وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)

ثم قال : ( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ) وقد قدمنا الكلام على الإثم والفواحش في " سورة الأعراف " ( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) أي : سجيتهم [ وخلقهم وطبعهم ] تقتضي الصفح والعفو عن الناس ، ليس سجيتهم الانتقام من الناس .
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما انتقم لنفسه قط ، إلا أن تنتهك حرمات الله وفي حديث آخر : " كان يقول لأحدنا عند المعتبة : ما له ؟ تربت جبينه " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن زائدة ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا ، وكانوا إذا قدروا عفوا .
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)

قوله تعالى : والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون .
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : والذين يجتنبون ( الذين ) في موضع جر معطوف على قوله : خير وأبقى للذين آمنوا أي : وهو للذين يجتنبون كبائر الإثم قد مضى القول في الكبائر في ( النساء ) وقرأ حمزة والكسائي ( كبير الإثم ) والواحد قد يراد به الجمع عند الإضافة ، كقوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، وكما جاء في الحديث : ( منعت العراق درهمها وقفيزها ) . الباقون بالجمع هنا وفي ( النجم ) . : ( والفواحش ) قال السدي : يعني الزنى . وقاله ابن عباس . وقال : كبير الإثم الشرك . وقال قوم : كبائر الإثم ما تقع على الصغائر مغفورة عند اجتنابها . والفواحش داخلة في الكبائر ، ولكنها تكون أفحش وأشنع كالقتل بالنسبة إلى الجرح ، والزنى بالنسبة إلى المراودة . وقيل : الفواحش والكبائر بمعنى واحد ، فكرر لتعدد اللفظ ، أي : يجتنبون المعاصي لأنها كبائر وفواحش . وقال مقاتل : الفواحش موجبات الحدود .
الثانية : قوله تعالى : وإذا ما غضبوا هم يغفرون أي يتجاوزون ويحلمون عمن ظلمهم . قيل : نزلت في عمر حين شتم بمكة . وقيل : في أبي بكر حين لامه الناس على إنفاق ماله كله وحين شتم فحلم . وعن علي - رضي الله عنه - قال : اجتمع لأبي بكر مال مرة ، فتصدق به كله في سبيل الخير ، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون فنزلت : فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إلى قوله وإذا ما غضبوا هم يغفرون وقال ابن عباس : شتم رجل من المشركين أبا بكر فلم يرد عليه شيئا ، فنزلت الآية . وهذه من محاسن الأخلاق ، يشفقون على ظالمهم ويصفحون لمن جهل عليهم ، يطلبون بذلك ثواب الله تعالى وعفوه ، لقوله تعالى في آل عمران : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس . وهو أن يتناولك الرجل فتكظم غيظك عنه . وأنشد بعضهم :
إني عفوت لظالمي ظلمي ووهبت ذاك له على علمي مازال يظلمني وأرحمه
حتى بكيت له من الظلم
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)

( والذين يجتنبون كبائر الإثم ) قرأ حمزة والكسائي : " كبير الإثم " على الواحد هاهنا ، وفي سورة النجم ، وقرأ الآخرون : " كبائر " بالجمع ، وقد ذكرنا معنى الكبائر في سورة النساء ( والفواحش ) قال السدي : يعني الزنا . وقال مجاهد ومقاتل : ما يوجب الحد . ( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) يحلمون ويكظمون الغيظ ويتجاوزون .
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
يقول تعالى ذكره: وما عند الله للذين آمنوا(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ) , وكبائر فواحش الإثم, قد بينَّا اختلاف أهل التأويل فيها وبينَّا الصواب من القول عندنا فيها فى سورة النساء, فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا.(وَالْفَوَاحِشَ) قيل: إنها الزنى.
* ذكر من قال ذلك:
محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ(وَالْفَوَاحِشَ) قال: الفواحش: الزنى.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (كَبَائِرَ الإِثْمِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة على الجماع كذلك في النجم, وقرأته عامة قرّاء الكوفة " كبير الإثم " على التوحيد فيهما جميعا; وكأن من قرأ ذلك كذلك, عنى بكبير الإثم: الشرك, كما كان الفرّاء يقول: كأني أستحب لمن قرأ كبائر الإثم أن يخفض الفواحش, لتكون الكبائر مضافة إلى مجموع إذ كانت جمعا, وقال: ما سمعت أحدا من القرّاء خفض الفواحش.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء على تقارب معنييهما, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جرما, هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه, ويصفحون عنه عقوبة ذنبه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features