وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)

قوله تعالى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) كقوله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) [ البقرة : 194 ] وكقوله ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) [ النحل : 129 ] فشرع العدل وهو القصاص ، وندب إلى الفضل وهو العفو ، كقوله [ تعالى ] ( والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ) [ المائدة : 45 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) أي : لا يضيع ذلك عند الله كما صح في الحديث : " وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا " وقوله : ( إنه لا يحب الظالمين ) أي : المعتدين ، وهو المبتدئ بالسيئة .
[ وقال بعضهم : لما كانت الأقسام ثلاثة : ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخيرات ، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) ، ثم ذكر السابق بقوله : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) ثم ذكر الظالم بقوله : ( إنه لا يحب الظالمين ) فأمر بالعدل ، وندب إلى الفضل ، ونهى من الظلم ] .
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)

ثم ذكر الله الانتصار فقال : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [ سمى الجزاء سيئة ] وإن لم تكن سيئة لتشابههما في الصورة . قال مقاتل : يعني القصاص في الجراحات والدماء .
قال مجاهد والسدي : هو جواب القبيح ، إذا قال : أخزاك الله تقول : أخزاك الله ، وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي .
قال سفيان بن عيينة : قلت لسفيان الثوري ما قوله عز وجل : " وجزاء سيئة سيئة مثلها " ؟ قال : أن يشتمك رجل فتشتمه ، وأن يفعل بك فتفعل به ، فلم أجد عنده شيئا . فسألت هشام بن حجيرة عن هذه الآية ؟ فقال : الجارح إذا جرح يقتص منه ، وليس هو أن يشتمك فتشتمه .
ثم ذكر العفو فقال : ( فمن عفا ) عمن ظلمه ، ( وأصلح ) بالعفو بينه وبين ظالمه ، ( فأجره على الله ) قال الحسن : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : من كان له على الله أجر فليقم . فلا يقوم إلا من عفا ، ثم قرأ هذه الآية . ( إنه لا يحب الظالمين ) قال ابن عباس : الذين يبدءون بالظلم .
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)

ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.
فمرتبة العدل، جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.
ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.
وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.
وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله: { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم.
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)

قوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها قال العلماء : جعل الله المؤمنين صنفين ، صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قوله وإذا ما غضبوا هم يغفرون . وصنف ينتصرون من ظالمهم . ثم بين حد الانتصار بقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي . قال مقاتل وهشام بن حجير : هذا في المجروح ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره من سب أو شتم . وقاله الشافعي وأبو حنيفة وسفيان . قال سفيان : وكان ابن شبرمة يقول : ليس بمكة مثل هشام . وتأول الشافعي في هذه الآية أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه ، واستشهد في ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند زوج أبي سفيان : خذي من ماله ما يكفيك وولدك فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه . وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في ( البقرة ) وقال ابن أبي نجيح : إنه محمول على المقابلة في الجراح . وإذا قال : أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله . ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب . وقال السدي : إنما مدح الله من انتصر ممن بغى عليه من غير اعتداء بالزيادة على مقدار ما فعل به ، يعني كما كانت العرب تفعله . وسمي الجزاء سيئة لأنه في مقابلتها ، فالأول ساء هذا في مال أو بدن ، وهذا الاقتصاص يسوءه بمثل ذلك أيضا ، وقد مضى هذا كله في ( البقرة ) مستوفى .
قوله تعالى : فمن عفا وأصلح قال ابن عباس : من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو فأجره على الله أي إن الله يأجره على ذلك . قال مقاتل : فكان العفو من الأعمال الصالحة وقد مضى في ( آل عمران ) في هذا ما فيه كفاية ، والحمد لله . وذكر أبو نعيم الحافظ عن علي بن الحسين - رضي الله عنهم - قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أيكم أهل الفضل ؟ فيقوم ناس من الناس ، فيقال : انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون إلى أين ؟ فيقولون إلى الجنة ، قالوا قبل الحساب ؟ قالوا نعم قالوا من أنتم ؟ قالوا أهل الفضل ، قالوا وما كان فضلكم ؟ قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا سيء إلينا عفونا ، قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين . وذكر الحديث . إنه لا يحب الظالمين أي من بدأ بالظلم ، قاله سعيد بن جبير . وقيل : لا يحب من يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد ، قاله ابن عيسى .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features