وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)

يقول تعالى : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) أي : دعا عباد الله إليه ، ( وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) أي : وهو في نفسه مهتد بما يقوله ، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه ، وينهون عن المنكر ويأتونه ، بل يأتمر بالخير ويترك الشر ، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى . وهذه عامة في كل من دعا إلى خير ، وهو في نفسه مهتد ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بذلك ، كما قال محمد بن سيرين ، والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وقيل : المراد بها المؤذنون الصلحاء ، كما ثبت في صحيح مسلم : " المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة " وفي السنن مرفوعا : " الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ، فأرشد الله الأئمة ، وغفر للمؤذنين " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن عروبة الهروي ، حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن مطر ، عن الحسن ، عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : " سهام المؤذنين عند الله يوم القيامة كسهام المجاهدين ، وهو بين الأذان والإقامة كالمتشحط في سبيل الله في دمه " .
قال : وقال ابن مسعود : " لو كنت مؤذنا ما باليت ألا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد " .
قال : وقال عمر بن الخطاب : لو كنت مؤذنا لكمل أمري ، وما باليت ألا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم اغفر للمؤذنين " ثلاثا ، قال : فقلت : يا رسول الله ، تركتنا ، ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف . قال : " كلا يا عمر ، إنه يأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم ، وتلك لحوم حرمها الله على النار ، لحوم المؤذنين " .
قال : وقالت عائشة : ولهم هذه الآية : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) قالت : فهو المؤذن إذا قال : " حي على الصلاة " فقد دعا إلى الله .
وهكذا قال ابن عمر ، وعكرمة : إنها نزلت في المؤذنين .
وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أنه قال في قوله : ( وعمل صالحا ) قال : يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة .
ثم أورد البغوي حديث " عبد الله بن المغفل " قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بين كل أذانين صلاة " . ثم قال في الثالثة : " لمن شاء " وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ، من حديث عبد الله بن بريدة ، عنه وحديث الثوري ، عن زيد العمي ، عن أبي إياس معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال الثوري : لا أراه إلا وقد رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " .
ورواه أبو داود والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " كلهم من حديث الثوري ، به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن .
ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أنس ، به .
والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم ، فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية ; لأنها مكية ، والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة ، حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه ، فقصه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يلقيه على بلال فإنه أندى صوتا ، كما هو مقرر في موضعه ، فالصحيح إذا أنها عامة ، كما قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن البصري : أنه تلا هذه الآية : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) فقال : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب أهل الأرض إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين ، هذا خليفة الله .
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)

قوله تعالى : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا هذا توبيخ للذين تواصوا باللغو في القرآن . والمعنى : أي كلام أحسن من القرآن ، ومن أحسن قولا من الداعي إلى الله وطاعته وهو محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن سيرين والسدي وابن زيد والحسن : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول : هذا رسول الله ، هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا والله أحب أهل الأرض إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه . وقالت عائشة رضي الله عنها وعكرمة وقيس بن أبي حازم ومجاهد : نزلت في المؤذنين . قال فضيل بن رفيدة : كنت مؤذنا لأصحاب عبد الله بن مسعود ، فقال لي عاصم بن هبيرة : إذا أذنت فقلت : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، فقل : وأنا من المسلمين ، ثم قرأ هذه الآية ، قال ابن العربي : الأول أصح ; لأن الآية مكية ، والأذان مدني ، وإنما يدخل فيها بالمعنى ، لا أنه كان المقصود وقت القول ، ويدخل فيها أبو بكر الصديق حين قال في النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خنقه الملعون : أتقتلون رجلا أن يقول " ربي الله " وتتضمن كل كلام حسن فيه ذكر التوحيد والإيمان .
قلت : وقول ثالث وهو أحسنها ، قال الحسن : هذه الآية عامة في كل من دعا إلى الله . وكذا قال قيس بن أبي حازم قال : نزلت في كل مؤمن . قال : ومعنى " وعمل صالحا " الصلاة بين الأذان والإقامة . وقاله أبو أمامة ، قال : صلى ركعتين بين الأذان والإقامة . وقال عكرمة : وعمل صالحا صلى وصام . وقال الكلبي : أدى الفرائض .
قلت : وهذا أحسنها مع اجتناب المحارم وكثرة المندوب . والله أعلم .
وقال إنني من المسلمين قال ابن العربي : وما تقدم يدل على الإسلام ، لكن لما كان الدعاء بالقول والسيف يكون للاعتقاد ويكون للحجة ، وكان العمل يكون للرياء والإخلاص ، دل على أنه لا بد من التصريح بالاعتقاد لله في ذلك كله ، وأن العمل لوجهه .
مسألة : لما قال الله تعالى : وقال إنني من المسلمين ولم يقل له اشترط إن شاء الله ، كان في ذلك رد على من يقول : أنا مسلم إن شاء الله .
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)

قوله عز وجل : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) إلى طاعته ، ( وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) قال ابن سيرين [ والسدي وابن عباس : هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله . وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين .
وقالت عائشة : أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين .
وقال عكرمة : هو المؤذن . أبو أمامة الباهلي : " وعمل صالحا " صلى ركعتين بين الأذان والإقامة .
وقال قيس بن أبي حازم : هو الصلاة بين الأذان والإقامة .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ، حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة ، حدثنا عبد الله بن زيد المقرئ ، حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بين كل أذانين صلاة " ، ثلاث مرات ، ثم قال في الثالثة : " لمن شاء " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال سفيان : لا أعلمه إلا وقد رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة " .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features