وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)

وقوله : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) أي : يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم ، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء . وهذا من باب الإشفاق والاحتياط ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا مالك بن مغول ، حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ، عن عائشة; أنها قالت : يا رسول الله ، ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر ، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال : " لا يا بنت أبي بكر ، يا بنت الصديق ، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق ، وهو يخاف الله عز وجل " .
وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم ، من حديث مالك بن مغول ، به بنحوه . وقال : " لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ، وهم يخافون ألا يقبل منهم
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)

والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة قال الحسن : يؤتون الإخلاص ويخافون ألا يقبل منهم . وروى الترمذي ، عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة قالت عائشة : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات . وقال الحسن : لقد أدركنا أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها . وقرأت عائشة - رضي الله عنها - وابن عباس ، والنخعي ( والذين يأتون ما أتوا ) مقصورا من الإتيان . قال الفراء : ولو صحت هذه القراءة عن عائشة لم تخالف قراءة الجماعة ؛ لأن الهمز من العرب من يلزم فيه الألف في كل الحالات إذا كتب ؛ فيكتب سئل الرجل بألف بعد السين ، ويستهزئون بألف بين الزاي والواو ، وشيء وشيء بألف بعد الياء ، فغير مستنكر في مذهب هؤلاء أن يكتب ( يؤتون ) بألف بعد الياء ، فيحتمل هذا اللفظ بالبناء على هذا الخط قراءتين ( يؤتون ما آتوا ) و ( يأتون ما أتوا ) . وينفرد ما عليه الجماعة باحتمال تأويلين : أحدهما : الذين يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة وقلوبهم خائفة . والآخر : والذين يؤتون الملائكة الذين يكتبون الأعمال على العباد ما آتوا وقلوبهم وجلة ؛ فحذف مفعول في هذا الباب لوضوح معناه ؛ كما حذف في قوله - عز وجل - : فيه يغاث الناس وفيه يعصرون والمعنى يعصرون السمسم والعنب ؛ فاختزل المفعول لوضوح تأويله . ويكون الأصل في الحرف على هجائه الموجود في الإمام ( يأتون ) بألف مبدلة من الهمزة فكتبت الألف واوا لتآخي حروف المد واللين في الخفاء ؛ حكاه ابن الأنباري . قال النحاس : المعروف من قراءة ابن عباس ( والذين يأتون ما أتوا ) وهي القراءة المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عائشة - رضي الله عنها - ، ومعناها يعملون ما عملوا ؛ ما روي في الحديث . والوجل نحو الإشفاق والخوف ؛ فالتقي والتائب خوفه أمر العاقبة وما يطلع عليه بعد الموت . في قوله : أنهم إلى ربهم راجعون تنبيه على الخاتمة .
وفي صحيح البخاري وإنما الأعمال بالخواتيم . وأما المخلط فينبغي له أن يكون تحت خوف من أن ينفذ عليه الوعيد بتخليطه . وقال أصحاب الخواطر : وجل العارف من طاعته أكثر وجلا من وجله من مخالفته ؛ لأن المخالفة تمحوها التوبة ، والطاعة تطلب بتصحيح الفرض . أنهم أي لأنهم ، أو من أجل أنهم إلى ربهم راجعون .
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)

( والذين يؤتون ما آتوا ) أي : يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات ، وروي عن عائشة أنها كانت تقرأ " والذين يأتون ما أتوا " أي : يعملون ما عملوا من أعمال البر ، ( وقلوبهم وجلة ) أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وأن أعمالهم لا تقبل منهم ، ( أنهم إلى ربهم راجعون ) لأنهم يوقنون أنهم يرجعون إلى الله عز وجل . قال الحسن : عملوا لله بالطاعات [ واجتهدوا فيها ] وخافوا أن ترد عليهم .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا محمد بن حامد ، حدثنا محمد بن الجهم ، أخبرنا عبد الله بن عمرو ، أخبرنا وكيع عن مالك بن مغول ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال : " لا يا بنت الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه " .
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)

{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا } أي: يعطون من أنفسهم مما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه، من صلاة، وزكاة، وحج، وصدقة، وغير ذلك، { و } مع هذا { قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أي: خائفة { أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } أي: خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربهم، وما يستحقه من أصناف العبادات.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features