بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)

ثم قال منكرا على الكفار والمشركين من قريش : ( بل قلوبهم في غمرة ) أي : غفلة وضلالة ) من هذا ) أي : القرآن الذي أنزله [ الله تعالى ] على رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ( ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ) : قال الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( ولهم أعمال ) أي : سيئة من دون ذلك ، يعني : الشرك ، ( هم لها عاملون ) قال : لا بد أن يعملوها . كذا روي عن مجاهد ، والحسن ، وغير واحد .
وقال آخرون : ( ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ) أي : قد كتب عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة ، لتحق عليهم كلمة العذاب . وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وهو ظاهر قوي حسن . وقد قدمنا في حديث ابن مسعود : " فوالذي لا إله غيره ، إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها " .
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)

يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يحسب هؤلاء المشركون، من أن إمدادناهم بما نمدّهم به من مال وبنين، بخير نسوقه بذلك إليهم والرضا منا عنهم، ولكن قلوبهم في غمرة عمى عن هذا القرآن. وعنى بالغمرة: ما غمر قلوبهم فغطاها عن فهم ما أودع الله كتابه من المواعظ والعبر والحجج. وعنى بقوله: ( مِنْ هَذَا ) من القرآن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا ) قال: في عمى من هذا القرآن.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: ( فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا ) قال: من القرآن.
وقوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء الكفار أعمال لا يرضاها الله من المعاصي.( مِنْ دُونِ ذَلِكَ ) يقول: من دون أعمال أهل الإيمان بالله ، وأهل التقوى والخشية له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: الخطايا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ) قال: الحق.
حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ) قال: خطايا من دون ذلك الحقّ.
قال ثنا حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ). .. الآية، قال: أعمال دُون الحق.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة، قال: ذكر الله الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، ثم قال للكفار: ( بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: من دون الأعمال التي منها قوله: مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ والذين، والذين.
حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد، قال: أعمال لا بد لهم من أن يعملوها.
حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن حماد بن سلمة، عن حميد، قال: سألت الحسن عن قول الله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: أعمال لم يعملوها سيعملونها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: لم يكن له بد من أن يستوفي بقية عمله، ويصلى به.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد، في قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: أعمال لا بدّ لهم من أن يعملوها.
حدثنا عمرو، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ) قال: أعمال لا بدّ لهم من أن يعملوها.
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)

يخبر تعالى أن قلوب المكذبين في غمرة من هذا، أي: وسط غمرة من الجهل والظلم، والغفلة والإعراض، تمنعهم من الوصول إلى هذا القرآن، فلا يهتدون به، ولا يصل إلى قلوبهم منه شيء. { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا* وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } فلما كانت قلوبهم في غمرة منه، عملوا بحسب هذا الحال، من الأعمال الكفرية، والمعاندة للشرع، ما هو موجب لعقابهم، { و } لكن { لَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ } هذه الأعمال { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } أي: فلا يستغربوا عدم وقوع العذاب فيهم، فإن الله يمهلهم ليعملوا هذه الأعمال، التي بقيت عليهم مما كتب عليهم، فإذا عملوها واستوفوها، انتقلوا بشر حالة إلى غضب الله وعقابه.
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)

( بل قلوبهم في غمرة ) أي : في غفلة وجهالة ، ( من هذا ) أي : من القرآن ، ( ولهم أعمال من دون ذلك ) أي : للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم من دون ذلك ، يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله تعالى في قوله " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " ، ( هم لها عاملون ) لا بد لهم من أن يعملوها ، فيدخلوا بها النار ، لما سبق لهم من الشقاوة . هذا قول أكثر المفسرين . وقال قتادة : هذا ينصرف إلى المسلمين ، وأن لهم أعمالا سوى ما عملوا من الخيرات هم لها عاملون ، والأول أظهر .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features