فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)

( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) أي : على تكذيب قومهم لهم . وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال ، وأشهرها أنهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وخاتم الأنبياء كلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - قد نص الله على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي " الأحزاب " و " الشورى " ، وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل ، وتكون ) من ) في قوله : ( من الرسل ) لبيان الجنس ، والله أعلم . وقد قال ابن أبي حاتم :
حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ، حدثنا السري بن حيان ، حدثنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت لي عائشة [ رضي الله عنها ] : ظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ، [ ثم ] قال : " يا عائشة ، إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد . يا عائشة ، إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم ، فقال : ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) وإني - والله - لأصبرن كما صبروا جهدي ، ولا قوة إلا بالله "
( ولا تستعجل لهم ) أي : لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم ، كقوله : ( وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ) [ المزمل : 11 ] ، وكقوله ( فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) [ الطارق : 17 ] .
( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) ، كقوله ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) [ النازعات : 46 ] ، وكقوله ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) [ يونس : 45 ] ، [ وحاصل ذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة وشدائدها وطولها ] .
وقوله : ( بلاغ ) قال ابن جرير : يحتمل معنيين ، أحدهما : أن يكون تقديره : وذلك لبث بلاغ . والآخر : أن يكون تقديره : هذا القرآن بلاغ .
وقوله : ( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) أي : لا يهلك على الله إلا هالك ، وهذا من عدله تعالى أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب .
آخر تفسير سورة الأحقاف .
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)

قوله تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون .
قوله تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وقال ابن عباس : ذوو الحزم والصبر ، قال مجاهد : هم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم الصلاة والسلام . وهم أصحاب الشرائع . وقال أبو العالية : إن أولي العزم : نوح ، وهود ، وإبراهيم . فأمر الله - عز وجل - نبيه عليه الصلاة والسلام أن يكون رابعهم . وقال السدي : هم ستة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وسليمان ، وعيسى ، ومحمد ، صلوات الله عليهم أجمعين . وقيل : نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وموسى ، وهم المذكورون على النسق في سورتي ( الأعراف والشعراء ) وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه مدة . وإبراهيم صبر على النار . وإسحاق صبر على الذبح . ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر . ويوسف صبر على البئر والسجن . وأيوب صبر على الضر . وقال ابن جريج : إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب ، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم . وقال الشعبي والكلبي ومجاهد أيضا : هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة . وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة ( الأنعام ) وهم ثمانية عشر : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكرياء ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط . واختاره الحسن بن الفضل لقوله في عقبه : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وقال ابن عباس أيضا : كل الرسل كانوا أولي عزم . واختاره علي بن مهدي الطبري ، قال : وإنما دخلت من للتجنيس لا للتبعيض ، كما تقول : اشتريت أردية من البز وأكسية من الخز . أي : اصبر كما صبر الرسل . وقيل : كل الأنبياء أولو عزم إلا يونس بن متى ، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يكون مثله ، لخفة وعجلة ظهرت منه حين ولى مغاضبا لقومه ، فابتلاه الله بثلاث : سلط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله ، وسلط الذئب على ولده فأكله ، وسلط عليه الحوت فابتلعه ، قال أبو القاسم الحكيم . وقال بعض العلماء : أولو العزم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله إلى الأنبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل ، فشق ذلك على المرسلين فأوحى الله إليهم اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل ، وإن شئتم نجيتكم وأنزلت العذاب ببني إسرائيل ، فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي الله بني إسرائيل ، فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب . وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات ، ومنهم من حرق بالنار . والله أعلم .
وقال الحسن : أولو العزم أربعة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وعيسى ، فأما إبراهيم فقيل له : أسلم قال أسلمت لرب العالمين ثم ابتلي في ماله وولده ووطنه ونفسه ، فوجد صادقا وافيا في جميع ما ابتلي به . وأما موسى فعزمه حين قال له قومه : إنا لمدركون . قال كلا إن معي ربي سيهدين وأما داود فأخطأ خطيئته فنبه عليها ، فأقام يبكي أربعين سنة حتى نبتت من دموعه شجرة ، فقعد تحت ظلها . وأما عيسى فعزمه أنه لم يضع لبنة على لبنة وقال : ( إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها ) فكأن الله تعالى يقول لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : اصبر ، أي : كن صادقا فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم ، واثقا بنصرة مولاك مثل ثقة موسى ، مهتما بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود ، زاهدا في الدنيا مثل زهد عيسى . ثم قيل هي : منسوخة بآية السيف . وقيل : محكمة ، والأظهر أنها منسوخة ; لأن السورة مكية . وذكر مقاتل : أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ، فأمره الله - عز وجل - أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم من الرسل ، تسهيلا عليه وتثبيتا له . والله أعلم .
ولا تستعجل لهم قال مقاتل : بالدعاء عليهم . وقيل : في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة . ومفعول الاستعجال محذوف ، وهو العذاب . كأنهم يوم يرون ما يوعدون قال يحيى : من العذاب . النقاش : من الآخرة . لم يلبثوا أي في الدنيا حتى جاءهم العذاب ، وهو مقتضى قول يحيى . وقال النقاش : في قبورهم حتى بعثوا للحساب . إلا ساعة من نهار يعني في جنب يوم القيامة . وقيل : نساهم هول ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا . بلاغ أي هذا القرآن بلاغ ، قاله الحسن . فبلاغ رفع على إضمار مبتدإ ، دليله قوله تعالى : هذا بلاغ للناس ولينذروا به وقوله : إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين . والبلاغ بمعنى التبليغ . وقيل : أي : إن ذلك اللبث بلاغ ، قاله ابن عيسى ، فيوقف على هذا على بلاغ وعلى نهار وذكر أبو حاتم أن بعضهم وقف على ولا تستعجل ثم ابتدأ لهم على معنى لهم بلاغ . قال ابن الأنباري : وهذا خطأ ، لأنك قد فصلت بين البلاغ وبين اللام ، - وهي رافعة - بشيء ليس منهما . ويجوز في العربية : بلاغا وبلاغ ، النصب على معنى إلا ساعة بلاغا ، على المصدر أو على النعت للساعة . والخفض على معنى من نهار بلاغ . وبالنصب قرأ عيسى بن عمر والحسن . وروي عن بعض القراء ( بلغ ) على الأمر ، فعلى هذه القراءة يكون الوقف على من نهار ثم يبتدئ ( بلغ )
فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أي الخارجون عن أمر الله ، قاله ابن عباس وغيره . وقرأ ابن محيصن ( فهل يهلك إلا القوم ) على إسناد الفعل إلى القوم . وقال ابن عباس : إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها ، وهي : بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم ، سبحان الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها . كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون صدق الله العظيم . وعن قتادة : لا يهلك الله إلا هالكا مشركا . وقيل : هذه أقوى آية في الرجاء . والله أعلم .
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)

( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) قال ابن عباس : ذوو الحزم . وقال الضحاك : ذوو الجد والصبر .
واختلفوا فيهم ، فقال ابن زيد : كل الرسل كانوا أولي عزم ، لم يبعث الله نبيا إلا كان ذا عزم وحزم ، ورأي وكمال عقل ، وإنما أدخلت " من " للتجنيس لا للتبعيض ، كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز .
وقال بعضهم : الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى ، لعجلة كانت منه ، ألا ترى أنه قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " ولا تكن كصاحب الحوت " ؟ .
وقال قوم : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ، وهم ثمانية عشر ، لقوله تعالى بعد ذكرهم : " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " ( الأنعام - 90 ) .
وقال الكلبي : هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين .
وقيل : هم ستة : نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، وموسى ، عليهم السلام ، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء .
وقال مقاتل : هم ستة : نوح ، صبر على أذى قومه ، وإبراهيم ، صبر على النار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب ، صبر على فقد ولده وذهاب بصره ، ويوسف ، صبر على البئر والسجن ، وأيوب ، صبر على الضر .
وقال ابن عباس وقتادة : هم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، أصحاب الشرائع ، فهم مع محمد - صلى الله عليه وسلم - خمسة .
قلت : ذكرهم الله على التخصيص في قوله : " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " ( الأحزاب - 7 ) ، وفي قوله تعالى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " ( الشورى - 13 ) .
أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي ، حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، أخبرنا محمد بن الحجاج ، أخبرنا السري بن حيان ، أخبرنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد ، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها ، والصبر على مجهودها ، ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم ، وقال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وإني والله لا بد لي من طاعته ، والله لأصبرن كما صبروا ، وأجهدن كما جهدوا ، ولا قوة إلا بالله " .
قوله تعالى : ( ولا تستعجل لهم ) أي ولا تستعجل العذاب لهم ، فإنه نازل بهم لا محالة ، كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم ، فأمر بالصبر وترك الاستعجال .
ثم أخبر عن قرب العذاب فقال :
( كأنهم يوم يرون ما يوعدون ) من العذاب في الآخرة ( لم يلبثوا ) [ في الدنيا ] ( إلا ساعة من نهار ) أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار ، لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن .
ثم قال : ( بلاغ ) أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم ، والبلاغ بمعنى التبليغ ( فهل يهلك ) بالعذاب إذا نزل ( إلا القوم الفاسقون ) الخارجون من أمر الله .
قال الزجاج : تأويله : لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون ، ولهذا قال قوم : ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features