يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)

( يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ) أي : ضرره في الدنيا قبل الآخرة أقرب من نفعه فيها ، وأما في الآخرة فضرره محقق متيقن .
وقوله : ( لبئس المولى ولبئس العشير ) : قال مجاهد : يعني الوثن ، يعني : بئس هذا الذي دعا به من دون الله مولى ، يعني : وليا وناصرا ، ( ولبئس العشير ) وهو المخالط والمعاشر .
واختار ابن جرير أن المراد : لبئس ابن العم والصاحب من يعبد [ الله ] على حرف ، ( فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه )
وقول مجاهد : إن المراد به الوثن ، أولى وأقرب إلى سياق الكلام ، والله أعلم .
يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)

قوله تعالى : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير
قوله تعالى : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه أي هذا الذي انقلب على وجهه يدعو من ضره أدنى من نفعه ؛ أي في الآخرة لأنه بعبادته دخل النار ، ولم ير منه نفعا أصلا ، ولكنه قال : ضره أقرب من نفعه ترفيعا للكلام ؛ كقوله تعالى : وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين . وقيل : يعبدونهم توهم أنهم يشفعون لهم غدا كما ؛ قال الله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . وقال تعالى : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . وقال الفراء ، والكسائي ، والزجاج : معنى الكلام القسم ، والتأخير ؛ أي يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه . فاللام مقدمة في غير موضعها . و ( من ) في موضع نصب ب ( يدعو ) واللام جواب القسم . و ( ضره ) مبتدأ . و ( أقرب ) خبره . وضعف النحاس تأخير الكلام وقال : وليس للام من التصرف ما يوجب أن يكون فيها تقديم ولا تأخير .
قلت : حق اللام التقديم وقد تؤخر ؛ قال الشاعر :
خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الأخوالا
أي لخالي أنت ؛ وقد تقدم . النحاس : وحكى لنا علي بن سليمان ، عن محمد بن يزيد قال : في الكلام حذف ؛ والمعنى يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها . قال النحاس : وأحسب هذا القول غلطا على محمد بن يزيد ؛ لأنه لا معنى له ، لأن ما بعد اللام مبتدأ فلا يجوز نصب إله ، وما أحسب مذهب محمد بن يزيد إلا قول الأخفش ، وهو أحسن ما قيل في الآية عندي ، والله أعلم ، قال : ( يدعو ) بمعنى يقول . و ( من ) مبتدأ وخبره محذوف ، والمعنى يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه .
قلت : وذكر هذا القول القشيري - رحمه الله - عن الزجاج ، والمهدوي ، عن الأخفش ، وكمل إعرابه فقال : ( يدعو ) بمعنى يقول ، و ( من ) مبتدأ ، و ( ضره ) مبتدأ ثان ، و ( أقرب ) خبره ، والجملة صلة ( من ، ) وخبر ( من ) محذوف ، والتقدير يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه ؛ ومثله قول عنترة :
يدعون : عنتر ، والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
قال القشيري : والكافر الذي يقول الصنم معبودي لا يقول ضره أقرب من نفعه ؛ ولكن المعنى يقول الكافر لمن ضره أقرب من نفعه في قول المسلمين معبودي وإلهي . وهو كقوله تعالى : يا أيها الساحر ادع لنا ربك ؛ أي يا أيها الساحر عند أولئك الذين يدعونك ساحرا .
وقال الزجاج : يجوز أن يكون ( يدعو ) في موضع الحال ، وفيه هاء محذوفة ؛ أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه ، أي في حال دعائه إياه ؛ ففي ( يدعو ) هاء مضمرة ، ويوقف على هذا على يدعو . وقوله : لمن ضره أقرب من نفعه كلام مستأنف مرفوع بالابتداء ، وخبره لبئس المولى وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد فجعلها أول الكلام . قال الزجاج : ويجوز أن يكون ( ذلك ) بمعنى الذي ، ويكون في محل النصب بوقوع ( يدعو ) عليه ؛ أي الذي هو الضلال البعيد يدعو ؛ كما قال : وما تلك بيمينك ياموسى أي ما الذي . ثم قوله ( لمن ضره ) كلام مبتدأ ، و ( لبئس المولى ) خبر المبتدإ ؛ وتقدير الآية على هذا : يدعو الذي هو الضلال البعيد ؛ قدم المفعول وهو الذي ؛ كما تقول : زيدا يضرب ؛ واستحسنه أبو علي . وزعم الزجاج أن النحويين أغفلوا هذا القول ؛ وأنشد [ يزيد بن ربيعة الحميري ] :
عدس ما لعباد عليك إمارة نجوت وهذا تحملين طليق
أي والذي . وقال الزجاج أيضا والفراء : يجوز أن يكون ( يدعو ) مكررة على ما قبلها ، على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء ، ولا تعديه إذ قد عديته أولا ؛ أي يدعو من دون الله ما لا ينفعه ولا يضره يدعو ؛ مثل ضربت زيدا ضربت ، ثم حذفت يدعو الآخرة اكتفاء بالأولى . قال الفراء : ويجوز ( لمن ضره ) بكسر اللام ؛ أي يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه ، قال الله - عز وجل - : بأن ربك أوحى لها أي إليها . وقال الفراء أيضا والقفال : اللام صلة ؛ أي يدعو من ضره أقرب من نفعه ؛ أي يعبده . وكذلك هو في قراءة عبد الله بن مسعود . لبئس المولى أي في التناصر ولبئس العشير أي المعاشر والصاحب والخليل . مجاهد : يعني الوثن .
يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)

( يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ) هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلة
أولها قالوا قد قال الله في الآية الأولى " يدعو من دون الله ما لا يضره " وقال هاهنا " لمن ضره أقرب " فكيف التوفيق بينهما؟
قيل قوله في الآية الأولى " يدعو من دون الله ما لا يضره " أي لا يضره ترك عبادته وقوله " لمن ضره أقرب " أي ضر عبادته
فإن قيل قد قال " لمن ضره أقرب من نفعه " ولا نفع في عبادة الصنم أصلا؟
قيل هذا على عادة العرب فإنهم يقولون لما لا يكون أصلا بعيد كقوله تعالى : ( ذلك رجع بعيد ) ( ق : 3 ) أي لا رجع أصلا فلما كان نفع الصنم بعيدا على معنى أنه لا نفع فيه أصلا قيل ضره أقرب لأنه كائن
السؤال الثالث قوله ( لمن ضره أقرب ) ما وجه هذه اللام؟ اختلفوا فيه فقال بعضهم هي صلة ، مجازها يدعو من ضره أقرب وكذلك قرأها ابن مسعود . وقيل " لمن ضره " أي إلى الذي ضره أقرب من نفعه وقيل " يدعو " بمعنى يقول والخبر محذوف أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو إله
وقيل معناه يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يدعو فحذف يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى ولو قلت يضرب لمن خيره أكثر من شره يضرب ثم يحذف الأخير جاز
وقيل على التوكيد ، معناه يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه
وقيل " يدعو من " صلة قوله " ذلك هو الضلال البعيد " يقول ذلك هو الضلال البعيد يدعو ثم استأنف فقال : " لمن ضره أقرب من نفعه " فيكون " من " في محل رفع بالابتداء وخبره ( لبئس المولى ) أي الناصر وقيل المعبود . ( ولبئس العشير ) أي الصاحب والمخالط يعني الوثن والعرب تسمي الزوج عشيرا لأجل المخالطة .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features