ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5)

( ادعوهم لآبائهم ) الذين ولدوهم ( هو أقسط ) أعدل ( عند الله ) أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا معلى بن أسد ، أخبرنا عبد العزيز بن المختار ، أخبرنا موسى بن عقبة ، حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن .
( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم ) أي : فهم إخوانكم ( في الدين ومواليكم ) إن كانوا محررين وليسوا ببنيكم ، أي : سموهم بأسماء إخوانكم في الدين . وقيل : " مواليكم " أي : أولياءكم في الدين ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ) قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه ( ولكن ما تعمدت قلوبكم ) من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النهي .
وقال قتادة : " فيما أخطأتم به " أن تدعوه لغير أبيه ، وهو يظن أنه كذلك . ومحل " ما " في قوله تعالى : " ما تعمدت " خفض ردا على " ما " التي في قوله " فيما أخطأتم به " مجازه : ولكن فيما تعمدت قلوبكم .
( وكان الله غفورا رحيما ) أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا غندر ، أخبرنا شعبة عن عاصم ، قال : سمعت أبا عثمان قال : سمعت سعدا ، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وأبا بكرة وكان قد تسور حصن الطائف في أناس ، فجاءا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالا سمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " .
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5)

القول في تأويل قوله تعالى : ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) يقول الله تعالى ذكره: انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألحق نسب زيد بأبيه حارثة، ولا تدعه زيد بن محمد. وقوله: (هُوَ أقْسَطُ عِنْدِ اللَّه) يقول: دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله، وأصدق وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم ونسبنكموهم إلى من تبنَّاهم وادّعاهم وليسوا له بنين.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ادْعُوهُمْ لآبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدِ اللَّهِ) : أي أعدل عند الله، وقوله: (فإنْ لَمْ تَعْلمُوا آباءَهُمْ فَإخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) يقول تعالى ذكره: فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم، ولم تعرفوهم، فتلحقوهم بهم، (فإخوانكم في الدين) يقول: فهم إخوانكم في الدين، إن كانوا من أهل ملَّتكم، ومواليكم إن كانوا محرّريكم وليسوا ببنيكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ادْعُوهُم لآبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) : أي أعدل عند الله (فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ) فإن لم تعلموا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عُيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال أبو بكرة: قال الله: ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) فأنا ممن لا يُعرف أبوه، وأنا من إخوانكم في الدين، قال: قال أبي: والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمَّارًا لانتمى إليه.
وقوله: (وَلَيْسَ عَليْكُمْ جُناحٌ فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ) يقول: ولا حرج عليكم ولا وزر في خطأ يكون منكم في نسبة بعض من تنسبونه إلى أبيه، وأنتم ترونه ابن من ينسبونه إليه، وهو ابن لغيره (وَلَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) يقول: ولكن الإثم والحرج عليكم في نسبتكموه إلى غير أبيه، وأنتم تعلمونه ابن غير من تنسبونه إليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ) يقول: إذا دعوت الرجل لغير أبيه، وأنت ترى أنه كذلك (وَلَكِنْ ما تَعمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) يقول الله: لا تدعه لغير أبيه متعمدا. أما الخطأ فلا يؤاخذكم الله به (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) قال: فالعمد ما أتى بعد البيان والنهي في هذا وغيره، و " ما " التي في قوله: (وَلَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) خفض ردّا على " ما " التي في قوله: (فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ) وذلك أن معنى الكلام: ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن فيما تعمدت قلوبكم.
وقوله: (وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيما) يقول الله تعالى ذكره: وكان الله ذا ستر على ذنب من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول، وذمّ من ادّعى ولد غيره ابنا له، إذا تابا وراجعا أمر الله، وانتهيا عن قيل الباطل بعد أن نهاهما ربهما عنه، ذا رحمة بهما أن يعاقبهما على ذلك بعد توبتهما من خطيئتهما.
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5)

قوله تعالى : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما .
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ادعوهم لآبائهم نزلت في زيد بن حارثة ، على ما تقدم بيانه . وفي قول ابن عمر : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد ، دليل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية والإسلام ، يتوارث به ويتناصر ، إلى أن نسخ الله ذلك بقوله . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله أي أعدل . فرفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه ، وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا ; فيقال : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه ، وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه ، وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان . وقال النحاس : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني ، وهو من نسخ السنة بالقرآن ; فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف ، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه ، فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي ; يعني في الدين ، قال الله تعالى : إنما المؤمنون إخوة .
الثانية : لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ ، وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة ; لقوله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكذلك لو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس ; قاله قتادة . ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو فإنه كان غلب عليه نسب التبني ، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود ; فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية وعرف به . فلما نزلت الآية قال المقداد : أنا ابن عمرو ; ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه . ولم يسمع فيمن مضى من عصى مطلق ذلك عليه وإن كان متعمدا . وكذلك سالم مولى أبي حذيفة ، كان يدعى لأبي حذيفة . وغير هؤلاء ممن تبني وانتسب لغير أبيه وشهر بذلك وغلب عليه . وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة ; فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد ، فإن قاله أحد متعمدا عصى لقوله تعالى : ولكن ما تعمدت قلوبكم أي فعليكم الجناح . والله أعلم . ولذلك قال بعده : وكان الله غفورا رحيما أي غفورا للعمد ورحيما برفع إثم الخطأ .
الثالثة : وقد قيل : إن قول الله تبارك وتعالى : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم مجمل ; أي وليس عليكم جناح في شيء أخطأتم ، وكانت فتيا عطاء وكثير من العلماء . على هذا إذا حلف رجل ألا يفارق غريمه حتى يستوفي منه حقه ، فأخذ منه ما يرى أنه جيد من دنانير فوجدها زيوفا أنه لا شيء عليه . وكذلك عنده إذا حلف ألا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يعرفه أنه لا يحنث ; لأنه لم يتعمد ذلك . و ( ما ) في موضع خفض ردا على ( ما ) التي مع أخطأتم . ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ ; والتقدير : ولكن الذي تؤاخذون به ما تعمدت قلوبكم . قال قتادة وغيره : من نسب رجلا إلى غير أبيه ، وهو يرى أنه أبوه خطأ ، فذلك من الذي رفع الله فيه الجناح . وقيل : هو أن يقول له في المخاطبة : يا بني ; على غير تبن .
الرابعة : الأدعياء جمع الدعي ، وهو الذي يدعى ابنا لغير أبيه ، أو يدعي غير أبيه والمصدر الدعوة بالكسر فأمر تعالى بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب ، فمن جهل ذلك فيه ولم تشتهر أنسابهم كان مولى وأخا في الدين . وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية وقال : أنا ممن لا يعرف أبوه ، فأنا أخوكم في الدين ومولاكم . قال الراوي عنه : ولو علم - والله - أن أباه حمار لانتمى إليه ، ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة نفيع بن الحارث .
الخامسة : روي في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة كلاهما قال سمعته أذناي ووعاه قلبي محمدا صلى الله عليه وسلم يقول : من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام . وفي حديث أبي ذر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر .
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5)

ثم صرح لهم بترك الحالة الأولى، المتضمنة للقول الباطل فقال: { ادْعُوهُمْ } أي: الأدعياء { لِآبَائِهِمْ } الذين ولدوهم { هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } أي: أعدل، وأقوم، وأهدى.
{ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ } الحقيقيين { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } أي: إخوتكم في دين اللّه، ومواليكم في ذلك، فادعوهم بالأخوة الإيمانية الصادقة، والموالاة على ذلك، فترك الدعوة إلى من تبناهم حتم، لا يجوز فعلها.
وأما دعاؤهم لآبائهم، فإن علموا، دعوا إليهم، وإن لم يعلموا، اقتصر على ما يعلم منهم، وهو أخوة [الدين] والموالاة، فلا تظنوا أن حالة عدم علمكم بآبائهم، عذر في دعوتهم إلى من تبناهم، لأن المحذور لا يزول بذلك.
{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } بأن سبق على لسان أحدكم، دعوته إلى من تبناه، فهذا غير مؤاخذ به، أو علم أبوه ظاهرًا، [فدعوتموه إليه] وهو في الباطن، غير أبيه، فليس عليكم في ذلك حرج، إذا كان خطأ، { وَلَكِنْ } يؤاخذكم { بِمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } من الكلام، بما لا يجوز. { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } غفر لكم ورحمكم، حيث لم يعاقبكم بما سلف، وسمح لكم بما أخطأتم به، ورحمكم حيث بيَّن لكم أحكامه التي تصلح دينكم ودنياكم، فله الحمد تعالى.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features