وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)

قوله تعالى : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) قال الكلبي : إن كفار مكة قالوا : إن محمدا شاعر ، وما يقوله شعر ، فأنزل الله تكذيبا لهم : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) أي : ما يتسهل له ذلك ، وما كان يتزن له بيت من شعر ، حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسرا .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد الثقفي ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بهذا البيت :
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا
فقال أبو بكر : يا رسول الله إنما قال الشاعر :
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا ، فقال أبو بكر وعمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله تعالى : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له )
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، حدثنا شريك ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه قال : قلت لعائشة : أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة .
قالت : وربما قال :
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقال معمر عن قتادة : بلغني أن عائشة سئلت : هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان الشعر أبغض الحديث إليه ، قالت : ولم يتمثل بشيء من الشعر إلا ببيت أخي بني قيس طرفة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فجعل يقول : " ويأتيك من لم تزود بالأخبار " فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : ليس هكذا يا رسول الله ، فقال : " إني لست بشاعر ولا ينبغي لي " .
) ( إن هو ) يعني : القرآن ) ( إلا ذكر ) موعظة ( وقرآن مبين ) فيه الفرائض والحدود والأحكام .
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)

ينزه تعالى نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم، عما رماه به المشركون، من أنه شاعر، وأن الذي جاء به شعر فقال: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } أن يكون شاعرا، أي: هذا من جنس المحال أن يكون شاعرا، لأنه رشيد مهتد، والشعراء غاوون، يتبعهم الغاوون، ولأن اللّه تعالى حسم جميع الشبه التي يتعلق بها الضالون على رسوله، فحسم أن يكون يكتب أو يقرأ، وأخبر أنه ما علمه الشعر وما ينبغي له، { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ } أي: ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب، جميع المطالب الدينية، فهو مشتمل عليها أتم اشتمال، وهو يذكر العقول، ما ركز اللّه في فطرها من الأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح.
{ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ } أي: مبين لما يطلب بيانه. ولهذا حذف المعمول، ليدل على أنه مبين لجميع الحق، بأدلته التفصيلية والإجمالية، والباطل وأدلة بطلانه، أنزله اللّه كذلك على رسوله.
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)

وقوله : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) : يقول تعالى مخبرا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أنه ما علمه الشعر ، ( وما ينبغي له ) أي : وما هو في طبعه ، فلا يحسنه ولا يحبه ، ولا تقتضيه جبلته ; ولهذا ورد أنه ، عليه الصلاة والسلام ، كان لا يحفظ بيتا على وزن منتظم ، بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه .
وقال أبو زرعة الرازي : حدثت عن إسماعيل بن مجالد ، عن أبيه ، عن الشعبي أنه قال : ما ولد عبد المطلب ذكرا ولا أنثى إلا يقول الشعر ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكره ابن عساكر في ترجمة " عتبة بن أبي لهب " الذي أكله السبع بالزرقاء .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن - هو البصري - قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت :
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا
فقال أبو بكر : يا رسول الله :
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
قال أبو بكر ، أو عمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) .
وهكذا روى البيهقي في الدلائل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : للعباس بن مرداس السلمي : " أنت القائل :
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة " . 50 فقال : إنما هو : " بين عيينة والأقرع " فقال : " الكل سواء " .
يعني : في المعنى ، صلوات الله وسلامه عليه .
وقد ذكر السهيلي في " الروض الأنف " لهذا التقديم والتأخير الذي وقع في كلامه ، عليه السلام ، في هذا البيت مناسبة أغرب فيها ، حاصلها شرف الأقرع بن حابس على عيينة بن بدر الفزاري ; لأنه ارتد أيام الصديق ، بخلاف ذاك ، والله أعلم .
وهكذا روى الأموي في مغازيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمشي بين القتلى يوم بدر ، وهو يقول : " نفلق هاما . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . " .
فيقول الصديق رضي الله عنه متمما للبيت :
. . . . . من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما
وهذا لبعض شعراء العرب في قصيدة له ، وهي في الحماسة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا مغيرة ، عن الشعبي ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر ، تمثل فيه ببيت طرفة :
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وهكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " من طريق إبراهيم بن مهاجر ، عن الشعبي ، عنها . ورواه الترمذي والنسائي أيضا من حديث المقدام بن شريح بن هانئ ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، كذلك . ثم قال الترمذي . هذا حديث حسن صحيح .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا أسامة ، عن زائدة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل من الأشعار :
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ثم قال : رواه غير زائدة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن عائشة .
وهذا في شعر طرفة بن العبد ، في معلقته المشهورة ، وهذا المذكور [ هو عجز بيت ] منها ، أوله :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الحافظ ، حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن نعيم - وكيل المتقي ببغداد - حدثنا أبو محمد عبد الله بن هلال النحوي الضرير ، حدثنا علي بن عمرو الأنصاري ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط ، إلا بيتا واحدا .
تفاءل بما تهوى يكن فلقلما يقال لشيء كان إلا تحققا
سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي عن هذا الحديث ، فقال : هو منكر . ولم يعرف شيخ الحاكم ، ولا الضرير .
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قيل لعائشة : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان أبغض الحديث إليه ، غير أنه كان يتمثل ببيت أخي بني قيس ، فيجعل أوله آخره ، وآخره أوله . فقال أبو بكر ليس هكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي " . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وهذا لفظه .
وقال معمر عن قتادة : بلغني أن عائشة سئلت : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ فقالت : لا إلا بيت طرفة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فجعل يقول : " من لم تزود بالأخبار " . فقال أبو بكر : ليس هذا هكذا . فقال : " إني لست بشاعر ، ولا ينبغي لي "
وثبت في الصحيحين أنه ، عليه الصلاة والسلام ، تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة ، ولكن تبعا لقول أصحابه ، فإنهم يرتجزون وهم يحفرون ، فيقولون :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع صوته بقوله : " أبينا " ويمدها . وقد روي هذا بزحاف في الصحيح أيضا . وكذلك ثبت أنه قال يوم حنين وهو راكب البغلة ، يقدم بها في نحور العدو :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
لكن قالوا : هذا وقع اتفاقا من غير قصد لوزن شعر ، بل جرى على اللسان من غير قصد إليه .
وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار فنكبت أصبعه ، فقال :
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وسيأتي عند قوله تعالى : ( إلا اللمم ) [ النجم : 32 ] إنشاد :
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما
وكل هذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم ما علم شعرا ولا ينبغي له ; فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] . وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش ، ولا كهانة ، ولا مفتعل ، ولا سحر يؤثر ، كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال . وقد كانت سجيته صلى الله عليه وسلم تأبى صناعة الشعر طبعا وشرعا ، كما رواه أبو داود قال :
حدثنا عبيد الله بن عمر ، حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا شرحبيل بن يزيد المعافري ، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ] : ما أبالي ما أوتيت إن أنا شربت ترياقا ، أو تعلقت تميمة ، أو قلت الشعر من قبل نفسي " . تفرد به أبو داود .
وقال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن الأسود بن شيبان ، عن أبي نوفل قال : سألت عائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسامع عنده الشعر ؟ فقالت : كان أبغض الحديث إليه . وقال عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء ، ويدع ما بين ذلك .
وقال أبو داود : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، خير له من أن يمتلئ شعرا " . تفرد به من هذا الوجه ، وإسناده على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا بريد ، حدثنا قزعة بن سويد الباهلي ، عن عاصم بن مخلد ، عن أبي الأشعث ، الصنعاني ( ح ) وحدثنا الأشيب فقال : عن ابن عاصم ، عن [ أبي ] الأشعث عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة ، لم تقبل له صلاة تلك الليلة " .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة . والمراد بذلك نظمه لا إنشاده ، والله أعلم . على أن الشعر فيه ما هو مشروع ، وهو هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام ، كحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وأمثالهم وأضرابهم ، رضي الله عنهم أجمعين . ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب ، كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية ، ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " آمن شعره وكفر قلبه " . وقد أنشد بعض الصحابة منه للنبي صلى الله عليه وسلم مائة بيت ، يقول عقب كل بيت : " هيه " . يعني يستطعمه ، فيزيده من ذلك .
وقد روى أبو داود من حديث أبي بن كعب ، وبريدة بن الحصيب ، وعبد الله بن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من البيان سحرا ، وإن من الشعر حكما " .
ولهذا قال تعالى : ( وما علمناه الشعر ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ما علمه الله شعرا ، ( وما ينبغي له ) أي : وما يصلح له ، ( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) أي : ما هذا الذي علمناه ، ( إلا ذكر وقرآن مبين ) أي : بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره . ولهذا قال :
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features