أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)

يقول تعالى منبها على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد ، وهو الماء الذي ينزله من السماء ، يخرج به ثمرات مختلفا ألوانها ، من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض ، إلى غير ذلك من ألوان الثمار ، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) [ الرعد : 4 ] .
وقوله تبارك وتعالى : ( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ) أي : وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان ، كما هو المشاهد أيضا من بيض وحمر ، وفي بعضها طرائق - وهي : الجدد ، جمع جدة - مختلفة الألوان أيضا .
قال ابن عباس ، رضي الله عنهما : الجدد : الطرائق . وكذا قال أبو مالك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي .
ومنها ( وغرابيب سود ) ، قال عكرمة : الغرابيب : الجبال الطوال السود . وكذا قال أبو مالك ، وعطاء الخراساني وقتادة .
وقال ابن جرير : والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد ، قالوا : أسود غربيب .
ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية : هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالى : ( وغرابيب سود ) أي : سود غرابيب . وفيما قاله نظر .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)

قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء هذه الرؤية رؤية القلب والعلم ; أي ألم ينته علمك ورأيت بقلبك أن الله أنزل ; ف ( أن ) واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي الرؤية . فأخرجنا به ثمرات هو من باب تلوين الخطاب . مختلفا ألوانها نصبت مختلفا نعتا ل ( ثمرات ) . ( ألوانها ) رفع ب ( مختلفا ) ، وصلح أن يكون نعتا ل ( ثمرات ) لما عاد عليه من ذكره . ويجوز في غير القرآن رفعه ; ومثله رأيت رجلا خارجا أبوه . ( به ) أي بالماء وهو واحد ، والثمرات مختلفة . ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها الجدد جمع جدة ، وهي الطرائق المختلفة الألوان ، وإن كان الجميع حجرا أو ترابا . قال الأخفش : ولو كان جمع جديد لقال : جدد ( بضم الجيم والدال ) نحو سرير وسرر . وقال زهير :
كأنه أسفع الخدين ذو جدد طاو ويرتع بعد الصيف عريانا
وقيل : إن الجدد القطع ، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته ; حكاه ابن بحر قال الجوهري : والجدة الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه . والجدة الطريقة ، والجمع جدد ; قال تعالى : ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها أي طرائق تخالف لون الجبل . ومنه قولهم : ركب فلان جدة من الأمر ; إذا رأى فيه رأيا . وكساء مجدد : فيه خطوط مختلفة . الزمخشري : وقرأ الزهري جدد بالضم جمع جديدة ، هي الجدة ; يقال : جديدة وجدد وجدائد كسفينة وسفن وسفائن . وقد فسر بها قول أبي ذؤيب :
جون السراة له جدائد أربع
وروي عنه ( جدد ) بفتحتين ، وهو الطريق الواضح المسفر ، وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض . ومن الناس والدواب والأنعام وقرئ : ( والدواب ) مخففا . ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ : ( ولا الضالين ) لأن كل واحد منهما فر من التقاء الساكنين ، فحرك ذلك أولهما ، وحذف هذا آخرهما ; قاله الزمخشري . مختلف ألوانه فذكر الضمير مراعاة ل ( من ) ; قاله المؤرج . وقال أبو بكر بن عياش : إنما ذكر الكناية لأجل أنها مردودة إلى ( ما ) مضمرة ; مجازه : ومن الناس ومن الدواب ومن الأنعام ما هو مختلف ألوانه ، أي أبيض وأحمر وأسود . وغرابيب سود قال أبو عبيدة : الغربيب الشديد السواد ; ففي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : ومن الجبال سود غرابيب . والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب : أسود غربيب . قال الجوهري : وتقول هذا أسود غربيب ; أي شديد السواد . وإذا قلت : غرابيب سود ، تجعل السود بدلا من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله يبغض الشيخ الغربيب يعني الذي يخضب بالسواد . قال امرؤ القيس :
العين طامحة واليد سابحة والرجل لافحة والوجه غربيب
وقال آخر يصف كرما :
ومن تعاجيب خلق الله غاطية يعصر منها ملاحي وغربيب
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)

يذكر تعالى خلقه للأشياء المتضادات، التي أصلها واحد، ومادتها واحدة، وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف، ليدل العباد على كمال قدرته وبديع حكمته.
فمن ذلك: أن اللّه تعالى أنزل من السماء ماء، فأخرج به من الثمرات المختلفات، والنباتات المتنوعات، ما هو مشاهد للناظرين، والماء واحد، والأرض واحدة.
ومن ذلك: الجبال التي جعلها اللّه أوتادا للأرض، تجدها جبالا مشتبكة، بل جبلا واحدا، وفيها ألوان متعددة، فيها جدد بيض، أي: طرائق بيض، وفيها طرائق صفر وحمر، وفيها غرابيب سود، أي: شديدة السواد جدا.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)

( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد ) طرق وخطط ، واحدتها جدة ، مثل : مدة ومدد ( بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) يعني : سود غرابيب على التقديم والتأخير ، يقال : أسود غربيب ، أي : شديد السواد تشبيها بلون الغراب ، أي : طرائق سود .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features