فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29)

( فما بكت عليهم السماء والأرض ) وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض أربعين صباحا ، وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل صالح فتبكي السماء على فقده ، ولا لهم على الأرض عمر صالح فتبكي الأرض عليه .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو عبد الله الفنجوي ، حدثنا أبو علي المقري ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا أحمد بن إسحاق البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي ، أخبرني يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما من عبد إلا له في السماء بابان باب يخرج منه رزقه ، وباب يدخل فيه عمله ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه " وتلا " فما بكت عليهم السماء والأرض " .
قال عطاء : بكاء السماء حمرة أطرافها .
قال السدي : لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السماء ، وبكاؤها حمرتها .
( وما كانوا منظرين ) لم ينظروا حين أخذهم العذاب لتوبة ولا لغيرها .
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29)

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)
يقول تعالى ذكره: فما بكت على هؤلاء الذين غرّقهم الله في البحر, وهم فرعون وقومه, السماء والأرض, وقيل: إن بكاء السماء حمرة أطرافها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ, قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد, عن الحكم بن ظهير, عن السديّ قال: لما قتل الحسين بن عليّ رضوان الله عليهما بكت السماء عليه, وبكاؤها حمرتها.
حدثني عليّ بن سهل, قال: ثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء في قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال: بكاؤها حمرة أطرافها.
وقيل: إنما قيل ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) لأن المؤمن إذا مات, بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا, ولم تبكيا على فرعون وقومه, لأنه لم يكن لهم عمل يَصعْد إلى الله صالح, فتبكي عليهم السماء, ولا مسجد في الأرض, فتبكي عليهم الأرض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا طلق بن غنام, عن زائدة, عن منصور, عن المنهال, عن سعيد بن جُبير, قال: أتى ابن عباس رجل, فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينـزل رزقه, وفيه يصعد عمله, فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله, وينـزل منه رزقه, بكى عليه; وإذا فقده مُصَلاه من الأرض التي كان يصلي فيها, ويذكر الله فيها بكت عليه, وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة, ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير, قال: فلم تبك عليهم السماء والأرض.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى قالا ثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: كان يقال: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحًا.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي يحيى القَتَّات, عن مجاهد, عن ابن عباس بمثله.
حدثني يحيى بن طلحة, قال: ثنا فضيل بن عياض, عن منصور, عن مجاهد, قال: حُدثت أن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي, قال: ثنا بكير بن أبي السميط, قال: ثنا قتادة, عن سعيد بن جُبير أنه كان يقول: إن بقاع الأرض التي كان يصعد عمله منها إلى السماء تبكي عليه بعد موته, يعني المؤمن.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن المنهال, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال: إنه ليس أحد إلا له باب في السماء ينـزل فيه رزقه ويصعد فيه عمله, فإذا فُقِد بكت عليه مواضعه التي كان يسجد عليها, وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يقبل منهم, فيصعد إلى الله عزّ وجلّ, فقال مجاهد: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا.
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد قال: كان يقال: إن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا.
حدثنا يحيى بن طلحة, قال: ثنا عيسى بن يونس, عن صفوان بن عمرو, عن شريح بن عبيد الحضرمي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الإسْلامَ بَدَأ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا, ألا لا غُرْبَةَ عَلى المُؤْمِن, ما ماتَ مُؤْمِنٌ فِي غُرْبَةٍ غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بَوَاكِيهِ إلا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّماءُ والأرْضُ", ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ), ثم قال: " إنَّهُما لا يَبْكِيانِ على الكافر ".
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ )... الآية, قال: ذلك أنه ليس على الأرض مؤمن يموت إلا بكى عليه ما كان يصلي فيه من المساجد حين يفقده, وإلا بكى عليه من السماء الموضعُ الذي كان يرفع منه كلامه, فذلك لأهل معصيته: ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) لأنهما يبكيان على أولياء الله.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) (2)
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) يقول: لا تبكي السماء والأرض على الكافر, وتبكي على المؤمن الصالح معالمُه من الأرض ومقرُّ عمله من السماء.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال: بقاع المؤمن التي كان يصلي عليها من الأرض تبكي عليه إذا مات, وبقاعه من السماء التي كان يرفع فيها عمله.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن المنهال, عن سعيد بن جُبَير, قال: سُئل ابن عباس: هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال: نعم إنه ليس أحد, من الخلق إلا له باب في السماء يصعد فيه عمله, وينـزل منه رزقه, فإذا مات بكى عليه مكانه من الأرض الذي كان يذكر الله فيه ويصلي فيه, وبكى عليه بابه الذي كان يصعد فيه عمله, وينـزل منه رزقه. وأما قوم فرعون, فلم يكن لهم آثار صالحة, ولم يصعد إلى السماء منهم خير, فلم تبك عليهم السماء والأرض.
وقوله ( وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) يقول: وما كانوا مؤخرين بالعقوبة التي حلَّت بهم, ولكنهم عوجلوا بها إذ أسخطوا ربهم عزّ وجلّ عليهم .
------------------------
الهوامش:
(2) في الأصل: " لم يذكر لهذا السند تفسير عن قتادة والذي في الدر المنثور عنه قال: هم كانوا أهون على الله من ذلك. وقال: وكنا نحدث أن المؤمن تبكي عليه بقاعه التي يصلي فيها من الأرض ومصعد عمله من السماء ".
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29)

قوله تعالى : فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين .
قوله تعالى : فما بكت عليهم السماء والأرض أي لكفرهم . وما كانوا منظرين أي : مؤخرين بالغرق . وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم : بكت له السماء والأرض ، أي : عمت مصيبته الأشياء حتى بكته السماء والأرض والريح والبرق ، وبكته الليالي الشاتيات . قال الشاعر [ يزيد بن مفرغ الحميري ] :
فالريح تبكي شجوها والبرق يلمع في الغمامه
وقال آخر [ جرير ] :
والشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
وقالت الخارجية [ ليلى بنت طريف الشيباني ] :
أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنك لم تجزع على ابن طريف
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه . والمعنى أنهم هلكوا فلم تعظم مصيبتهم ولم يوجد لهم فقد . وقيل : في الكلام إضمار ، أي : ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة ، كقوله تعالى : واسأل القرية بل سروا بهلاكهم ، قاله الحسن . وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه - ثم تلا - فما بكت عليهم السماء والأرض يعني أنهم لم يعملوا على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم لأجله ، ولا صعد لهم إلى السماء عمل صالح فتبكي فقد ذلك . وقال مجاهد : إن السماء والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحا . قال أبو يحيى : فعجبت من قوله فقال : أتعجب! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل! . وقال علي وابن عباس - رضي الله عنهما - : إنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء . وتقدير الآية على هذا : فما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء ولا مواضع عبادتهم من الأرض . وهو معنى قول سعيد بن جبير . وفي بكاء السماء والأرض ثلاثة أوجه : أحدها أنه كالمعروف من بكاء الحيوان . ويشبه أن يكون قول مجاهد . وقال شريح الحضرمي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء يوم القيامة قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال - هم الذين إذا فسد الناس صلحوا - ثم قال - ألا لا غربة على مؤمن وما مات مؤمن في غربة غائبا عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض - ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما بكت عليهم السماء والأرض ثم قال : ألا إنهما لا يبكيان على الكافر .
قلت : وذكر أبو نعيم محمد بن معمر قال : حدثنا أبو شعيب الحراني قال حدثنا يحيى بن عبد الله قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني عطاء الخراساني قال : ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت . وقيل : بكاؤهما حمرة أطرافهما ، قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعطاء والسدي والترمذي محمد بن علي وحكاه عن الحسن . قال السدي : لما قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما بكت عليه السماء ، وبكاؤها حمرتها . وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما احمر له آفاق السماء أربعة أشهر . قال يزيد : واحمرارها بكاؤها . وقال محمد بن سيرين : أخبرونا أن الحمرة التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما - . وقال سليمان القاضي : مطرنا دما يوم قتل الحسين .
قلت : روى الدارقطني من حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الشفق الحمرة . وعن عبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالا : الشفق شفقان : الحمرة والبياض ، فإذا غابت الحمرة حلت الصلاة . وعن أبي هريرة قال : الشفق الحمرة . وهذا يرد ما حكاه ابن سيرين . وقد تقدم في ( سبحان ) عن قرة بن خالد قال : ما بكت السماء على أحد إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ، وحمرتها بكاؤها . وقال محمد بن علي الترمذي : البكاء إدرار الشيء فإذا أدرت العين بمائها قيل بكت ، وإذا أدرت السماء بحمرتها قيل بكت ، وإذا أدرت الأرض بغبرتها قيل بكت ; لأن المؤمن نور ومعه نور الله ، فالأرض مضيئة بنوره وإن غاب عن عينيك ، فإن فقدت نور المؤمن اغبرت فدرت باغبرارها ; لأنها كانت غبراء بخطايا أهل الشرك ، وإنما صارت مضيئة بنور المؤمن ، فإذا قبض المؤمن منها درت بغبرتها . وقال أنس : لما كان اليوم الذي دخل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء كل شيء ، فلما كان اليوم الذي قبض فيه أظلم كل شيء ، وإنا لفي دفنه ما نفضنا الأيدي منه حتى أنكرنا قلوبنا . وأما بكاء السماء فحمرتها كما قال الحسن . وقال نصر بن عاصم : إن أول الآيات حمرة تظهر ، وإنما ذلك لدنو الساعة ، فتدر بالبكاء لخلائها من أنوار المؤمنين . وقيل : بكاؤها أمارة تظهر منها تدل على أسف وحزن . قلت : والقول الأول أظهر ، إذ لا استحالة في ذلك . وإذا كانت السماوات والأرض تسبح وتسمع وتتكلم كما بيناه في ( سبحان ) و ( مريم ) و ( حم ) و ( فصلت ) ) فكذلك تبكي ، مع ما جاء من الخبر في ذلك والله أعلم بصواب هذه الأقوال .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features