أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)

( أتخذناهم سخريا ) قرأ أهل البصرة ، وحمزة ، والكسائي : " من الأشرار اتخذناهم " وصل ، ويكسرون الألف عند الابتداء ، وقرأ الآخرون بقطع الألف وفتحها على الاستفهام .
قال أهل المعاني : القراءة الأولى أولى ; لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخريا فلا يستقيم الاستفهام ، وتكون " أم " على هذه القراءة بمعنى " بل " ومن فتح الألف قال : هو على اللفظ لا على المعنى ليعادل " أم " في قوله ( أم زاغت عنهم الأبصار ) قال الفراء : هذا من الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتعجب " أم زاغت " أي مالت " عنهم الأبصار " . ومجاز الآية : ما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخريا لم يدخلوا معنا النار أم دخلوها فزاغت عنهم أبصارنا ، فلم نرهم حين دخلوها .
وقيل : أم هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا
وقال ابن كيسان : أم كانوا خيرا منا ولكن نحن لا نعلم ، فكانت أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدهم شيئا .
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)

وقوله ( أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا ) اختلفت القرّاء في قراءته, فقرأته عامة قرّاء المدينة والشام وبعض قرّاء الكوفة: ( أَتَّخَذْنَاهُمْ ) بفتح الألف من أتخذناهم, وقطعها على وجه الاستفهام, وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة, وبعض قرّاء مكة بوصل الألف من الأشرار: " اتخذناهم ". وقد بيَّنا فيما مضى قبلُ, أن كل استفهام كان بمعنى التعجب والتوبيخ, فإن العرب تستفهم فيه أحيانا, وتُخرجه على وجه الخبر أحيانا.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالوصل على غير وجه الاستفهام, لتقدّم الاستفهام قبل ذلك في قوله ( مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا ) فيصير قوله: " اتخذناهم " بالخبر أولى وإن كان للاستفهام وجه مفهوم لما وصفتُ قبل من أنه بمعنى التعجب.
وإذ كان الصواب من القراءة في ذلك ما اخترنا لما وصفنا, فمعنى الكلام: وقال الطاغون: ما لنا لا نرى سَلْمان وبِلالا وخَبَّابا الذين كنَّا نعدّهم في الدنيا أشرارا, أتخذناهم فيها سُخريا نهزأ بهم فيها معنا اليوم في النار؟.
وكان بعض أهل العلم بالعربية من أهل البصرة يقول: من كسر السين من السُّخْريّ, فإنه يريد به الهُزْء, يريد يسخر به, ومن ضمها فإنه يجعله من السُّخْرَة, يستسخِرونهم: يستذِلُّونهم, أزاغت عنهم أبصارنا وهم معنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد ( أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ ) يقول: أهم في النار لا نعرف مكانهم؟.
حُدثت عن المحاربيّ, عن جويبر, عن الضحاك ( وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ ) قال: هم قوم كانوا يسخَرون من محمد وأصحابه, فانطلق به وبأصحابه إلى الجنة وذهب بهم إلى النار ف ( َقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَار أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ ) يقولون: أزاغت أبصارنا عنهم فلا ندري أين هم؟.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا ) قال: أخطأناهم ( أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ ) ولا نراهم؟.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ ) قال: فقدوا أهل الجنة ( أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا ) في الدنيا( أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ ) وهم معنا في النار.
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)

أتخذناهم سخريا قال مجاهد : أتخذناهم سخريا في الدنيا فأخطأنا " أم زاغت عنهم الأبصار " فلم نعلم مكانهم . قال الحسن : كل ذلك قد فعلوا ، اتخذوهم سخريا ، وزاغت عنهم أبصارهم في الدنيا محقرة لهم . وقيل : معنى أم زاغت عنهم الأبصار أي : أهم معنا في النار فلا نراهم . وكان ابن كثير والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي يقرءون " من الأشرار اتخذناهم " بحذف الألف في الوصل . وكان أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر يقرءون " أتخذناهم " بقطع الألف على الاستفهام ، وسقطت ألف الوصل ; لأنه قد استغني عنها ، فمن قرأ بحذف الألف لم يقف على " الأشرار " لأن " اتخذناهم " حال . وقال النحاس والسجستاني : هو نعت لرجال . قال ابن الأنباري : وهذا خطأ ; لأن النعت لا يكون ماضيا ولا مستقبلا . ومن قرأ : " أتخذناهم " بقطع الألف وقف على " الأشرار " قال الفراء : والاستفهام هنا بمعنى التوبيخ والتعجب . " أم زاغت عنهم الأبصار " إذا قرأت بالاستفهام كانت أم للتسوية ، وإذا قرأت بغير الاستفهام فهي بمعنى بل .
وقرأ أبو جعفر ونافع وشيبة والمفضل وهبيرة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي : " سخريا " بضم السين . الباقون بالكسر . قال أبو عبيدة : من كسر جعله من الهزء ، ومن ضم جعله من التسخير . وقد تقدم .
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)

أي : في الدنيا ( أم زاغت عنهم الأبصار ) يسلون أنفسهم بالمحال يقولون : أو لعلهم معنا في جهنم ولكن لم يقع بصرنا عليهم . فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات وهو قوله : ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ) إلى قوله : ( [ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ] ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) [ الأعراف : 44 - 49 ]
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features