يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)

( يطاف عليهم بصحاف من ذهب ) أي زبادي آنية الطعام ، ( وأكواب ) وهي : آنية الشراب ، أي : من ذهب لا خراطيم لها ولا عرى ، " وفيها ما تشهي الأنفس " - وقرأ بعضهم : ( تشتهيه الأنفس ) ( وتلذ الأعين ) أي طيب الطعم والريح وحسن المنظر .
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد ، عن عكرمة - مولى ابن عباس - أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل الجنة بعده أحد ، يفسح له في بصره مسيرة مائة عام في قصور من ذهب ، وخيام من لؤلؤ ، ليس فيها موضع شبر إلا معمور يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صحفة من ذهب ، ليس فيها صحفة إلا فيها لون ليس في الأخرى ، مثله شهوته في آخرها كشهوته في أولها ، لو نزل به جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أعطي ، لا ينقص ذلك مما أوتي شيئا " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا عمرو بن سواد السرحي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن عقيل بن خالد ، عن الحسن ، عن أبي هريرة : أن أبا أمامة - رضي الله عنه - حدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثهم - وذكر الجنة - فقال : " والذي نفس محمد بيده ، ليأخذن أحدكم اللقمة فيجعلها في فيه ، ثم يخطر على باله طعام آخر ، فيتحول الطعام الذي في فيه على الذي اشتهى " ثم قرأ : ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ) .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن - هو ابن موسى - حدثنا سكين بن عبد العزيز ، حدثنا الأشعث الضرير ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أدنى أهل الجنة منزلة إن له لسبع درجات ، وهو على السادسة وفوقه السابعة ، وإن له ثلاثمائة خادم ، ويغدى عليه ويراح كل يوم بثلاثمائة صحفة - ولا أعلمه إلا قال : من ذهب - في كل صحفة لون ليس في الأخرى ، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء ، في كل إناء لون ليس في الآخر ، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ، وإنه يقول : يا رب ، لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم ، لم ينقص مما عندي شيء ، وإن له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة ، سوى أزواجه من الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض " .
( وأنتم فيها ) أي : في الجنة ) خالدون ) أي : لا تخرجون منها ولا تبغون عنها حولا .
يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)

( يطاف عليهم بصحاف ) جمع صحفة وهي القصعة الواسعة ( من ذهب وأكواب ) جمع كوب وهو إناء مستدير مدور الرأس لا عرى لها ( وفيها ) أي في الجنة ( ما تشتهيه الأنفس ) قرأ أهل المدينة والشام وحفص : ( تشتهيه ) وكذلك في مصاحفهم ، وقرأ الآخرون بحذف الهاء . ( وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ) .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن عبد الرحمن بن سابط قال : قال رجل : يا رسول الله أفي الجنة خيل ؟ فإني أحب الخيل ، فقال : " إن يدخلك الله الجنة لا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت ، إلا فعلت " ، فقال أعرابي : يا رسول الله أفي الجنة إبل ؟ فقال : " يا أعرابي إن يدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك " .
يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)

قوله تعالى : يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب أي : لهم في الجنة أطعمة وأشربة يطاف بها عليهم في صحاف من ذهب وأكواب . ولم يذكر الأطعمة والأشربة ; لأنه يعلم أنه لا معنى للإطافة بالصحاف والأكواب عليهم من غير أن يكون فيها شيء . وذكر الذهب في الصحاف واستغنى به عن الإعادة في الأكواب ، كقوله تعالى : والذاكرين الله كثيرا والذاكرات . وفي الصحيحين عن حذيفة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة . وقد مضى في سورة ( الحج ) أن من أكل فيهما في الدنيا أو لبس الحرير في الدنيا ولم يتب حرم ذلك في الآخرة تحريما مؤبدا . والله أعلم . وقال المفسرون : يطوف على أدناهم في الجنة منزلة سبعون ألف غلام بسبعين ألف صحفة من ذهب ، يغدى عليه بها ، في كل واحدة منها لون ليس في صاحبتها ، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها ، لا يشبه بعضه بعضا ، ويراح عليه بمثلها . ويطوف على أرفعهم درجة كل يوم سبعمائة ألف غلام ، مع كل غلام صحفة من ذهب ، فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها ، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها ، لا يشبه بعضه بعضا . وأكواب أي : ويطاف عليهم بأكواب ، كما قال تعالى : ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا معمر عن رجل عن أبي قلابة قال : يؤتون بالطعام والشراب ، فإذا كان في آخر ذلك أوتوا بالشراب الطهور فتضمر لذلك بطونهم ، ويفيض عرقا من جلودهم أطيب من ريح المسك ، ثم قرأ شرابا طهورا . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام ؟ قال : جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير - في رواية - كما يلهمون النفس .
الثانية : روى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم وقال : لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها وهذا يقتضي التحريم ، ولا خلاف في ذلك .
واختلف الناس في استعمالها في غير ذلك . قال ابن العربي : والصحيح أنه لا يجوز للرجال استعمالها في شيء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذهب والحرير : هذان حرام لذكور أمتي حل لإناثها . والنهي عن الأكل والشرب فيها يدل على تحريم استعمالها ; لأنه نوع من المتاع فلم يجز . أصله الأكل والشرب ، ولأن العلة في ذلك استعجال أمر الآخرة ، وذلك يستوي فيه الأكل والشرب وسائر أجزاء الانتفاع ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة فلم يجعل لنا فيها حظا في الدنيا .
الثالثة : إذا كان الإناء مضببا بهما أو فيه حلقة منهما ، فقال مالك : لا يعجبني أن يشرب فيه ، وكذلك المرآة تكون فيها الحلقة من الفضة ولا يعجبني أن ينظر فيها وجهه .
وقد كان عند أنس إناء مضبب بفضة وقال : لقد سقيت فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن سيرين : كانت فيه حلقة حديد فأراد أنس أن يجعل فيه حلقة فضة ، فقال أبو طلحة : لا أغير شيئا مما صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتركه .
الرابعة : إذا لم يجز استعمالها لم يجز اقتناؤها ; لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اقتناؤه كالصنم والطنبور . وفي كتب علمائنا أنه يلزم الغرم في قيمتها لمن كسرها ، وهو معنى فاسد ، فإن كسره واجب فلا ثمن لقيمتها . ولا يجوز تقويمها في الزكاة بحال . وغير هذا لا يلتفت إليه .
قوله تعالى : بصحاف قال الجوهري : الصحفة كالقصعة والجمع صحاف . قال الكسائي : أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ، ثم الصحفة تشبع الخمسة ، ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة ، ثم الصحيفة تشبع الرجل . والصحيفة الكتاب والجمع صحف وصحائف .
قوله تعالى : ( وأكواب ) قال الجوهري : الكوب كوز لا عروة له ، والجمع أكواب قال الأعشى يصف الخمر :
صريفية طيب طعمها لها زبد بين كوب ودن
وقال آخر :
متكئا تصفق أبوابه يسعى عليه العبد بالكوب
وقال قتادة : الكوب المدور القصير العنق القصير العروة . والإبريق : المستطيل العنق الطويل العروة . وقال الأخفش : الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها . وهي الأباريق التي ليست لها عرى . وقال مجاهد : إنها الآنية المدورة الأفواه . السدي : هي التي لا آذان لها . ابن عزيز : ( أكواب ) أباريق لا عرى لها ولا خراطيم ، واحدها كوب .
قلت : وهو معنى قول مجاهد والسدي ، وهو مذهب أهل اللغة أنها التي لا آذان لها ولا عرى .
قوله تعالى : وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين روى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من خيل ؟ قال : إن الله أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت . قال : وسأله رجل فقال يا رسول الله ، هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه قال : إن أدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك . وقرأ أهل المدينة ، وابن عامر وأهل الشام وفيها ما تشتهيه الأنفس ، الباقون ( تشتهي الأنفس ) أي : تشتهيه الأنفس ، تقول الذي ضربت زيد ، أي : الذي ضربته زيد . ( وتلذ الأعين ) تقول : لذ الشيء يلذ لذاذا ، ولذاذة ، ولذذت بالشيء ألذ ( بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل ) لذاذا ولذاذة ، أي : وجدته لذيذا . والتذذت به وتلذذت به بمعنى . أي : في الجنة ما تستلذه العين فكان حسن المنظر . وقال سعيد بن جبير : وتلذ الأعين النظر إلى الله - عز وجل - ، كما في الخبر : [ أسألك لذة النظر إلى وجهك ] .
وأنتم فيها خالدون باقون دائمون ; لأنها لو انقطعت لتبغضت .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features