بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ (66)

وقوله : ( بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها ) أي : انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها .
وقرأ آخرون : " بل أدرك علمهم " ، أي : تساوى علمهم في ذلك ، كما في الصحيح لمسلم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل - وقد سأله عن وقت الساعة - ما المسؤول عنها بأعلم من السائل أي : تساوى في العجز عن درك ذلك علم المسؤول والسائل .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( بل ادارك علمهم في الآخرة ) أي : غاب .
وقال قتادة : ( بل ادارك علمهم في الآخرة ) يعني : يجهلهم ربهم ، يقول : لم ينفذ لهم إلى الآخرة علم ، هذا قول .
وقال ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : " بل أدرك علمهم في الآخرة " حين لم ينفع العلم ، وبه قال عطاء الخراساني ، والسدي : أن علمهم إنما يدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك ، كما قال تعالى : ( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ) [ مريم : 38 ] .
وقال سفيان ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يقرأ : " بل أدرك علمهم " قال : اضمحل علمهم في الدنيا ، حين عاينوا الآخرة .
وقوله : ( بل هم في شك منها ) عائد على الجنس ، والمراد الكافرون ، كما قال تعالى : ( وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) [ الكهف : 48 ] أي : الكافرون منكم . وهكذا قال هاهنا : ( بل هم في شك منها ) أي : شاكون في وجودها ووقوعها ، ( بل هم منها عمون ) أي : في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها .
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ (66)

( بل ادارك علمهم ) قرأ أبو جعفر ، وابن كثير ، وأبو عمرو : " أدرك " على وزن أفعل أي : بلغ ولحق ، كما يقال : أدركه علمي إذا لحقه وبلغه ، يريد : ما جهلوا في الدنيا وسقط علمه عنهم علموه في الآخرة . قال مجاهد : يدرك علمهم ، ( في الآخرة ) ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم . قال مقاتل : بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا وعموا عنه في الدنيا وهو قوله : ( بل هم في شك منها ) يعني : هم اليوم في شك من الساعة ، وقرأ الآخرون : " بل ادارك " موصولا مشددا مع ألف بعد الدال المشددة ، أي : تدارك وتتابع علمهم في الآخرة وتلاحق . وقيل : معناه اجتمع علمهم في الآخرة أنها كائنة ، وهم في شك في وقتهم ، فيكون بمعنى الأول . وقيل : هو على طريق الاستفهام ، معناه : هل تدارك وتتابع علمهم بذلك في الآخرة ؟ أي : لم يتتابع وضل وغاب علمهم به فلم يبلغوه ولم يدركوه ، لأن في الاستفهام ضربا من الجحد يدل عليه . قراءة ابن عباس " بلى " بإثبات الياء ، " أدارك " بفتح الألف على الاستفهام ، أي : لم يدرك ، وفي حرف أبي " أم تدارك علمهم " ، والعرب تضع " بل " موضع " أم " و " أم " موضع " بل " وجملة القول فيه : أن الله أخبر أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب ، وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا . وذكر علي بن عيسى أن معنى " بل " هاهنا : " لو " ومعناه : لو أدركوا في الدنيا ما أدركوا في الآخرة لم يشكوا .
قوله - عز وجل - : ( بل هم في شك منها ) بل هم اليوم في الدنيا في شك من الساعة . ( بل هم منها عمون ) جمع عم ، وهو أعمى القلب . قال الكلبي : يقول هم جهلة بها .
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ (66)

{ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ } أي: بل ضعف، وقل ولم يكن يقينا، ولا علما واصلا إلى القلب وهذا أقل وأدنى درجة للعلم ضعفه ووهاؤه، بل ليس عندهم علم قوي ولا ضعيف وإنما { هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا } أي: من الآخرة، والشك زال به العلم لأن العلم بجميع مراتبه لا يجامع الشك، { بَلْ هُمْ مِنْهَا } أي: من الآخرة { عَمُونَ } قد عميت عنها بصائرهم، ولم يكن في قلوبهم من وقوعها ولا احتمال بل أنكروها واستبعدوها.
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ (66)

قوله تعالى : بل ادارك علمهم في الآخرة هذه قراءة أكثر الناس منهم عاصم وشيبة ونافع ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي . وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وحميد : ( بل أدرك ) من الإدراك . وقرأ عطاء بن يسار وأخوه سليمان بن يسار والأعمش : ( بل ادرك ) غير مهموز مشددا . وقرأ ابن محيصن : ( بل أدارك ) على الاستفهام . وقرأ ابن عباس : ( بلى ) بإثبات الياء ( أدارك ) بهمزة قطع والدال مشددة وألف بعدها ; قال النحاس : وإسناده إسناد صحيح ، هو من حديث شعبة يرفعه إلى ابن عباس . وزعم هارون القارئ أن قراءة أبي ( بل تدارك علمهم ) وحكى الثعلبي أنها في حرف أبي ( أم تدارك ) والعرب تضع ( بل ) موضع ( أم ) و ( أم ) موضع ( بل ) إذا كان في أول الكلام استفهام ; كقول الشاعر :
فوالله لا أدري أسلمي تقولت أم القول أم كل إلي حبيب
أي : بل كل .
قال النحاس : القراءة الأولى والأخيرة معناهما واحد ، لأن أصل ( ادارك ) : تدارك ; أدغمت الدال في التاء وجيء بألف الوصل ; وفي معناه قولان :
أحدهما : أن المعنى : بل تكامل علمهم في الآخرة ; لأنهم رأوا كل ما وعدوا به معاينة فتكامل علمهم به .
والقول الآخر : أن المعنى : بل تتابع علمهم اليوم في الآخرة ; فقالوا تكون وقالوا لا تكون . القراءة الثانية فيها أيضا قولان :
أحدهما : أن معناه كمل في الآخرة ; وهو مثل الأول ; قال مجاهد : معناه يدرك علمهم في الآخرة ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم ; لأنهم كانوا في الدنيا مكذبين .
والقول الآخر : أنه على معنى الإنكار ; وهو مذهب أبي إسحاق ; واستدل على صحة هذا القول بأن بعده بل هم منها عمون أي لم يدرك علمهم علم الآخرة . وقيل : بل ضل وغاب علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم . والقراءة الثالثة : ( بل ادرك ) فهي بمعنى : بل ادارك . وقد يجيء ( افتعل وتفاعل ) بمعنى ; ولذلك صحح ( ازدوجوا ) حين كان بمعنى ( تزاوجوا ) . القراءة الرابعة ليس فيها إلا قول واحد يكون فيه معنى الإنكار ; كما تقول : أأنا قاتلتك ؟ ! فيكون المعنى لم يدرك ; وعليه ترجع قراءة ابن عباس ; قال ابن عباس : بل ادارك علمهم في الآخرة أي لم يدرك . قال الفراء : وهو قول حسن كأنه وجهه إلى الاستهزاء بالمكذبين بالبعث ، كقولك لرجل تكذبه : بلى لعمري قد أدركت السلف فأنت تروي ما لا أروي . وأنت تكذبه . وقراءة سابعة : ( بل ادرك ) بفتح اللام ; عدل إلى الفتحة لخفتها . وقد حكي نحو ذلك عن قطرب في ( قم الليل ) فإنه عدل إلى الفتح . وكذلك و ( بع الثوب ) ونحوه . وذكر الزمخشري في الكتاب : وقرئ ( بل أأدرك ) بهمزتين ( بل أدرك ) بألف بينهما ( بلى أأدرك ) ( أم تدارك ) ( أم أدرك ) فهذه ثنتا عشرة قراءة ، ثم أخذ يعلل وجوه القراءات وقال : فإن قلت فما وجه قراءة ( بل أدرك ) على الاستفهام ؟ قلت : هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم ، وكذلك من قرأ : ( أم أدرك ) و ( أم تدارك ) لأنها ( أم ) التي بمعنى ( بل والهمزة ) وأما من قرأ : ( بلى أأدرك ) على الاستفهام فمعناه : بلى يشعرون متى يبعثون ، ثم أنكر علمهم بكونها ، وإذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصل لهم شعور وقت كونها ; لأن العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن . في الآخرة في شأن الآخرة ومعناها . بل هم في شك منها أي في الدنيا . بل هم منها عمون أي بقلوبهم واحدهم عمو . وقيل : عم ، وأصله عميون حذفت الياء لالتقاء الساكنين ولم يجز تحريكها لثقل الحركة فيها .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features