وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)

(وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ) أي : قربى ، قال الأخفش : " قربى " اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا ( إلا من آمن ) يعني : لكن من آمن ( وعمل صالحا ) قال ابن عباس : يريد إيمانه وعمله يقربه مني ( فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ) أي : يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة قرأ يعقوب : " جزاء " منصوبا منونا " الضعف " رفع ، تقديره : فأولئك لهم الضعف جزاء ، وقرأ العامة بالإضافة ( وهم في الغرفات آمنون ) قرأ حمزة : " في الغرفة " على واحده ، وقرأ الآخرون بالجمع لقوله : " لنبوأنهم من الجنة غرفا " ( العنكبوت - 58 ) .
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
يقول جل ثناؤه: وما أموالكم التي تفتخرون بها أيها القوم على الناس ولا أولادكم الذين تتكبرون بهم، بالتي تقربكم منَّا قربة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (عِنْدَنَا زُلْفَى) قال: قربى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ) لا يعتبر الناس بكثرة المال والولد، وإن الكافر قد يعطى المال، وربما حبس عن المؤمن. وقال جل ثناؤه: ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ) ولم يقل باللَّتين، وقد ذكر الأموال والأولاد، وهما نوعان مختلفان، لأنه ذُكر من كل نوع منهما جمع يصلح فيه التي، ولو قال قائل: أراد بذلك أحد النوعين لم يبعد قوله، وكان ذلك كقول الشاعر:
نحــنُ بِمَــا عِندَنــا وأنـتَ بمـا
عِنــدكَ رَاضٍ والــرأيُ مخــتَلِفُ (2)
ولم يقل راضيان.
وقوله (إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛ فقال بعضهم: معنى ذلك وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحًا فإنه تقربهم أموالهم وأولادهم بطاعتهم الله في ذلك وأدائهم فيه حقه إلى الله زلفى دون أهل الكفر بالله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله (إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) قال: لم تضرهم أموالهم ولا أولادهم في الدنيا للمؤمنين، وقرأ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ فالحسنى: الجنة، والزيادة: ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به، كما حاسب الآخرين، فمن حمل على هذا التأويل نصب بوقوع تقرب عليه، وقد يحتمل أن يكون " من " في موضع رفع، فيكون كأنه قيل: وما هو إلا من آمن وعمل صالحًا.
وقوله (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْف) يقول: فهؤلاء لهم من الله على أعمالهم الصالحة الضعف من الثواب، بالواحدة عشر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا) قال: بأعمالهم الواحد عشر، وفي سبيل الله بالواحد سبعمائة.
وقوله (فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) يقول: وهم في غرفات الجنات آمنون من عذاب الله.
------------------------
الهوامش:
(2) البيت لقيس بن الخطيم من قصيدة من المنسرح، كما في معاهد التنصيص شرح شواهد التلخيص. لعبد الرحيم العباسي وقد تقدم الكلام عليه في (10 : 122) مبسوطا. فراجعه ثمة.
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)

ثم قال : ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ) أي : ليست هذه دليلا على محبتنا لكم ، ولا اعتنائنا بكم .
قال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا كثير ، حدثنا جعفر ، حدثنا يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " . [ و ] رواه مسلم وابن ماجه ، من حديث كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، به .
ولهذا قال : ( إلا من آمن وعمل صالحا ) أي : إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح ، ( فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ) أي : تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ( وهم في الغرفات آمنون ) أي : في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ، ومن كل شر يحذر منه .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي ، حدثنا القاسم وعلي بن مسهر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها " . فقال أعرابي : لمن هي ؟ قال : " لمن طيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، [ وصلى بالليل والناس نيام ] " .
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)

وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قال مجاهد : أي قربى . والزلفة القربة . وقال الأخفش : أي إزلافا ، وهو اسم المصدر ، فيكون موضع ( قربى ) نصبا كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا . وزعم الفراء أن التي تكون للأموال والأولاد جميعا . وله قول آخر وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج ، يكون المعنى : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا ، ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه . وأنشد الفراء :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
ويجوز في غير القرآن : باللتين وباللاتي وباللواتي وباللذين وبالذين ; للأولاد خاصة أي لا تزيدكم الأموال عندنا رفعة ودرجة ، ولا تقربكم تقريبا . إلا من آمن وعمل صالحا قال سعيد بن جبير : المعنى إلا من آمن وعمل صالحا فلن يضره ماله وولده في الدنيا . وروى ليث عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيت وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا .
قلت : قول طاوس فيه نظر ، والمعنى والله أعلم : جنبني المال والولد المطغيين أو اللذين لا خير فيهما ; فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنعم هذا ! وقد مضى هذا في ( آل عمران ومريم ، والفرقان ) . و ( من ) في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله يقربانه مني . وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم التي في ( تقربكم ) . النحاس : وهذا القول غلط ; لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيدا . وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين ، ولكن قوله يئول إلى ذلك ، وزعم أن مثله إلا من أتى الله بقلب سليم يكون منصوبا عنده ب ( ينفع ) . وأجاز الفراء أن يكون من في موضع رفع بمعنى : ما هو إلا من آمن ، كذا قال ، ولست أحصل معناه . فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا يعني قوله : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فالضعف الزيادة ، أي لهم جزاء التضعيف ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول . وقيل : لهم جزاء الأضعاف ، فالضعف في معنى الجمع ، وإضافة الضعف إلى الجزاء كإضافة الشيء إلى نفسه ، نحو : حق اليقين ، وصلاة الأولى . أي لهم الجزاء المضعف ، للواحد عشرة إلى ما يريد الله من الزيادة .
وبهذه الآية استدل من فضل الغنى على الفقر . وقال محمد بن كعب : إن المؤمن إذا كان غنيا تقيا أتاه الله أجره مرتين بهذه الآية . وهم في الغرفات آمنون قراءة العامة جزاء الضعف بالإضافة . وقرأ الزهري ويعقوب ونصر بن عاصم ( جزاء ) منونا منصوبا ( الضعف ) رفعا ; أي فأولئك لهم الضعف جزاء ، على التقديم والتأخير . وجزاء الضعف على أن يجازوا الضعف . و ( جزاء الضعف ) مرفوعان ، ( الضعف ) بدل من ( جزاء ) . وقرأ الجمهور أيضا في الغرفات على الجمع ، وهو اختيار أبي عبيد ; لقوله : لنبوئنهم من الجنة غرفا . الزمخشري : وقرئ في الغرفات بضم الراء وفتحها وسكونها . وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وخلف ( في الغرفة ) على التوحيد ; لقوله تعالى : أولئك يجزون الغرفة . والغرفة قد يراد بها اسم الجمع واسم الجنس . قال ابن عباس : هي غرف من ياقوت وزبرجد ودر . وقد مضى بيان ذلك . ( آمنون ) أي من العذاب والموت والأسقام والأحزان .
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)

وليست الأموال والأولاد بالتي تقرب إلى الله زلفى وتدني إليه، وإنما الذي يقرب منه زلفى, الإيمان بما جاء به المرسلون, والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان, فأولئك لهم الجزاء عند اللّه تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها, إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, لا يعلمها إلا اللّه، { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي: في المنازل العاليات المرتفعات جدا, ساكنين فيها مطمئنين, آمنون من المكدرات والمنغصات, لما هم فيه من اللذات, وأنواع المشتهيات, وآمنون من الخروج منها والحزن فيها.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features