم أجمعين . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبا جهل والأسود ، وكل من قاتل من المشركين يوم بدر . ويبغون في الأرض يريد بالظلم والكفر . أولئك لهم عذاب أليم يريد : وجيع . ولمن صبر وغفر يريد : أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ومصعب بن عمير وجميع أهل بدر رضوان الله عليهم أجمعين . إن ذلك لمن عزم الأمور حيث قبلوا الفداء وصبروا على الأذى .
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)

( ولمن صبر وغفر ) فلم ينتصر ، ( إن ذلك ) الصبر والتجاوز ، ( لمن عزم الأمور ) حقها وجزمها . قال مقاتل : من الأمور التي أمر الله بها . قال الزجاج : الصابر يؤتى بصبره الثواب ، فالرغبة في الثواب أتم عزما .
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)

ثم إنه تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص ، قال نادبا إلى العفو والصفح : ( ولمن صبر وغفر ) أي : صبر على الأذى وستر السيئة ، ( إن ذلك لمن عزم الأمور )
قال سعيد بن جبير : [ يعني ] لمن حق الأمور التي أمر الله بها ، أي : لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي ، حدثنا عبد الصمد بن يزيد - خادم الفضيل بن عياض - قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل : " يا أخي ، اعف عنه " . فإن العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو ، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل . فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو ، فإنه باب واسع ، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل ، وصاحب الانتصار يقلب الأمور .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى - يعني ابن سعيد القطان - عن ابن عجلان ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه أن رجلا شتم أبا بكر والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجب ويتبسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام ، فلحقه أبو بكر فقال : يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت ! قال : " إنه كان معك ملك يرد عنك ، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان ، فلم أكن لأقعد مع الشيطان " . ثم قال : " يا أبا بكر ، ثلاث كلهن حق ، ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله ، إلا أعز الله بها نصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة ، إلا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة ، إلا زاده الله بها قلة "
وكذا رواه أبو داود ، عن عبد الأعلى بن حماد ، عن سفيان بن عيينة - قال : ورواه صفوان بن عيسى ، كلاهما عن محمد بن عجلان ورواه من طريق الليث ، عن سعيد المقبري ، عن بشير بن المحرر ، عن سعيد بن المسيب مرسلا .
وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى ، وهو سبب سبه للصديق .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features