قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)

( قل ياعباد الذين آمنوا اتقوا ربكم ) بطاعته واجتناب معصيته ، ( للذين أحسنوا في هذه الدنيا ) أي : آمنوا وأحسنوا العمل ، ) ( حسنة ) يعني : الجنة ، قاله مقاتل . وقال السدي : في هذه الدنيا حسنة يعني : الصحة والعافية ، ( وأرض الله واسعة ) قال ابن عباس : يعني ارتحلوا من مكة . وفيه حث على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي .
وقيل : نزلت في مهاجري الحبشة .
وقال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي فليهرب . ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للأذى .
وقيل : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء وصبروا وهاجروا .
قال علي - رضي الله عنه - : كل مطيع يكال له كيلا ويوزن له وزنا إلا الصابرون ، فإنه يحثى لهم حثيا .
ويروى : " يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر صبا بغير حساب ، قال الله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل .
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)

قوله تعالى : قل ياعبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
قوله تعالى : قل يا عبادي الذين آمنوا أي قل يا محمد لعبادي المؤمنين " اتقوا ربكم " أي اتقوا معاصيه ، والتاء مبدلة من واو ، وقد تقدم . وقال ابن عباس : يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة . ثم قال : للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة يعني بالحسنة الأولى الطاعة وبالثانية الثواب في الجنة . وقيل : المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا ، يكون ذلك زيادة على ثواب الآخرة ، والحسنة الزائدة في الدنيا الصحة والعافية والظفر والغنيمة . قال القشيري : والأول أصح ; لأن الكافر قد نال نعم الدنيا .
قلت : وينالها معه المؤمن ويزاد الجنة إذا شكر تلك النعم . وقد تكون الحسنة في الدنيا الثناء الحسن ، وفي الآخرة الجزاء .
" وأرض الله واسعة " فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل بالمعاصي . وقد مضى القول في هذا مستوفى في [ النساء ] وقيل : المراد أرض الجنة ، رغبهم في سعتها وسعة نعيمها ، كما قال : " وجنة عرضها السماوات والأرض " والجنة قد تسمى أرضا ، قال الله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء والأول أظهر ، فهو أمر بالهجرة . أي : ارحلوا من مكة إلى حيث تأمنوا . الماوردي : يحتمل أن يريد بسعة الأرض سعة الرزق ; لأنه يرزقهم من الأرض فيكون معناه : ورزق الله واسع ، وهو أشبه ; لأنه أخرج سعتها مخرج الامتنان .
قلت : فتكون الآية دليلا على الانتقال من الأرض الغالية ، إلى الأرض الراخية ، كما قال سفيان الثوري : كن في موضع تملأ فيه جرابك خبزا بدرهم .
إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب أي بغير تقدير . وقيل : يزاد على الثواب ; لأنه لو أعطي بقدر ما عمل لكان بحساب . وقيل : بغير حساب أي : بغير متابعة ولا مطالبة كما تقع المطالبة بنعيم الدنيا . و " الصابرون " هنا الصائمون ، دليله قوله عليه الصلاة والسلام مخبرا عن الله - عز وجل - : ( الصوم لي وأنا أجزي به " قال أهل العلم : كل أجر يكال كيلا ويوزن وزنا إلا الصوم فإنه يحثى حثوا ويغرف غرفا ، وحكي عن علي - رضي الله عنه - . وقال مالك بن أنس في قوله : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال : هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها . ولا شك أن كل من سلم فيما أصابه ، وترك ما نهي عنه ، فلا مقدار لأجرهم . وقال قتادة : لا والله ما هناك مكيال ولا ميزان ، حدثني أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تنصب الموازين فيؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين ، وكذلك الصلاة والحج ، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر بغير حساب . قال الله تعالى : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل . وعن الحسين بن علي - رضي الله عنهما قال : سمعت جدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أد الفرائض تكن من أعبد الناس ، وعليك بالقنوع تكن من أغنى الناس ، يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى ، يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، يصب عليهم الأجر صبا . ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب . ولفظ صابر يمدح به ، وإنما هو لمن صبر عن المعاصي ، وإذا أردت أنه صبر على المصيبة قلت : صابر على كذا ، قال النحاس . وقد مضى في [ البقرة ] مستوفى .
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)

أي: قل مناديا لأشرف الخلق، وهم المؤمنون، آمرا لهم بأفضل الأوامر، وهي التقوى، ذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى، وهو ربوبية اللّه لهم وإنعامه عليهم، المقتضي ذلك منهم أن يتقوه، ومن ذلك ما مَنَّ اللّه عليهم به من الإيمان فإنه موجب للتقوى، كما تقول: أيها الكريم تصدق، وأيها الشجاع قاتل.
وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا } بعبادة ربهم { حَسَنَة } ورزق واسع، ونفس مطمئنة، وقلب منشرح، كما قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }
{ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } إذا منعتم من عبادته في أرض، فهاجروا إلى غيرها، تعبدون فيها ربكم، وتتمكنون من إقامة دينكم.
ولما قال: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ } كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع، وهو أن النص عام، أنه كل من أحسن فله في الدنيا حسنة، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن، لا يحصل له ذلك، دفع هذا الظن بقوله: { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } وهنا بشارة نص عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم، بقوله ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك ) تشير إليه هذه الآية، وترمي إليه من قريب، وهو أنه تعالى أخبر أن أرضه واسعة، فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا إلى غيرها، وهذا عام في كل زمان ومكان، فلا بد أن يكون لكل مهاجر، ملجأ من المسلمين يلجأ إليه، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه.
{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار اللّه المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد اللّه الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند اللّه، وأنه معين على كل الأمور.
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( قُلْ ) يا محمد لعبادي الذين آمنوا: ( يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالله, وصدقوا رسوله ( اتَّقُوا رَبَّكُمُ ) بطاعته واجتناب معاصيه ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة )
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: للذين أطاعوا الله حسنة في هذه الدُّنْيا، وقال " في" من صلة حسنة, وجعل معنى الحسنة: الصحة والعافية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ) قال: العافية والصحة.
وقال آخرون " في" من صلة أحسنوا, ومعنى الحسنة: الجنة.
وقوله: ( وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ) يقول تعالى ذكره: وأرض الله فسيحة واسعة, فهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام.
كما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نحيح, عن مجاهد, قوله: ( وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ) فهاجروا واعتزلوا الأوثان.
وقوله: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول تعالى ذكره: إنما يعطي الله أهل الصبر على ما لقوا فيه في الدنيا أجرهم في الآخرة بغير حساب، يقول: ثوابهم بغير حساب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) لا والله ما هُناكم مكيال ولا ميزان.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: في الجنة.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features